عرب وأمازيغ في ظل كارثة كان في الإمكان تفاديها… ومسلسل عن اللاجئين مهدى لحافظ الأسد
بيدر ميديا.."
عرب وأمازيغ في ظل كارثة كان في الإمكان تفاديها… ومسلسل عن اللاجئين مهدى لحافظ الأسد
تدفق عددٌ هائل من صور الكارثتين اللتين حلّتا بالمغرب وليبيا أخيراً، ومثلما يحدث دائماً، لم تكن صور وفيديوهات الفاجعة وحدها لتكفي المخيلات النهمة، فلا بدّ من تمرير صور مزيفة مع تلميحات تشير إلى أن الكارثتين مصنّعتان، بدليل أضواء زرقاء هائلة سبقت الكارثة. تلميحات ترمي إلى القول إن «بروتوكولات حكماء صهيون»، من مكان ما، كبستْ زر الكارثة، ولم يتردد البعض في ربط الكارثتين معاً، ربما بالكبسة نفسها.
سرعان ما ثَبَتَ أن صور الهالات الزرقاء تعود إلى أزمنة سابقة، ومن أمكنة أخرى، ولم نكن لنحتاج إلى دليل كهذا لنصدق أن الكارثة ليست مصنّعة في إطار «بروتوكولات» كونية مسيطرة أو حاكمة من وراء الحدود، وإن كنّا متأكدين أن جزءاً كبيراً من نتائجها هو بسبب القوى المسيطرة والمتحكمة.
الكارثة الطبيعية ليست قدراً نهائياً. أكيد لا يد للبشر، ولا للصدمات المناخية بالزلازل التي تعود منذ الأزل على نحو قاهر لإرادة البشر ولإبداعهم وتفوقهم، لكن عندما تكون النتائج كارثية بلا حدود، على نحو ما شاهدنا في الصور والفيديوهات والأخبار القادمة من شرقيّ ليبيا، وبدرجة أقل من المغرب، فلا شك أن للإنسان يداً في فداحة المصيبة.
هل من المتوقع أن يثور سكان الشرق، بعد دفن أحبائهم وإكرامهم كما يستحقون، ضد من تسبّبَ بأفظع كارثة حلّت بهم؟ أن يطالبوا بمحاكمتهم على الأقل؟
لقد بدا أن زلزال المغرب لم يأت إلا على السكان الأكثر «تعتيراً» في البلاد، ويمكن أن نضيف للإهمال الحكومي لتخديم القرى المنسية، إهمالاً آخر لأمازيغ المنطقة المنكوبة. مؤلم أن كارثة بهذا الحجم لم تستطع أن تنسي المتسلّطين عنصريتهم واحتقارهم للآخر.
فوق ذلك؛ في وقت كان المنكوبون يصرخون ويحفرون الأنقاض بأيديهم بحثاً عن أحبائهم، في انتظار أي مساعدة حكومية أو غير حكومية تضع يدها بأيديهم، كانت السلطات المغربية ترفض مساعدات دولية، من بينها مساعدات عرضتها فرنسا، وأخرى عرضتها الجزائر. كانت فرق الإنقاذ في انتظار إشارة الموافقة للانطلاق، ولم تصل. لا يريد الحكم في المغرب أن يتسامح، أراد أن يسجل موقفاً سياسياً في عزّ الكارثة.
في حالة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا استطاع الزلزال أن يخرق ما لم تخرقه سنوات من القطيعة العربية لنظام بشار الأسد، كان الزلزال سبباً مباشراً في عودة النظام إلى الحظيرة العربية. وكانت سانحة لإضافة مصطلح جديد للقاموس السياسي: دبلوماسية الزلازل.
على الجانب الليبي، كان في إمكان الإعصار أن يمرّ مرور الكرام، أولئك الذين قد يكتفون ببضعة أعمدة كهربائية، وسقف هنغار، وبضع لافتات تتطاير في الهواء، لكن حكام الشرق اللئام كانوا قد جهزوا مدن الشرق برمتها لقمة للريح. منذ سنوات فقط كانت درنة، بسكانها التسعين ألفاً، تحت حصار وتجويع وقصف وحشي للمارشال خليفة حفتر وأبنائه. وبعد سنوات مديدة من الحرب والثورة وحكم الطاغية كان كل شيء بحاجة إلى صيانة، وخصوصاً السدّين المتداعيين اللذين كان لانهيارهما أن يودي بحوالى 13 ألف وفاة، ومن المتوقع أن يفوق عدد الوفيات عشرين ألفاً، فيما المدينة برمتها أقرب إلى أنقاض، عدا عن ذلك الجزء الذي ابتلعه البحر.
يضاف إلى هشاشة المدينة، الأوامر الخاطئة التي صدرت لسكانها بالبقاء في بيوتهم، كما ظهر في أحد الفيديوهات. قرار كان حاسماً في زيادة عدد الضحايا، كأنما يرسلهم الحكام إلى حتفهم.
هل من المتوقع أن يثور سكان الشرق، بعد دفن أحبائهم وإكرامهم كما يستحقون، ضد من تسبّبَ بأفظع كارثة حلّت بهم؟ أن يطالبوا بمحاكمتهم على الأقل؟
يصعب التوقع، يصعب أساساً أن يطالب أحدٌ أولئك المنكوبين، الذي لا يلوون الآن على سقف وملابس ولقمة، برفع الصوت، خصوصاً بعد عشر سنوات مديدة، على الأقل، من الخذلان.
«النار بالنار»
وُزّعت أخيراً في لبنان جوائز «موريكس دور» لعام 2023، و بين الجوائز العديدة الموزعة حاز المسلسل السوري- اللبناني «النار بالنار» (للمخرج محمد عبد العزيز والكاتب رامي كوسا) عدة جوائز؛ واحدة عن أفضل مسلسل لبناني بالدراما المشتركة، كما حازت بطلته كاريس بشار جائزة أفضل ممثلة عربية بالدراما العربية المشتركة، وحاز جورج خباز على جائزة أفضل ممثل لبناني دور أول، وساشا دحدوح جائزة أفضل ممثلة لبنانية في دور مساند، ونال طارق تميم جائزة أفضل ممثل لبناني في دور مساند.
غريب أن يُهدى مسلسل عن اللاجئين السوريين (لا فيلم عن حرب تشرين مثلاً) إلى حافظ الأسد، الرسالة هنا مدوّخة حقاً؛ هل هي سخرية من اللاجئين، أم هي زيادة تنكيل باللبنانيين؟!
مخرج «النار بالنار» أراد أن يحتفي بهذا الإنجاز، فكتبَ تحية لشركاء العمل، متجاهلاً اسمين بارزين، إثر معارك وخلافات بعد عرض العمل في رمضان الماضي، هما كاتبه رامي كوسا، وممثلته الأولى كاريس بشار.
مع منشوره أرفق المخرج بوستر العمل، محاولاً، على ما يبدو، استعادة المعارك الفائتة، والتأكيد على أنه أساس «نجاح» المسلسل: «حتى هذه الخدوش والتخريشات أضفتُها لعنوان العمل، بما فيه الفونت الذي كُتب به أثناء تصميم البوستر، وتلك النقطة الحمراء التي أضفتُها كدلالة على العلاقة السورية – اللبنانية الملتبسة لتعريتها، والغوص في أوحالها حسب المتاح. إلى هذه الدرجة أضفتُ وتدخلتُ وأعدتُ صياغة هذا العمل حرفاً حرفاً، ولقطة لقطة، بكل مراحل صناعته، حتى وصل لهذا التتويج الذهبي الكبير حاصداً خمس جوائز في واحد من أهم الفعاليات الفنية بالعالم العربي».
لكن، هذه المرة، ليس هذا تماماً ما أثار سكان مواقع التواصل الاجتماعي، بل عبارة وردت في آخر المنشور، جعلت المنشور يسري سريان النار بالنار، عندما قال: «أتشرف بإهداء هذه الجوائز بجلال لروح الرئيس الراحل حافظ الأسد، ولأرواح جميع شهداء سوريا ولبنان بلا استثناء».
المخرج السوري- الكردي يهدي عمله لحافظ الأسد، هذا الذي لا يصحو معظم السوريين وينامون إلا على لعن روحه، والذي نال منه الأكراد خصوصاً عذابات لا حصر لها، وهذا الذي سببُ كل مأساة في البلاد. لا نحتاج إلى العدّ، فيكفينا من المصائب واحدة: توريث المجرم المختلّ الذي سوّلت له نفسه قتل نصف مليون من السوريين، والبقية تعرفونها.
غريب أيضاً أن يُهدى مسلسل عن اللاجئين السوريين (لا فيلم عن حرب تشرين مثلاً) إلى حافظ الأسد، الرسالة هنا مدوخة حقاً؛ هل هي سخرية من اللاجئين، أم هي زيادة تنكيل باللبنانيين، باعتبار العمل عن «العلاقة السورية – اللبنانية الملتبسة»!
في العام 2010 حقق المخرج عبد العزيز فيلم «دمشق مع حبي» فيه مشهد لا يغيب عن البال؛ في مكتب مختار حيّ دمشقيّ (أداه الممثل الراحل ياسين بقوش) هنالك صورة ضخمة لبشار الأسد، وهذا عادي في مكتب مختار الحي، لكن كاميرا ذلك المشهد كانت مشغولة طوال الوقت بالصورة (لا نتذكر كلمة واحدة للمسكين ياسين بقوش)، على وجه الدقة تتحرك الكاميرا معجبة بالصورة، إلى حد يمكن القول إنه درس حقيقي في كيفية هتاف الكاميرا، من دون أن تقول كلمة واحدة.