ج12/ ما قبل الأخير: اللهجة العراقية بين العربية الفصحى واللهجة المندائية.
علاء اللامي
كلمات هذا الجزء: “سدانة – صگاطة – صنان – صيهود -قَبوط – قوزي – راشدي – رُطب -رگـة -شجر – شرمخ – شقل”. سيكون ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي:
805- صگاطة = (سكتا) وتعني سدادة وقفل. ويشرح معنى اللمة في العامية فيقول وهي عبارة عن قطعة خشب أو حديد مرتبطة من جهة وسائبة من الأخرى لكي تثبت في حلقة أو مكان مخصص على جهة الباب الثانية. وهذه هي السقاطة في اللغة العربية الفصيحة ونقرأ في معجم المعاني (السُّقَاطةُ: أداة توضع على أعلى الباب فيقفل) وهي تلفظ في العامية بفتح السين وفي الفصيحة بضمها. وفي المعاصرة نقرأ (سُقَّاطة :1 – أداة تُوضع خلف الباب من أعلى لإحكام إغلاقه. 2 – ما يُطرق به الباب).
811- صنان = (صهنا) وتعني الرائحة الكريهة وهذه كلمة عربية ومشتركة في اللغات الجزيرية السامية بالمعنى نفسه نقرأ في معجم الوسيط (الصُّنَانُ: النَّتْنُ.
والصُّنَانُ الريح الكريهة وذفر الأبط)، وفي المعجم الغني “يَفُوحُ مِنْهُ صُنَانٌ: رَائِحَةُ الإبْطِ الكَرِيهَةِ -صُنَانُ لَحْمٍ: نَتَنُهُ”.
812- صيهود = (صاهيا) جفاف عطش. والمؤلف يعلم أن الكلمة عربية فصيحة ولكنه يعاند ويحاول أن يجد لها تخريج ما فيقول إن معناها في المندائية يتعدى معناها في العربية الى الجفاف. وفي العامية العراقية تعني كلمة الصيهود الحر الشديد والصيف القائظ ولا تعني الجفاف قط، ونقرأ في المعجم الرائد (صيهد: حر شديد. – صيهد: سراب مضطرب. – صيهد: طويل القامة. – صيهد: أرض واسعة جافة لا ماء فيها). نقرأ في لسان العرب (ابن سيده: صَهَدَتْ الشَّمْسُ تَصْهَدُه صَهْداً وصَهَداناً: أَصابَتْه وحَمِيَتْ عليه والصَّيْهَدُ: شدّة الحَرِّ).
815-قَبوط = (قبوتا) وتعني في المندائية صندوق خزانة تابوت. وفي العامية العراقية القبوط هو المعطف فلا علاقة لهذا بذاك. وربما كانت الكلمة معربة عن لغة أجنبية أخرى هي الفرنسية (CAPOTE) التي تعني المعطف العسكري والمعطف المُقَلْنس “معطف بقلنسوة”.
822- قوزي = (قصير، صغير) وتعني كما يقول المؤلف ” رضيع الخراف في إشارة إلى صغيرة) وهذه الكلمة تركية عثمانية من قوزو أو قوزي وتعني الحَمَل. ودخلت اللهجة العراقية خلال الاحتلال التركي العثماني للولايات العراقية. والمؤلف يشير إلى هذه المعلومات ولكنه ينفيها لتأكيد تخريجه المندائي الخاص. أما التخريج الذي يقول به خالد السياب في معجمه “معجم الفصيح الدارج في اللهجة العراقية المحكیة في محافظة كربلاء” والذي مفاده أنه يجد “أن للكلمة أصلا عربياً، فـ (القوز) في الكلام الفصيح، يعني: كثيب مشرف من الرمل فيه استدارة، وصغر تشبه به أرداف النساء” فهو تخريج ضعيف وبعيد من حيث المعنى المراد.
827- راشدي = (ريش +دها) وتعني في العامية صفعة على الوجه ويحاول المؤلف أن يجمع كلمتين مندائيتين هما “ريش” أي رأس و “دها” التي يقول إنها تعني “دفع وربما ضرب”، فهل يعني ذلك أن المؤلف غير متأكد من معنى الكلمة في لغته الأم؟ وعموما فواضح القسر التأثيلي هنا ومحاولة تلفيق تخريج لهذه الكلمة. ويبدو أنها من المفردات الجديدة في اللهجة العراقية في فترة الاحتلال العثماني فهناك روايتان تنسبان الكلمة، الأولى إلى أحد حكام أمارة المنتفق في جنوب العراق وهو راشد باشا السعدون الذي امتاز بضخامة جسمه وطوله وهيبته وكان أذا صفع أحدهم أغمي عليه لشدتها! والرواية الثانية تنسبها الى ضابط عثماني عرف باسم ابيه (راشدي)، وكان هذا الضابط قوي البنية لدرجة أنه إذا ضرب شخصا على وجهه أو خده بكفه يخر المضروب صريعا من قوة الضربة، واشتهر هذا الضابط بقوة ضربته وشدتها، فصار الناس يضربون المثل به وبصفعته الرنانة” وتبقى هاتان الروايتان شعبيتان ومحاولة غير موثقة لتفسير الكلمة نسوقهما للعلم بهما دون أن نتبنى إحداهما رغم أنها أكثر معقولية من تخريج المؤلف قيس مغشغش السعدي.
833- رُطب = (رطب) وتعني في المندائية ريان وطري. والمؤلف يسجل أن الكلمة عربية بعناها المعروف والشائع ولكنه يضيف لتبرير الزج بها في المعجم المندائي ما يلي: “والكلمة من أساس لغة العراق القديمة فهي تأتي في المسمارية على “رطبو” وقد احتفظت بها المندائية! وهذا الكلام ينطوي على عدة أخطاء فأولا؛ المسمارية ليست لغة بل طريقة كتابة أو نظام علامات للكتابة، فقد يكون النص باللغة الأكدية ويكتب بالمسمارية وقد يكون باللغة السومرية أو غيرها ويكتب بالمسمارية. وثانيا لما كانت الكلمة قد وردت بإحدى اللغات الجزيرة القديمة وهي الأكدية وذكرها العلامة طه باقر في كتابة ” من تراثنا” وكتب عنها “ رَطَب = رطابو: التمر في مرحلة النضج الأول وهو الطري”؛ فلماذا يريد المؤلف احتكارها للمندائية التي هي لهجة من لهجات الآرامية، ولا يحق للغة العربية أن ترثها أيضا؟ لنقرأ ما ورد في واحد من أقدم المعاجم “لسان العرب” عن رطب (وأَرْطَبَ البُسْر: صار رُطَباً. وأَرْطَبَتِ النخلة، وأَرْطَبَ القَوْمُ: أَرْطَبَ نَخْلُهم وصار ما عليه رُطَباً. الرَّطْبُ، بالفَتْحِ: ضدُّ اليابسِ. والرَّطْبُ: النَّاعِمُ. رَطُبَ، بالضَّمِّ، يَرْطُب رُطوبَةً ورَطابَةً، ورَطِبَ فهو رَطْبٌ ورَطِـيبٌ، ورَطَّبْتُه أَنا تَرْطِـيباً. وجارِيَةٌ رَطْبَة: رَخْصَة).
838-رگـة = (ريقا) سلحفاة. وهذه كلمة أكدية قديمة “رقو” وثمة من يقول إنها سومرية انتقلت إلى الكلدانية، وهذا أمر مستبعد، وهناك من يقول بأنها سومرية انتقلت إلى الأكدية وهو الأرجح إذ أن الأكدية أقدم تأريخيا من الكلدانية وأقرب إلى السومرية تأريخياً إن لم تكن متزامنة معها، ومن غير المستبعد أنها انتقلت الى اللهجة المندائية فالعربية لاحقا. والمؤلف مطلع على هذه المعلومة ويحاول توظيفها لتبرير زجه بها في معجمه فيقول (وقد حفظت اللغة المندائية التسمية الأكدية للسلحفات “رقو” وأشاعتها في العامية العراقية). والكلمات لا تفقد هويتها اللغوية حين تنتقل إلى لغة أو لهجة أخرى عبر وسيط بل يتساوى الوسيط “المندائي هنا” مع العامية العراقية في الأخذ من المصدر الأقدم، خصوصا وأن اللهجة المندائية محدودة الاستعمال والانتشار داخل الطائفة الصابئية الصغيرة والمسالمة والتي استعربت كلها في العصور العربية الإسلامية وبرز منها علماء وشعراء أفذاذ باللغة العربية.
855-شجر = (شگر) وتعني في المندائية يشعل يحرق يوقد. ولتوضيح معناها يأتي المؤلف بمثال (تشجر المرأة التنور) والكلمة عربية فصيحة وتلفظ بالسين والإبدال بين السين والشين شائع جدا في اللغات الجزيرية. نقرأ في لسان العرب (والسَّجْرُ: إيقادك في التَّنُّور تَسْجُرُه بالوَقُود سَجْراً). وفي الرائد والمحيط: “ سجر التنور: أشعل الوقود فيه وأحماه” وفي المعاصر (سجَّرَ النَّارَ: أوقدها، أحماها: وفي القرآن {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}). وكنت قد أوردتها في كتابي “الحضور” وكتبت عنها في فصل مفردات أكدية وآرامية: شجر، سجر= أضرم النار …في العربية بالمعنى ذاته: وسَجَرَ التَّنُّورَ يَسْجُرُه سَجْراً: أَوقده وأَحماه، وقيل: أَشبع وَقُودَه. والسَّجُورُ: ما أُوقِدَ به. والمِسْجَرَةُ: الخَشَبة التي تَسُوطُ بها فيه السَّجُورَ. وفي حديث عمرو بن العاص: فَصَلِّ حتى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظَلُّه ثم اقْصُرْ فإِن جهنم تُسْجَرُ وتُفتح أَبوابُها أَي توقد، اللسان). وبهذا المعنى فالكلمة جزيرية سامية مشتركة بين عدة لغات منها العربية والآرامية بلهجتها المندائية.
863- شرمخ = (شرا +مخخ) والكلمة في المندائية من مقطعين الأول “شرا” ويعني يحل ويفك ويخلع والثاني “مخخ” ويعني يقلع ينشر يسوي. وفي العامية (شرموخ) تعني الكلمة نزع فرع من الفروع التي يتكون منها عذق النخلة). واضح الطابع المتعسف لهذا التخريج. والكلمة في اللغة العربية هي شمروخ وجمعها شماريخ وتعريفها: العذق الذي يحمل التمر في النخلة والعنقود الذي يحمل العنب في الكرمة. ونقرأ في معجم المعاني والوسيط والرائد (شَمْرَخَ العِذْقَ: خَرَطَ شمَاريخَهُ، أو خَرَطها بالمِخْلَب) و (الشِّمْرَاخُ: العِثْكَالُ “العذق” عليه بُسْرٌ “التمر” والشِّمْرَاخُ: العُنْقودُ عليه عِنَبٌ). (الشِّمْرَاخُ العُنْقودُ عليه عِنَبٌ والشِّمْرَاخُ غُصْنٌ دقيق رَخْصٌ ينْبُت في أعلى الغصن الغليظ، خَرَجَ في سنته رَخْصًا. والجمع: شَمَارِيخُ).
869- شقل / شاقول = (شقل) وتعني في المندائية يوازي، يساوي في الأهمية. وتعني في العامية كما يقول المؤلف شاقول البناء وهو آلة تستخدم لمعرفة درجة استقامة البناء. والكلمة عربية فصحى بذات المعنى نقرأ في معجم المعاني (شاقول: مِيزَانُ البَنَّائِينَ وَالْمُهَنْدِسِينَ لِلتَّأَكُّدِ مِن اسْتِقَامَةِ الحَائِطِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ خيْطٍ فِي أسْفَلِهِ ثِقْلٌ، يرفع عموديا -المِطْمَارُ) وكلمة ثقل في العربية جاءت من اللغة الأكدية “شقل” عبر الآرامية. وهي وحدة وزن بابلية وبالدارجة العراقية شقلَ الطفلَ أي حمله على الكتف. وفي الدولة الصهيونية، اتخذوا هذه الكلمة الآرامية اسما لعملتهم النقدية زاعمين بأنها عبرية، والواضح أن الأسرى العبرانيين أخذوها من الآرامية وربما من الأكدية. ولا توجد كجذر في العربية ولكنها موجودة بلفظ ثقل بالثاء العربية الرادفة والمعنى نفسه لشقل ونقرأ في اللسان (الثِّقَل: نقيض الخِفَّة، والثِّقَل: مصدر الثَّقِيل، تقول: ثَقُل الشيءُ ثِقَلاً وثَقَالة، فهو ثَقِيل، والجمع ثِقالٌ. والثِّقَل: رجحا الثَّقِيل
والثِّقْل: الحِمْل الثَّقِيل، والجمع أَثْقال، وقوله تعالى: {وأَخرجت الأَرض أَثقالها/ الزلزلة -2}.
703-سِدانة = (سدانا) وتعني في المندائية أساس وركيزة. ولا علاقة لهذا المعنى بمعنى الكلمة في اللهجة العراقية؛ فالسدانة هي حاوية أو وعاء أسطواني عمودي يُعْمَل من الطين وحين يجف يستعمل لخزن وحفظ الحبوب والمواد الجافة الأخرى وهذا الوعاء لا يقوم أصلا على ركيزة ولا يحفر له أساس في الأرض كالبناء بل يطرح الطين على الأرض ثم يسوى على شكل جدار دائري يرتفع رويدا رويدا ويضيق في الأعلى ويشبه تنور الخبز التقليدي، ولذلك تكون السدانة هشة لا تتحمل الرطوبة والماء حيث تضمحل وتنهار لذلك قالوا في المثل الشعبي ” حاله حال السدانة بالماي”. وزعم بعضهم أن الكلمة سومرية أو بابلية ولكني لم أجد توثيقاً يُطمأن إليه لهذا الزعم. والمرجح أن كلمة سدانة هي اسم آلة على وزن فِعالة جاءت من جذر (سَدَنَ) ومن معانيه الستر والحجب. نقرأ في الصحاح: “والأسْدانُ: لغةٌ في الأَسْدالِ، وهي سُدولُ الهوادج. وسدن الرجل ثوبَه وسَدَنَ السِتر، إذا أرسَله”، ومنها سدانة الكعبة تقديم الخدمة والحفظ والحجابة نقرأ في اللسان: “سِدَانَة الكعبة خِدْمَتُها وتَوَلِّي أَمرها وفتح بابها وإِغلاقُه، يقال منه: سَدَنْتُ أَسْدُنُ سَدَانة” فالكلمة توفر معاني الخدمة والحجب، وفي الرائد: “سدن الستر: أرخاه، أرسله. وسَدَن وسُدن. ستر، جمع: أسدان”. ومن طريف ما ورد بخصوص السدانة بيت من الشعر الشعبي لعراقية جنوبية تصف ابن عمها القبيح قالت:
يا طول ابن عمي طول السدانة
ومغرافة للتنور وحدة من اذانه!
للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:
#لهجة_عراقية_اللامي يتبع