المغيبون قسرا
زهير كاظم عبود
الغائب يعني انه ليس حاضرا او غير موجود لسبب او دون سبب ٬ وانقطعت اخباره بحيث لا نعلم عنه ان كان حيا او ميتا ٬ وعالجت القوانين العراقية المدنية حالات الفقدان في القانون المدني او في قانون الأحوال الشخصية ٬ ولعل فترة الحرب التي تورط بها الطاغية ضد الجارة ايران كانت من بين اكثر الفترات التي ظهرت بها حالة الفقدان ٬ وحالة الفقدان مؤثرة وعميقة الألم ضمن المشاعر الإنسانية ٬ حيث يبقى الامل منعقدا على حالة عودة المفقود ٬ او ظهوره حيا بعد فترة ٬ او التشبث بورود اية بارقة امل لأهله يتعلقون بها ٬ غير ان الحزن والكمد الذي تتحمله عائلة المفقود واقرب الناس اليه يبقى كبيرا ويفطر القلب .
وانا اتصفح جريدة الصباح يوميا آمر مرورا يلزمني بالتوقيف حول موقف إنساني يلفت النظر يتجسد بإصرار هيئة التحرير ان تبقي اسم الصحفي توفيق التميمي مسؤولا عن صحف المحافظات ٬ وكلنا نعلم اختفاء وتغييب الصحفي توفيق التميمي منذ التاسع من شهر آذار ٢٠٢٠ وحتى اليوم ٬ لكنه الوفاء والموقف الإنساني الذي يلزم الجريدة على إبقاء هذا الاسم الجليل والمدافع الأمين عن حقوق الانسان .
الممارسات التي تم فضحها والتعرف عليها في قيام أجهزة الامن الصدامي باختطاف اشخاص عراقيين من بيوتهم او من الشوارع ٬ ومن ثم تغييبهم نتيجة اللجوء الى استعمال أساليب القسوة والقوة المفرطة في التعذيب الجسدي ضدهم لأسباب سياسية ٬ ولعدم قدرة المختطفين على تحمل أساليب التعذيب فتنتهي حياتهم تحت تلك الممارسات الاجرامية ٬ فتلجا تلك الأجهزة الى إخفاء جرائمها وانكار وجود او اعتقال تلك الأسماء ٬ ودفنهم سرا في مقابر مجهولة ٬ وبقيت تلك الأسماء المختطفة والمغيبة مجهولة المصير حتى سقط صدام ونظامه وتكشفت الحقائق ٬ وعرف بعض الناس مكان قبور أولادهم ٬ او اطلعوا على قرارات الحكم بإعدامهم التي تصدرها محكمة الثورة سيئة الصيت .
هذا التغييب القسري مورس في ظل أجهزة امنية واستخبارية تحميها الحكومة ٬ ولخدمة الحكومة اسكاتا للصوت المعارض لها ٬ وتمت ادانة تلك الأساليب وتلك الأجهزة ٬ ولم تتم ملاحقة او مسائلة آو محاكمة من مارس التعذيب واستخدم تلك الأساليب في تلك الأجهزة الأمنية لانشغالنا بقضايا أخرى ٬ وبقيت صفحة تغييب المواطن في تلك الفترة علامة فارقة وأسلوب بعيدا عن الإنسانية ٬ وممارسات مدانة لا ترقى لمستوى أساليب السلطات التي تحترم نفسها ومواطنيها ودستورها وقوانينها .
واعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري بالنظر لما تشكله ظاهرة الاختفاء القسري من مشكلة خطيرة تهدد المجتمع الإنساني ٬ ولعل تلك المعاهدة من بين اهم المعاهدات التي تعني بحقوق الانسان ٬ وتدعو الى كشف تفاصيل تلك العمليات والوصول الى العدالة في مصير تلك الاعداد ٬ والحرص على التوصل اليهم ومساعدة عوائلهم وإيقاف معاناتهم بالنظر لما يتركه فقدانه او اختفاءه من اثر سلبي على العائلة ٬ والعراق من بين الدول التي وقعت على المعاهدة المذكورة والتزمت بها .
بعد التغيير في العام ٢٠٠٣ تم كنس صفحة مريرة من حياة العراقيين ٬ وكلنا امل في ان نخط صفحة جديدة تسودها القيم والتفاهم والمحبة ٬ وان يكون الاختلاف في العقائد والأفكار والالتزامات طريقا للوصول الى بلد يضم الجميع ويحترم القانون ٬ وجميع الطرق المختلفة تؤدي الى طريق مستقبل الديمقراطية ٬ وان نسعى بقدر الإمكان الى تحويل الاختلاف الى حوار بدلا من اللجوء الى أساليب وممارسات كنا قد نبذناها ونستنكر اللجوء اليها ٬ الا ان حالات التغييب التي تركت حزنا كبيرا وعودة الى أساليب تلك الأجهزة الأمنية تركت اثرا بليغا وقلقا في نظرتنا للمستقبل .
وحين يتم اختطاف الصحفي توفيق التميمي في وضح النهار وامام بيته ٬ وغيره من الأشخاص الذين جرى اختطافهم وتغييبهم أمثال جلال الشحماني ومازن لطيف وفرج البدري ولعل الأسماء الأخرى في بقية المحافظات تدل على خطورة الأفعال المرتكبة والتي للأسف لم تكن هناك جدية لكشف الحقيقة والتوصل الى الجناة ومعاقبتهم والتوصل الى مصير المغيبين قسرا .
ملف المغيبين سيبقى مفتوحا حتى يتم إعادة فتحة مجددا ٬ وانه لن يغلق نهائيا لبقاء الفعل والفاعل والضحايا على الساحة ٬ حتى يتم اجراء التحقيق من قبل سلطات مقتدرة ومختصة وان لا تأخذها بالحق لومة لائم ٬ فالخاطف ومن غيب مواطن مرتكبا لفعل اجرامي يعاقب عليه القانون مهما كانت درجته او منزلته او أفكاره ٬ وان يتم جمع الأدلة والقرائن عن الأسباب والنتائج ومصير المغيبين ٬ وان تولي الحكومة الاهتمام بالملف ومساعدة أهالي الضحايا والمتضررين من فقدان احبتهم سواء ماديا او معنويا ٬ وان تسعى السلطة التنفيذية على منع وتحجيم مثل هذه الحالات مستقبلا .
جريدة الصباح ٢١|٨