ج12/ مفردات اللهجة العراقية بين العربية والمندائية
علاء اللامي*
مفردات هذا الجزء: كَرَّكت الدجاجة، يتعزز، يتلگلگ، يتمسهد، يتنعوص، يتهدر، يچط، يچو، يرقان، يسوي، يشبي، يشور، يصنف، يطر، يعوِّر، يگر، يفش، يلعلع:
تذكير مكرر: لتسهيل قراءة قوائم المفردات، سأكتب المفردة أولا كما تلفظ في اللهجة العراقية، ثم علامة مساواة، وبعدها لفظ المفردة في المندائية كما ذكره المؤلف قيس مغشغش السعدي بين قوسين كبيرين، ثم معناها في المندائية وفي اللهجة العراقية، وأختم الفقرة بتعليقاتي أو استدراكاتي عليها مع التوثيق التأثيلي من المعاجم على كونها عربية وحسب ترتيب ورود هذه المفردات في الكتاب المذكور:
180-يتعزز =(أزز) وتعني يتمنع أو يتدلع بما يملكه على الآخرين. وهذا تخريج ضعيف وتلفيقي فالكلمة من “عزيز” وتعني يجعل نفسه عزيزا على الآخرين فيتدلل عليهم ويتمنع. والصيغة عربية فصيحة على زنة يتفعلل.
181- يتلگلگ =(لگا) يتمتم، يتأتئ، يتلعثم. تأتي بمعنى التودد إلى المقابل للحصول على مغنم. (لقلقة) كلمة عربية ممعجمة لها المعنى المندائي نفسه تقريبا، نقرأ في معجم اللغة العربية المعاصرة”: اللقلقة: حُبْسَة في اللِّسان “لقلقة اللِّسان: إعجاله في النطق فلا ينطق ولا يتثبَّت”. حبسة فِي اللِّسَان وَالصَّوْت فِي حَرَكَة واضطراب يُقَال للنوائح لقلقَة (ج) لقالق. ولكن معنى المفردة في العامية بعيد عن هذا المعنى في المندائية والعربية فيتلقلق (يتلگلگ)، تعني يتملق، ينافق واللوقي (لوگي) هو المتملق والمنافق، وربما كان قد اشتق من صوت المنافق المتملق التي غالبا ما يتأتئ ويضطرب الشبيه بصوت طائر اللقلق. وقد يوحي بهذا المعنى ما ورد في معجم المعاني في شرح عبارة “لقلقة اللِّسان: إعجاله في النطق فلا ينطق ولا يتثبَّت”.
182-يتمسهد =(سهد) يقول المؤلف “إن كلمة شهد يقابلها كلمة شهد في العربية”…”علما أن المعنى يبقى نفسه ولكن تستخدم كلمة يتمسهد في اللغة العامية ليقصد بها الضحك من الآخر وربما الاستهزاء به”. ويضيف المؤلف: يظهر أن أساس الكلمة هو الفعل سهد الآرامي حين يطلب من شخص أن يشهد “يسهد” على آخر فربما يقول ما يجعل المقابل يحرج…إلخ “. وهذا التخريج ضعيف فالفرق كبير بين معنى يستهزأ و”يسخر من” و”يشهد على”.
183-يتنعوص=(نصا) يجادل يخاصم. تخريج ضعيف وبعيد لفظا ومعنى. فالكلمة لا تعني يجادل ويخاصم بل يعني يتكلم بطريقة غريبة وكأنه يتكلم من أنفه وبطريقة فيها دلال ومبالغة وافتعال ما يزعج السامع. وقد سمعتُها بالغين أحيانا “يتنغوص”.
184- يتهدر =(هدر) يعاد، ينتظم، يعمل مرة أخرى. تخريج بعيد وضعيف لفظا ومعنى. وعبارة “يتهدر الطعام أو الشاي” تعني تركه على نار خفيفة حتى يهدأ ويصفو ويرق. ولم أتوصل إلى جذر الكلمة في المعاجم ولكني وجدت في معجم المعاني هذا الشرح فقد يكون ذا علاقة بالكلمة: “هدَرت القدرُ: غلى الماءُ فيها، هَدَرَ اللَّبَنُ: خَثُرَ أَعْلاَهُ”.
185-يچط =(شطا) في المندائية يغلط يعمل عملا سخيفا، يتصرف بحماقة. والكلمة عربية فصيحة ويبدو أنها موجودة في لغات شقيقية أخرى، تلفظ بالجيم الثلاثية في العامية وبالشين بالعربية الفصحى، وتعني: “شطّ في الأمر: تجاوز فيه الحدَّ، أفرط فيه. شطّ في الحُكم: ظلَم وجار، شَطَّطَ فِي حُكْمِهِ: بَالَغَ فِي الشَّطَطِ، فِي الْجَوْرِ، فِي الظُّلْمِ، بَعُدَ عَنِ الْحَقِّ: لا تبالغ في الظّلم، والبُعْد عن الحقّ. شطّ في القول: أغلظ فيه”. وفي لسان العرب نقرأ “واشتطَّ الرجل فيما يَطْلُبُ أَو فيما يحكم إِذا لم يَقْتَصِد. وأَشَطَّ… وقيل: هو من قولهم شَطَّني فلان يَشِطُّني شَطّاً إِذا شَقَّ عليك وظلمك”.
186-يچور =(شور) تعني في المندائية يقفز يتحرك يثب وفي العامية “صيغة فعل لعملية الاستدارة” ويفهم من هذه العبارة الركيكة أنها تعني يكور، يجعل الشيء على شكل كرة. وهذا تخريج باطل فالكلمة عربية فصحى وهي يكور ولكنها ملفوظة بكشكشة ربيعة ولأن المؤلف يجهل هذه الكشكشة جعلها مندائية مع اللفظة المندائية البعيدة لفظا ومعنى عن يكور “يچور”!
187-يرقان=(يرقانا). مرض اليرقان المعروف. ولكن المؤلف زج بهذه الكلمة في معجمه المندائي مع أنها عربية من المحدث وموجودة في جميع المعاجم القديمة والحديثة لأنها كما يكتب بلغته الغريبة (ليس لتسمية المصطلح معنى في الكلمة المستخدمة في اللغة العربية، وإنما يأتي الاستخدام متطابقا مع معنى الكلمة في المندائية التي أساسها الفعل الثلاثي “يرق”. فما علاقة “يرق” بمرض اليرقان (أو ما يسمى مرض الصفار الابيض، أو مرض ابو صفار، هو مرض ناجم عن تكون كمية زائدة من صبغة لونها مائل الى الصفرة في الدم، فينتج عن ذلك اصفرار الجلد والعينين)؟
ويضيف المؤلف قيس مغشغش السعدي: “وتتعزز التسمية بشكل أكبر حينما نعرف أن كلمة خضروات في اللغة المندائية هي “يرقوني”. فما معنى هذا التخريج، وما المعنى المختلف الذي تعبر عنه الكلمة في اللهجة العامية العراقية، وهل يؤدي اختلاف المعاني الطفيف للكلمة الواحدة إلى إخراجها من معجمها وتحويلها إلى معجم لغة أخرى؟!
188-يستورح=(رها) يشم. يقال في اللهجة العامية يستورح أكثر من كلمة يشم. وكلمة “استروح” القريبة منها لفظا عربية فصيحة لفظا ومعنى. نقرأ في المعجم الوسيط: “اِسْتَرْوَحَ الطِّيبَ: تَشَمَّمَهُ” والفعل مزيد من ذات الجذر العربي والجزيري “السامي” روح. فأي الكلمات أقرب “رها” المندائية” أم “استروح” العربية؟
189- يسوي =(شوا) يعمل. وهذا الفعل عربي فصيح وهو يسوي وسَوَّاهُ، نقرأ في المعجم: سواه أي قوّمه وعدله. وقد وردت الكلمة في القرآن في الآية السابعة من سورة الانفطار “الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ” والمعنى واللفظ واضحان!
190-يشبي =(شبا) وتعني في المندائية يعادل يساوي يبسط يوافق. ولتوضيح معناها في العامية العراقية يأتي المؤلف بهذا المثال (جبنا الثور يشبي الهايشة) ونلاحظ أن هذا التخريج لكلمة يشبي بمعنى يعلو وينكح لا علاقة له بالمعاني في المندائية أما في العربية الفصحى فنقرأ في عدة معاجم ومنها الوسيط والمعاني والمعاصر والقاموس المحيط أن معنى شبا يشبو هو علا يعلو أي يصعد فوق! وهو المعنى المراد بقولهم (جبنا الثور كي يعلو الهايشة) والهايشة كما أسلفنا تعني في ما تعني البقرة في عدة لهجات عربية.
191-يشور =(شرا) يسحق، يدمر. وفي مَعْجَمَتِهِ لكلمة (شارة) يكتب المؤلف (المعروف في اللغة العامية أن كلمة “شارة” تعني ظهور إشارة أو علامة على شخص بسبب الدعاء عليه بالمكروه من الضد ويقال هذا الإمام أو الولي يشور. وقد ظهر لنا أن كلمة شارة في اللغة المندائية هي اسم كائن سماوي يدل على القوة وتأثيره في الآخرين”. أي أن المؤلف يحتج بتخريج يؤكد أن الكلمة ذات أصل عربي لتأكيد مندائيتها مدعما تخريجته بشرح ديني للكلمة في لغة أخرى، وهذا أمر عجيب حقا! ترى لماذا لا تكون كلمة يشور بمعنى “تظهر إشارته “الإمام أو الولي” في مَن دُعي عليه دعاءً بإلحاق الأذى” أليس هذا هو التخريج المنطقي للكلمة؟
192-يصنف =(صنف) يصرف، يعزف عن، يواري، يلف ويدور. وتعني الكلمة في العامية السخرية من شخص أو شيء. أما المؤلف يضيف أنها تعني التقليل من قيمة الشخص. وهذا تخريج ضعيف فالمفردة لا علاقة لها من حيث المعنى بمعاني الكلمة المندائية. ويمكن أن تكون استخدامها العامي استخداما مجازيا للفعل العربي يصنف عليه لتعني: ينظِّم فيه وعليه الطرائف، ويفصِّل ويصنِّف الأقوال والنوادر الساخرة.
193- يطُر =(طرا) يدفع يصيب يفلق في المندائية. والفعل موجود في العربية بمعنى قريب جدا من المعنى العراقي فهو معجم المعاني: طَرَّ الثَّوْبَ: شَقَّهُ وطَرَّهُ بِالسَّيْفِ: قَطَعَهُ.
194-يعور =(أوارا) دمار تلف خراب. في العامية تعني الكلمة الإصابة بأذى كجرح أو رضة او ما شابه ذلك. والكلمة عربية فصيحة لها معان عديدة في المعاجم. نقرأ في معجم المعاني: “عوَّرَ يعوِّر، تعويرًا، فهو مُعوِّر، والمفعول مُعوَّر، عَوَّرَهُ: آذاه… عوَّرَ يعوِّر، تعويراً، فهو مُعوِّر، والمفعول مُعوَّر” وأيضا “عوَّرَهُ بِقَضِيبٍ: ضربه بقضيب فصَيَّرَهُ أَعْوَرَ… عوَّر الرَّاعي الماشيةَ: عرَّضها للتَّلف والضَّواري”. وقد حدث في هذه المفردة انتقال في المعنى من الخاص “تعوير العين أي ذهابها وإلحاق الأذى بها” إلى إلحاق الأذى بالجسم كله أو حتى بالحيوان” وفي بعض اللهجات الخليجية تعني جَرَحَ.
195-يْفُرْ =(يطير). يقول المؤلف أن كلمة يفر في العامية العراقية تعني يطير، وهو المعنى نفسه في المندائية. وهذا تخريج ضعيف فالكلمة عربية تعني هرب دون تحديد طريقة الهروب سواء كانت وثبا أو جريا أو طيرانا. وللكلمة في العامية معنى آخر أهمله المؤلف هو (يفر = يدور، ومنها الفرارة لعبة أطفال المعروفة ومنها فر بمعنى هربَ من الخدمة العسكرية ويسمونه فراري).
196-يفشّ / أفيش =(فشش). ذكرناها في المفردة رقم 11 وقلنا عنها: (أفيش = (فشش) استرخى واستراح. وهذا صوت قريب من اسم الفعل المضارع أو التنهد، وحتى في لفظه فهو بعيد عن اللفظ المندائي (فشش). وفي معجم المعاني نقرأ “فشَّ الإناء ونحوه أخرج ما فيه من هواء وماء: فشَشْتُ الكُرةَ، فشَّ خُلْقَه في فلان”.
197-يگر =(قرا) في المندائية تعني ينادي يلح يدعو والمؤلف يعتبر ورودها في العامية بمعنى يلح مندائية الأصل ويضرب لها مثلا في قولهم “الأم تگر على ابنها والحبيب يگر على حبيبته”، بمعنى تلح في الكلام. وهذا تخريج خاطئ، والكلمة موجودة في لهجات عربية أخرى كالمصرية “بتقر علينا” بتهميز القاف. ولها مرادفات كثيرة في المعاجم منها ما يفيد الاستمرارية والدأب (قرَّ: ثابَرَ، ثَبَتَ، داوَمَ، دَأَبَ، لازَمَ، لامَ) ولعل أهم هذه المرادفات والذي ينطبق تماما على معناها العراقي والمصري هو “قرَّ: لجَّ (ثبت على الفعل بشيء من الإلحاح)”.
198-يكرك=(كرك) وتعني في المندائية يحيط ويطوق، وفي العامية يضرب لها مثالا في ما (تقوم به الدجاجة التي تكرك على بيضها فتحيط به وتطوقه). والكلمة عربية فصيحة ونجدها بهذا المعنى في معجم لسان العرب لابن منظور، نقرأ (وقال يونس كَرَّكت الدجاجة وهي كُرُكَّة، ورأَيت في بعض حواشي. أَمالي ابن بري: أَكْرَكَت الدجاجة وهي كُرُكَّة، ونسب إلى الصاغاني” وفي شرح معنى الفعل نقرأ “وقفت عن البيض” وربما يكتمل المعنى بالقول “وقفت عن البيض لتكرك أو ترقد على الموجود منه”. ومن الواضح أن الكلمة في اللهجة العراقية والخليجية أقرب إلى العربية الفصحى بل هي نفسها منها في لهجات عربية أخرى في مصر والشام حيث يستعمل فعل “ترقد الدجاجة على بيضها”.
199- يگزل = (گزل) يعرج. وهذه الكلمة عربية فصحى تلفظ في اللهجة العراقية بقاف حميرية أي جيم قاهرية ويقول عنها معجم المعاني: قَزِلَ قَزِلَ َ قَزَلاً: عَرِجَ أَسوأَ العَرَج. وقَزِلَ دَقت ساقه لذَهاب لحمها. فهو أَقْزَلُ، وهي قزلاءُ. والجمع: قزْلٌ.
200-يلعلع =(ليلاي) تعني في المندائية “نحو الأعلى”، ويقال في العامية لمن يعلو صوته “صوته يلعلع”. وهذا تخريج بائس حقاً، فالكلمة عربية فصيحة وشائعة. نقرأ في المعجم المعاصر (لعلع، لعلعةً، فهو مُلَعْلِع، لعلع الرَّعدُ: صوَّت، دوّى “لعلع صوتُ الرَّصاصِ في الهواء”). وفي معجم المعاني نقرأ (لعلع الرَّعدُ صوَّت، دوّى: لعلع صوتُ الرَّصاصِ في الهواء). يتبع.