التطبيع السعودي الإسرائيلي: يرونه بعيداً ويراه آخرون قريبا
في خطوة جديرة بالاهتمام والتحليل، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تعيين سفير لها فوق العادة لدى السلطة الفلسطينية، كما سيتولى أيضا منصب القنصل العام في مدينة القدس المحتلة، وكانت السفارة السعودية في عمّان هي التي تتولى ملف الأراضي الفلسطينية.
لقد سبقت هذه الخطوة تقارير تقول بوجود جهود أمريكية لتقريب وجهات النظر بين المملكة وإسرائيل، وصولا إلى إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة بين الرياض وتل أبيب، كما لوحظ قيام العديد من المسؤولين الأمريكيين بزيارات مكوكية للمملكة في الآونة الأخيرة، منها زيارة مستشار الأمن القومي ثلاث مرات خلال فترة قصيرة، وزيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
كما أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر قال (أجرينا محادثات مُثمرة مع كل من الحكومة الإسرائيلية والحكومة السعودية. هذه المحادثات مستمرة، وأتوقع إجراء المزيد منها في الأسابيع المقبلة). وأضاف (لقد أحرزنا تقدما في عدد من القضايا ولن أخوض في ماهية التقدم).
كذلك أدلت الخارجية الإسرائيلية بدلوها في هذا الموضوع أيضا، لكنها اكتفت بالإشارة الى تصريح لوزير الخارجية إيلي كوهين قال فيه، إن التطبيع مع السعودية مسألة وقت، في حين أن المملكة العربية السعودية لم تؤكد، أو تنفي التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، وما زالت تعلن أنها تتمسك بقرارات الجامعة العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وبمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحل الصراع العربي الإسرائيلي، التي أقرتها قمة بيروت كمبادرة عربية. مع ذلك سمحت الرياض للطيران الإسرائيلي بالمرور في أجوائها العام الماضي، ووصل الرئيس بايدن إلى الرياض من مطار بن غوريون الإسرائيلي مباشرة. أيضا هي نأت بنفسها عن انتقاد خطوات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، بل إن البعض يرى أن البحرين على سبيل المثال، التي تتناغم سياساتها كليا مع سياسات الرياض، لم تكن تذهب إلى التطبيع من دون موافقة المملكة، والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة وإسرائيل، لا يمكن أن تتحدثا علنا عن إجراء محادثات بخصوص هذا الموضوع، من دون موافقة الرياض على ذلك، إذن ما دلالات تعيين سفير سعودي فوق العادة لدى السلطة الفلسطينية؟
السعودية لا يمكن أن تنسى مكانة القدس كأولى القبلتين، مع وعي صانع القرار في الرياض، بأن إسرائيل لا تشكل خطرا على فلسطين وحسب، بل على الأمن القومي العربي
يمكن أن يُقرأ هذا الحدث على أنه تأكيد باستمرار الدعم السعودي اللامحدود للشعب الفلسطيني، كما يمكن أن يكون مُحمّلا برسائل متعددة الاتجاهات منها أولا، رسالة مباشرة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن تقول، إذا كنتم تريدون تطبيعا سعوديا مع إسرائيل كإنجاز يزيد من نسبة فوزكم بولاية ثانية، فعليكم تقديم شيء إلى الفلسطينيين يوازي هذا الفعل. رسالة ثانية إلى رئيس حكومة الاحتلال في إسرائيل، بالكف عن السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وإيقاف بناء المستوطنات، الذي يبحث هو الآخر عن التطبيع كإنجاز ينقذه من الوضع السياسي المتأزم في الداخل. والأهم من كل ذلك هي رسالة ثالثة إلى العالم أجمع تقول بضرورة تفعيل القرار الأممي، الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 بالاعتراف بدولة فلسطين، وأنه آن الأوان للاعتراف بها كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وعليه يصبح تعيين سفير سعودي في الأراضي الفلسطينية بمثابة خط أحمر، وضعته الرياض أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، لأنه تأكيد على الاعتراف السعودي بدولة فلسطين، وتأكيد على مكانة القدس، من خلال قرار فتح القنصلية السعودية فيها.
كما أن المملكة هي التي وضعت لنفسها وللعرب محددات وضوابط تقول، بعدم التطبيع مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
فكيف يمكن أن تتخلى عن هذه المحددات؟ وهي كذلك تعرف جيدا أن مكانتها الروحية لدى المسلمين، هي أهم القوى الناعمة التي تملكها، ولا يمكن أن تنسى مكانة القدس كأولى القبلتين، يضاف إلى كل ذلك وجود وعي لدى صانع القرار في الرياض، بأن إسرائيل لا تشكل فقط خطرا على فلسطين وحسب، بل على الأمن القومي العربي، وعليه يكون التطبيع من دون شروط المبادرة العربية بعيدا.
أما من يرون التطبيع قريبا، فيذهبون إلى تفسير القرار السعودي بتعيين سفير لدى فلسطين من زاوية أخرى، هذا التفسير يسير وفق المعطيات التي أُعلنت عنها التسريبات الإعلامية مؤخرا، وهي وجود محادثات أمريكية سعودية جارية بشأن التطبيع، خاصة تصريحات المتحدث بأسم الخارجية الأمريكية سابقة الذكر، كذلك تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي قال صراحة في 13 آب /أغسطس الجاري، إن الخطوة السعودية بتعيين سفير في فلسطين وقنصل في القدس، هي جزء لا يتجزأ من محاولة إرسال رسالة إلى الفلسطينيين، من أن القيادة السعودية لن تنسى فلسطين في ظل تقدم المحادثات الأمريكية السعودية، في موضوع التطبيع بينها وبين إسرائيل، كما أن التسريبات تقول أيضا بأن المملكة منشغلة بالثمن الذي ستحصل عليه مقابل ذلك، هذا الثمن يشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين في الداخل، ومنع تمدد المستوطنات في الضفة الغربية خصوصا، والموافقة على تصدير أسلحة أمريكية متقدمة إلى الرياض، واتفاقية أمنية جديدة بين الرياض وواشنطن، مع دعم أمريكي حاسم وسريع في حالة حصول اعتداء خارجي عليها. والحصول على محطة مدنية سعودية للطاقة النووية، مع تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية. وفي هذه النقطة الأخيرة تورد الصحف الأمريكية ما يؤكد وجود هذا الشرط على طاولة المفاوضات حين تقول، بأن زعيم المعارضة في إسرائيل حذّر من سباق تسلّح نووي في المنطقة، في حال توصلت حكومة نتنياهو لأي اتفاق سلام مُحتمل مع السعودية، لا يضمن عدم تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
ولما تقدم، فإنه يبدو جليا أن هذه التسريبات على درجة عالية من الخطورة، خاصة أنها تقول إن التطبيع أصبح في متناول اليد، وإنها مسألة وقت لا أكثر، وإن ما يحدث الآن هو مساومة سياسية على ثمن التطبيع، وإن نافذة توقيع اتفاق بهذا الخصوص ستكون مفتوحة خلال فترة زمنية لا تتجاوز 9 إلى 10 أشهر، لأن الانتخابات الرئاسية الامريكية ستجري في العام المقبل، وإن بايدن حريص على تحقيق هذا الإنجاز قبل الانتخابات، وإن تعيين سفير سعودي في فلسطين وقنصلية في القدس هي رسالة تقول للفلسطينيين، إننا ذاهبون للتطبيع لكن لن ننساكم، والدليل ها نحن نعزز من وجودنا الدبلوماسي بينكم ومن أجلكم، وعليه فإن حصل كل هذا فعليا، فإن الكثير من المعطيات الجيوسياسية والسياسية ستتغير في المنطقة. إن ما يمكن قوله وبصراحة تامة وبعيدا عن موضوع التطبيع، سواء تم أم لم يتم، هو أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية محورية لدى النظام الرسمي العربي، بل إن بعض الدول العربية تجدها كابحا لها في كثير من السياسات التي تروم تحقيقها، لذلك وجدنا كيف أن الدول العربية التي وافقت على المبادرة العربية للسلام، التي كانت قد أعلنت الالتزام بها، قد تجاوزتها وذهبت للتطبيع مع إسرائيل كالمغرب، الإمارات العربية، السودان، والبحرين. أما الحديث عن رفض التطبيع من قبل الشعب العربي في هذا البلد أو ذاك، فهذه قضية مركزية في العقل الشعبي العربي لا يمكن أن تتغير.