ج6/مفردات عربية فصيحة في اللهجة العراقية اعتُبِرَت مندائية خطأً
علاء اللامي*
كلمات هذا الجزء: “الزلف -الزردوم –زنجار – حبربش -حدَّر حداري- طاح – ياه – يشبي – يگر – يكرك – يگزل – يلعلع – يوچر”. شكرا لكم مقدماً على تعليقاتكم انطلاقاً من لهجاتكم العربية الجميلة تصحيحاً وإضافة… سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في اللهجة العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:
309- الزردوم = ويربط المؤلف كلمة الزردوم بالكلمة السابقة “زردة” والزردوم كلمة عربية فصيحة نقرأ في مختار الصحاح (زردم: الزَّرْدَمَةُ موضع الازْدِرام وهو الابتلاع) ويحدد ابن منظور في لسان العرب موضعها بدقة تشريحية متناهية (والزَّرْدَمَهُ من الإنسان تحت الحلقوم واللسانُ مركّب فيها وقيل الزَّرْدَمَةُ الابتلاع والازدرام الابتلاعُ)، ويضيف (وقيل إنها من الفارسية). وفي الرائد نقرأ (زردمة: مصدر زردم – موضع الابتلاع).
316-زلف =(سلف) وتعني في المندائية يلف، يلوي، يقلب. وفي العامية يقول المؤلف إنها تعني يلوي وهذا المعنى غير وارد للكلمة في العامية، أو إنه محدود الاستعمال جدا بهذا المعنى. ومعنى الزلف الأشيع والأشهر في العامية هي جديلة أو ظفيرة الشَّعر. وهذه الكلمة بمعنى جديلة أو ظفيرة الشَّعر شائعة في دول المشرق العربي في الجزيرة والخليج وبلاد الشام ويعرفها كاتب خليجي بقوله (من معاني الزلف جديلة الشعر. والجمع زلوف. ومن أمثالنا – في الجزيرة العربية – “تتمنى القرعا تربي زلوف”. ومن مواويل فيروز، وقد غنته صباح أيضا بمعية وديع الصافي موال (هيهات يا أبو الزلف) ومطلعه:
هيهات يا بو الزلف عيني يا مولية
صفصاف لا تستحتي شلشك على المية.
وهذا ما يشير إلى أن الكلمة واسعة الانتشار عربياً بهذا المعنى ولا بد أنها من لغة قبلية كبيرة وقديمة، أو من لغة جزيرية “سامية” أخرى.
319-زنجار =(زنگارا) وتعني في المندائية صدأ. وهذا هو معناها في العامية العراقية وفي العربية الفصحى نقرأ عن الزنجار في الموسوعة الحرة (الزنجار هو خضاب أخضر اللون يتكون كيميائياً من كربونات النحاس القاعدية. يستخدم الزنجار في تشكيل الطبقات الحامية (كسوة) أسطح المباني والتماثيل لحمايتها من التآكل. وضح البيروني المولود في ذي الحجة 362هـ/5 سبتمبر 973م، في كتابه “الصيدنة في الطب” الفرق بين الزنجار (كربونات النحاس القاعدية) وكبريتات النحاس وذلك بالتسخين، إشارة منه إلى تفكك الكربونات بالتسخين). ونقرأ في معجم المعاني (الزِّنْجَارُ: صدأ الحديد والنحاس). وفي الغني (كَسا الزِّنْجارُ الآنِيَةَ النُّحاسِيَّةَ: الصَّدَأُ الَّذِي يَعْلُو كُلَّ إِناءٍ مِنْ مَعْدِنِ النُّحاسِ).
332- حبربش= (هبر) يضم يساند، يربط. تخريج ضعيف لفظاً ومعنى فالحبربش تحمل شحنة سلبية وتعني مجموعة من الناس التافهين. يكتب الباحث حسين الجمري عنها (لفظة الحبربش ربما هي متطورة من لفظة الحَبرَّش، و”الحَبرَّش” أَوْرَدَها الصَاغَانِيُّ في معجمه “العباب الزاخر واللباب الفاخر” وقال: هو الحَقُودُ. ويمكن لكلمة حَبرَّش أن تتحول إلى كلمة حَبَربَش وذلك عن طريق المخالفة، والتي تعني فك التضعيف واستبدال أحد الحرفين المكررين بأحد حروف المخالفة، وفي هذه الحال الحرف المضاف هو حرف الباء. أي يتم التغيير كالتالي حَبرَّش تتحول إلى حَبرْرَش ثم إلى حَبرْبَش. ومبدأ المخالفة بفك التضعيف شائعة في اللهجات في البحرين.
335- حدَّر حداري=(هدر). ارتد، عاد، رجع. وهذا تخريج ضعيف فجدر الكلمة عربي فصيح نقرأ عنها في الصحاح (السفينةَ أَحْدُرُها حَدْراً، إذا أرسلتَها إلى أسفلَ) وفي المحيط (الحَدْرُ: الحَطُّ من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ) وفي اللسان (الحَدْرُ من كل شيء تَحْدُرُه من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، والمطاوعة منه الانْحدارُ) وفي الرائد: “حدر: نزل، هبط – حدَّر الشيء: أنزله من أعلى إلى أسفل. حدر السفينة: أرسلها الى أسفل المجرى. حدر السفينة في الماء: أنزلها فيه”.
349- طاح =(طاه) طوح، سقط. والفعل عربي فصيح في صيغة المجرد أو المزيد بالألف (أطاح). ومن معانيه العديدة سقط، نقرأ في الصحاح في اللغة (طاحَ يَطوحُ ويَطيحُ: هلك وسقط)، وفي القاموس المحيط (وأطاحَ شَعْرَه: أسْقَطَه،) وفي معجم المعاني (طاحَ الشيءُ من يده: سَقَطَ). وفي معجم الغني نقرأ: أَطاحَ البِناءَ: أَسْقَطَهُ. وبالمناسبة فغالبا ما يستعمل الفعل أطاح في كتابات العراقيين كفعل متعدٍ بباء الجر، والصحيح أنه فعل معتدٍ بنفسه أي بلا حرف جر فلا نقول “أطاحت المعارضة بالنظام الرجعي” بل الأدق “أطاحت المعارضةُ النظامَ الرجعيَّ”.
350-طاسة =(طاسا). إناء صغير يشرب به. والكلمة عربية بهذا المعنى نقرأ في الوسيط (إِنَاء من نُحَاس وَنَحْوه يشرب فِيهِ أَو بِهِ والعامة يَقُولُونَ طاسة)، وفي معجم المعاني (طاس: جمع طاسات. إناء صغير يوضع به ماء ويعدّ على المائدة ليغسل فيه الآكل أصابعه – إناء من نحاس ونحوه يُشرب به، أو فيه).
370-ياه =(ياها) كلمة دينية صابئية تعني في المندائية معبود، إله. والمؤلف نفسه يؤكد أن هذه اللفظة (غير شائعة في الاستخدام في العامية ولكنها مطروقة في الغناء حيث يبدأ المغني بغناء او إطلاق صوت يقول فيه “يا هَي يا هَي”)!
وهذا تخريج عجيب فأصوات التأوه والتنهدات والتلييل (تكرار كلمة يا لليل يا عين) هي مجرد أصوات تغنى بعُرَب طربية معينة، في جميع اللهجات العربية وبأشكال مختلفة هي نتاج بيئتها وليست مفردات عادية. ولو قلنا لأي مغني عراقي يكرر (يا هَي يا هَي) في غنائه إنه يقول كلمات دينية صابئية تعني المعبود والإله فلربما ظن أننا نسخر منه!
392- يشبي =(شبا) وتعني في المندائية يعادل يساوي يبسط يوافق. ولتوضيح معناها في العامية العراقية يأتي المؤلف بهذا المثال (جبنا الثور يشبي الهايشة) ويشرحه بقوله (والمعنى إننا أتينا بالثور من أجل أن يعادل البقرة) فهل سمعتم بالفعل “عادل” بمعنى جامعَ أو سافدَ أو نكحَ؟ وربما كان هناك خطأ طباعي. ونلاحظ أن هذا التخريج لكلمة يشبي بمعنى يعلو وينكح ويسافد لا علاقة له بالمعاني في المندائية أما في العربية الفصحى فنقرأ في عدة معاجم ومنها الوسيط والمعاني والمعاصر والقاموس المحيط أن معنى شبا يشبو هو علا يعلو أي يصعد فوق! وهو المعنى المراد بقولهم (جبنا الثور كي يعلو الهايشة) والهايشة كما أسلفنا تعني في ما تعني البقرة في عدة لهجات عربية.
408- يگر =(قرا) في المندائية تعني ينادي، يلح، يدعو. والمؤلف يعتبر ورودها في العامية بمعنى يلح مندائية الأصل ويضرب لها مثلا في قولهم “الأم تگر على ابنها والحبيب يگر على حبيبته”، بمعنى تلح في الكلام. وهذا تخريج خاطئ، والكلمة موجودة في لهجات عربية أخرى كالمصرية “بتقر علينا” بتهميز القاف. ولها مرادفات كثيرة في المعاجم منها ما يفيد الاستمرارية والدأب (قرَّ: ثابَرَ، ثَبَتَ، داوَمَ، دَأَبَ، لازَمَ، لامَ) ولعل أهم هذه المرادفات والذي ينطبق تماما على معناها العراقي والمصري هو “قرَّ: لجَّ (ثبت على الفعل بشيء من الإلحاح)”. وعن كلمة قرَّ، نقرأ في لسان العرب (القَرُّ: ترديدك الكلام في أُذن المخاطَب حتى يفهمه).
411- يكرك=(كرك) وتعني في المندائية يحيط ويطوق، وفي العامية يضرب لها مثالا في ما (تقوم به الدجاجة التي تكرك على بيضها) ويضيف المؤلف كلمتين من المعنى لتقريب الكلمة من اللهجة المندائية فيقول (فتحيط به وتطوقه). والكلمة عربية فصيحة ونجدها بهذا المعنى في معجم لسان العرب لابن منظور، نقرأ (وقال يونس كَرَّكت الدجاجة وهي كُرُكَّة، ورأَيت في بعض حواشي. أَمالي ابن بري: أَكْرَكَت الدجاجة وهي كُرُكَّة، ونسب إلى الصاغاني” وفي شرح معنى الفعل نقرأ “وقفت عن البيض” وربما يكتمل المعنى بالقول “وقفت عن البيض لتكرك أو ترقد على الموجود منه”. ومن الواضح أن الكلمة في اللهجة العراقية والخليجية أقرب إلى العربية الفصحى بل هي نفسها منها في لهجات عربية أخرى في مصر والشام حيث يستعمل فعل “ترقد الدجاجة على بيضها”.
413- يگزل = (گزل) يعرج. وهذه الكلمة عربية فصحى تلفظ في اللهجة العراقية بقاف حميرية أي جيم قاهرية ويقول عنها معجم المعاني: قَزِلَ قَزِلَ َ قَزَلاً: عَرِجَ أَسوأَ العَرَج. وقَزِلَ دَقت ساقه لذَهاب لحمها. فهو أَقْزَلُ، وهي قزلاءُ. والجمع: قزْلٌ.
417- يلعلع =(ليلاي) تعني في المندائية “نحو الأعلى”، ويقال في العامية لمن يعلو صوته “صوته يلعلع”. وهذا تخريج ضعيف، فالكلمة عربية فصيحة وشائعة. نقرأ في المعجم المعاصر (لعلع، لعلعةً، فهو مُلَعْلِع، لعلع الرَّعدُ: صوَّت، دوّى “لعلع صوتُ الرَّصاصِ في الهواء”). وفي معجم المعاني يتكرر التعريف ونقرأ (لعلع الرَّعدُ صوَّت، دوّى: لعلع صوتُ الرَّصاصِ في الهواء).
427- يوچر= ومن المفردة في الفقرة السابقة (يوشر) يشتق المؤلف كلمة (يوچر) وهي كلمة لا علاقة لها بهذه المعاني بل تعني يوكر ملفوظة بكشكشة ربيعة. وعنها نقرأ في الوسيط (وَكَرَ الطائرُ وَكَرَ ِ (يَكِرُ) وَكْرًا، ووُكُورًا: دخل الوَكْرَ… الوَكْرُ: عُشُّ الطائر/ الذي يبيض فيه ويُفرخ، سواء أكان ذلك في جبلٍ أَم شجرٍ أم غيرهما). أما في المثال الذي يضربه المؤلف (الألم أوچر بيَّ) فالمعنى مختلف تماما والكلمة لا تلفظ بالجيم المثلثة بل بالجيم المعجمة بنقطة واحدة أي بجيم معطشة. وقريب من معنى (آلمهُ) نقرأ في معجم المعاني عن أوجر الآتي (أوجَرَهُ الرُّمْحَ: طَعَنَهُ به في فيه) وأيضا (أَوْجَرَ العليلَ: صبَّ الوَجُورَ في حَلْقِه) والمعنى في الجملة الثانية أبعد من الأولى. وهذا الخلط بين الجيم المثلثة والجيم المعطشة نتاج جهل المؤلف بظاهرة الكشكشة. يتبع.
للاطلاع على الأجزاء السابقة انقر لطفاً على هذه الوسمة (الهشتاغ):