ج9/ مختارات أخرى من مفردات عربية فصيحة في اللهجة العراقية اعتُبِرَت مندائية خطأً
علاء اللامي*
كلمات هذا الجزء: “گن – مردي -مرغ – مسخنة – مشگ – مشوفة – مطال – معچال – معدان – منشار – مهد – ميمر”. شكرا لكم مقدماً على تعليقاتكم انطلاقا من لهجاتكم العربية الجميلة تصحيحاً وإضافة… سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:
613-گن =(مكنا) الملجأ والستر والمستقر في المندائية. وفي العامية العراقية هو كما يقول (مكان يخصص لحفظ الدواجن)، والكلمة عربية ومتداولة في جميع اللهجات العربية. نقرأ في معجم المعاني (القن قن: بيت الدجاج، وأصل الكلمة “خُم”) نقرأ في لسان العرب (خُمُّ الدجاج أو حظيرة الدجاج ويَقُولُ له العامَّة: «قن الدجاج» هو هيكل يتم فيه الحفاظ على الدجاج أو الطيور الأخرى بأمن وأمان. قد يكون القن عبارةً عن صناديق عِشيَّة ومجثمات في المنزل. الخُمُّ: قَفَصُ الدجاج؛ قال ابن سيده: أَرى ذلك لخُبثِ رائحَتِه. وهو “مَحبس الدجاجِ” كما ورد في المعجم الوسيط.
618- مردي = (أرادا) سارية. والكلمة لا علاقة لها باللفظ المندائي لفظا ومعنى فالمردي ليس سارية لأن السارية عمود ينصب في وسط السفينة يعلَّق عليه الشَّراع، أما المردي فهو عبارة عن قصبة صماء طويلة نسبياً بين مترين وثلاثة يستعملها راكب الزورق العراقي القديم “المشحوف” لدفع قاربه في النهر. والكلمة عربية ممعجمة، نقرأ في المعجم الوسيط (مردي خشبة يدفع بها الملاح السفينة، ج مرادي… ومردي: خَشَبَة طَوِيلَة ينحي بهَا الملاح السَّفِينَة عَن الأَرْض أَو يَدْفَعهَا بهَا جمعها: مرادي).
620-مرغ =(مرق) وتعني في المندائية ينظف يغسل، وفي العامية تعني الغسل والتنظيف كما يقول المؤلف وهذا التعريف ليس دقيقا تماما فالتمريغ يعني تلطيخ وتقليب الشيء في الماء أو ما شابه بهدف جعله يتشرب في الماء ليتنظف او يتلوث جيدا. والكلمة عربية فصيحة نقرأ في معجم المعاني (مرَّغه بالتُّراب/ مرَّغه في التُّراب: قلّبه فيه، لطّخه به…وتمرَّغ فلان في النَّعيم أو في الرَّذيلة: تقلَّب فيهما. مرغ – يمرغ، مرغا عرضه: دنس، تلطخ بمكروه أو شيء قبيح)
وقال أبو تمام في بيت شعر جميل:
أغرُّ إذا تمرغَ في نداهُ……… تَمَرَّغنا على كَرَمٍ وَطي
625- مسخنة /مصخنة =(مـ +سا + گننا) وهي إناء من النحاس يشبه الإبريق كما يقول المؤلف قيس مغشغش السعدي ولكن يكبره بخمس مرات ويستخدم لجلب الماء من النهر. والكلمة مؤلفة من ثلاثة مقاطع كما يقول هي (ما) للدلالة على اسم الآله و (صا) وتعني يغسل و(گننا) وتعني إناء. وهذا تخريج خاطئ، فالمسخنة إناء من النحاس ذو رقبة طويلة يستعمل لجلب الماء وتسخينه وليس لغسل الأشياء فيه، ومن هنا جاء اسمه مسخنة كاسم آلة من الفعل سخن على وزن (مِفْعَلَة)، ويلفظها العراقيون بتفخيم السين إلى صاد كعادتهم مع كلمات من قبيل سخل/ صحل وسماخ/صماخ…إلخ، ولا علاقة له بالكلمات او المقاطع المندائية الثلاثة.
629- مشگ =(مشكا) وتعني الجلد في المندائية ولكنها في العامية تعني جفاف وتشقق يصيب الجلد. والكلمة عربية فصيحة وتعني تشقق الجلد نقرأ في المعجم الوسيط: “الأَمْشَقُ: الجلْدُ المتشقّقُ. والجمع: مُشْقٌ” وفي الرائد نقرأ “ مشق – يمشق، مشقاً احتكت إحدى فخذيه بالأخرى فأصابه تحرق فيهما”.
613- مشوفة=(شوف)وتعني في المندائية صقيل شفاف رائق. وتعني في العامية العراقية المرآة. والكلمة عربية اسم آلة على وزن (مِفْعَلَة – مِشْوَفَة) ويبدو أنها مشتركة بين أكثر من لغة جزيرية لفظاً ومعنى. نقرأ في اللسان (وتَشَوَّفَ: نَصَب عُنُقَه وجعل ينظر) وفي العباب الزاخر (وتَشَوَّفْتُ إلى الخبر: إذا تطلعت إليه، يقال: النساء يَتَشَوَّفْنَ من السطوح: أي ينظرن ويتطاولن)، وفي معجم المعاني: ” شافَ يَشُوف، شُفْ، شَوْفًا، فهو شائف، والمفعول مَشُوف (للمتعدِّي): شاف الرَّجلُ صعد مكاناً عالياً ونظر. وشافَ الحادثَ بنفسه: نظر إليه ورآه. وفي معجم الرائد نقرأ (شاف، يشوف، شوفا: شاف الشيء: صقله، زينه).
636- مطال =(مطل) وتعني في العامية قرص من الروث وفضلات الحيوانات المجففة تستعمل للوقود. ويقول المؤلف يبدو أن “الكلمة من أساس لغة العراق القديمة”. دون أن يحدد اسم هذه اللغة. علما بأن المفردة مستعملة في الجنوب والغرب العراقي وقد وضحنا جذرها العربي (مطل) بمعنى (مدَّ) فعجين الروث يتم عجنه ثم تمديده كأقراص على الأرض ليجف ثم يجمع في أشكال هرمية تسمى “قبة المطال” بالقاف الحميرية.
637- معچال =(أشلا) وتعني حبل في المندائية وهذا التخريج ضعيف وبعيدة لفظا ومعنى فالمعجال وتلفظ أحيانا بالحاء (محچال) وهو المقلاع الصغير؛ آلة لرمي الأحجار الصغيرة والحصى لاصطياد العصافير والطيور الصغيرة وغير ذلك. وقد أصبحت هذه الآلة لاحقاً من أسلحة أطفال فلسطين في مواجهة الجنود الصهاينة المدججين بالأسلحة في انتفاضاتهم المجيدة العديدة. وقد تكون تضاهي لفظا (محكال) بلفظ الكاف مكشكشة.
وأرجح أن تكون كلمة “المعجال” بالجيم المعجمة بنقطة واحدة من الفعل يعاجل أي يعاجل الهدف برمية من معجاله، ولا علاقة لها بـ “أشلا” المندائية ولكن هذا التخريج يصطدم بأن المفردة كما سمعتها في طفولتي تلفظ بالحاء وليس بالجيم؛ وربما حدث فيها إبدال بين الحاء والعين. وهذا النوع من الإبدال ممكن قياسا على ما يسمى إبدال الفخفخة بين العين والحاء، وعلل ابن جني سبب هذا الإبدال بالتقارب المخرجي بينهما بقوله: “العرب تبدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج، كقولهم: بَحَثرَ ما في القبور، أي بعثر/ بحث جامعي لواثق الواثق –الحوار المتمدن 7 نيسان 2017”.
639- معدان = (مادنا) وتعني في المندائية الشرق. وهذا تخريج ضعيف فكل شعوبنا وأقوامنا شرقية لماذا اختصوا بها المعدان؟ أدناه ما كتبته عن هذه الكلمة في كتابي سالف الذكر:
المُعَيْدي = تصغير المعدي، من بني معد وخففت الدال استثقالا للتشديد مع ياء التصغير والمثل العربي القديم يقول “تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أو لا تراه”، ويضرب هذا المثل في مَن شُهر وذُكر وتُزدرى مرآته ونسوقه هنا كشاهد لغوي يؤكد معنى الكلمة مع وافر الاحترام لأهلنا المعدان.
646– منشار =(مسارا) وهو المنشار المعروف. والكلمة عربية فصيحة وجذرها “نشر” وهي موجودة بهذا المعنى في المعاجم القديمة والحديثة أما محاولة المؤلف لجعل الكلمة مندائية لأنها كما يقول “مكونة من حرف الميم المفتوح لتكوين اسم الآلة زائدا الفعل (سار) الذي يعني في المندائية يسير ويطوف” فهو كلام لا معنى له فالكلمة عربية فصيحة جذرا ومشتقات. نقرأ في اللسان (ونشرتُ العُودَ بالمِنشار نشْراً، ووشرتُه وَشراً وأشرتُه أشْراً، في لغة مَن سمى المِنشار منشاراً)، وفي المقاييس (ونَشَرت الخشبةَ بالمنشار نَشْرا)، معجم المعاني (منشار: اسم آلة من نشَرَ، أداة ذات أسنان يُشقّ بها الخَشَبُ وغيرُ، أَداةٌ مسنَّنةٌ من الصُّلب يُشَقُّ بها الخشبُ وغيرُه، ونَشَرَ النّجّارُ الخشبَ شقَّه مستخدِمًا المنشار).
648- مهد = (ما هدا) سرير الطفل الصغير والكلمة عربية عريقة ولكن المؤلف يحاول جعلها مندائية بقوله إنها مؤلفة من “ما ” بمعنى الذي و “هدا” بمعنى واحد ومنها اشتقت كلمات مهد يمهد تمهيدا”. وهذا كلام مؤسف وتلفيقي. الكلمة كما قلنا عربية نقرأ في واحد من أقدم المعاجم العربية اللسان (والمَهْد: مَهْدُ الصبيّ: موضعه الذي يُهَيّأُ له ويُوَطَّأُ لينام فيه)، وفي المعجم المعاصر (مصدر مهَدَ. سرير يَنَامُ فيه الصبيُّ وعادة يكون هزّازا)، وقد وردت الكلمة في القرآن في سورة مريم الآية 29 ﴿كيف نكلم من كان في المهد صبيا﴾.
652- ميمر =(ميمر) وتعني في المندائية قول، تكلم. ويضيف المؤلف (ومنها كلمة أمر التي تعني قال … ويبدو أن لازمة كلمات الأغنية العراقية الشهيرة “عل ميمر وعل ميمر” ربما جاءت من هذه الكلمة). وهذا التخريج لا حظ له من الصواب فالميمر المقصود في أغنية “عَ الميمر” هو كما يكتب ماجد شبر “نمط من أنماط الأدب والشعر الشعبي العراقي وله بحر مستقل بحد ذاته ووزنه «مستفعلن مستفعلن مستفعل» وقد استعمل في العديد من المقامات العراقية ويقسم إلى قسمان: ميمر مذيل وميمر هجيني. هناك ثلاثة آراء في أصل الميمر؛ فالبعض يعيد أصله إلى عبارة “ما مر” العربية والتي تعني لم يمر، والرأي الثاني يعيد أصله إلى كلمة ديرم وهي قشرة شجر الجوز التي كانت تستخدم سابقاً كأحمر للشفاه. أما الرأي الثالث فيقول إن أصل الكلمة آشوري وهي تعني «القصيدة» في الكتابات الآشورية القديمة حيث جاء بهذا الرأي السيد مجيد لطيف القيسي في كتابه «معرفة اوزان الشعر الشعبي العراقي»، والأصل هو الراي الأول”[1]. الأدب الشعبي العراقي ص 89 ومابعدها”. وأرجح أن يكون الرأي الثالث هو الأصوب أي أن الكلمة وردت باللهجة الآشورية أي إنها أكدية أصلاً انتقلت لاحقاً إلى اللغات الجزيرية الشقيقة.
للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:
#لهجة_عراقية_اللامي يتبع.
[1] – شبر ماجد – الأدب الشعبي العراقي، – ص 89 – ورد مقتبسا في مادة “ميمر” على الموسوعة الحرة “ويكيبديا”.