ج1/ بحث أكاديمي جديد حول أخلاق التصوف بين العلوي والجابري 1 من 2
علاء اللامي*
تكرم الصديق العزيز محسن المحمد، طالب الدكتوراة في الفلسفة، قبل أيام فأرسل لي نسخة من بحث علمي مهم بقلمه فله وللصديق الذي أوصل النسخة شكري الجزيل وفائق امتناني. البحث بعنوان “أخلاق التصوف العربي الإسلامي وأصولها بين محمد عابد الجابري وهادي العلوي”. وهو على حدِّ علمي أول بحث يغرد خارج السرب الأكاديمي، ويناقش موضوع التصوف من منظور نقدي طبقي جذري يحايث المفاهيم التي أسس لها الباحث التراثي والمناضل الاجتماعي الراحل هادي العلوي الذي أحاطت وتحيط باسمه وبأعماله “مؤامرة” صمت وتجاهل في عموم المشهد البحثي الرسمي وشبه الرسمي العربي، وخصوصا في بلده العراق، إلا ما ندر. يأتي نشري لهذه القراءة في هذا البحث المهم متصادفا مع ذكرى وفاة العلوي التي مرت يوم أمس 27 أيلول لتكون تحية لذكراه فسلام عليه وعلى مناقبه وأحلامه المشاعية. وتحية لهذا الجهد الطيب وللصديق الباحث محسن المحمد ومن معه من زملاء أدرج أدناه ببعض الملاحظات التالية:
ثلاثة أهداف بحثية:
يقع البحث الذي نشر لاحقا في “مجلة بحوث جامعة حلب – عدد 2023″ في اثنتين وعشرين صفحة. وتقول خلاصته: ” يُعنى هذا البحث بتتبع التفكيك الذي قام به اثنان من أهم النخب العربية لأخلاق التصوف العربي الإسلامي وأصولها، وهما محمد عابد الجابري وهادي العلوي. والهدف من هذه الدارسة ثلاثي الأبعاد. فهي ترمي أولاً إلى إظهار الاختلاف الكلي بينهما على الرغم من اشتراكهما في الموضوع. ثمّ تبيان الأهداف الكامنة وراء القراءتين. وأخيرا. تبتغي هذه الدارسة الكشف عن المرجعيات الإيديولوجية لنسقي التفكيك موضوع البحث”. ويذهب الباحث إلى أن قراءة الجابري تنسجم مع أطروحتين؛ الأولى أطروحة التيار السلفي الإسلامي الهاجية والمكفرة للمتصوفة والثانية الأطروحة الاستشراقية التي تصرّ على الأصل الدخيل “الآري – وتحديدا الفارسي والهندي” للتصوف العربي الإسلامي، أما أطروحة العلوي حول التصوف فهي “تُشكّل امتداداً للأطروحة الماركسية العربية التي نظرت إلى التصوف الإسلامي بوصفه فكر الحق في الإسلام”.
-أعتقد أن البحث قد حقق هذه الأهداف الثلاثة التي وضعها له الزميل الباحث بشكل منهجي ومقنع. ولعل التفريق الذي أشار إليه الباحث والخاص بالتعليق على قول الجابري “فحركات الدروشة تخلو من أي فهم ثوري معارض للاستبداد، بل غدت تدريجياً جزءاً منه، وساعدته على السيطرة على الخلق ونهبهم”، ومفاده أن مقولة الجابري هذه تنطبق “على هذه الحركات (الدراويشية)، وليس على التصوف الحق في تراثنا”، والذي دأب الباحث على تسميته التسمية التي أطلقها الراحل العلوي عليه وهي “التصوف القطباني” تمييزا له عن تصوف الدروشة والدراويش في العصر المملوكي والعثماني.
جهل وتجاهل مقصودين:
أقول؛ لعل هذا التفريق يشكل حلقة مركزية وجوهرية من حلقات الموضوع المبحوث، وفيها يمكن لنا فهم وتفسير مواقف الرفض والعداء لظاهرة التصوف حتى من قبل باحثين يعتبرون أنفسهم أو ينظر إليهم غالبا كباحثين علميين يتوسلون المناهج العلمية الحديثة فالجابري وسواه من باحثين عرب وغربيين تقليديين معاصرين، فهؤلاء أو لأقل غالبيتهم، يجهلون ما نسميه نحن السائرون على خطى مفاهيم العلوي وأمثاله – التصوف القطباني الحقيقي ولا يعرفون غير الدروشة العثمانية التي لا يجمعها جامع بظاهرة التصوف الإسلامي الحقيقي.
إن الباحثين التقليديين كالجابري يجهلون أيضا وبالنتيجة والمآل الفرق بين التصوف العرفاني الفلسفي والآخر الكفاحي الاجتماعي ذي المضمون الطبقي المشاعي الهادف إلى تحقيق “راحة الخلق الفقير” كما نظَّر له العلوي. وجهلهم هذا لا ينم عن قصور معروفي فقط بل هو أيضا، أقرب من حيث الماهية، إلى الخلل التقني والمعلوماتي الناشئ بدوره عن موقفهم الطبقي المضمر واقتصار تعاملهم مع الخطاب البحثي والمؤسساتي التعليمي الرسمي في دولنا التابعة.
هذا الجهل مضاف إليه التجاهل القصدي هو واحدة من مشاكل الجابري البحثية الكبيرة، إلى جانب تبنيه نسخة حادة ومتشنجة من النظرة القومية العروبية الاستعلائية “الشعوبية” المناهضة لأبناء الأمم والشعوب الأخرى التي انضمت الى الإسلام بعد حروب الفتح كالفرس وغيرهم واعتبارهم حتى إذا كانوا قد أسلموا و”صحَّ إسلامهم” بالعبارة الفقهية، يظلون أعداء متربصين بالإسلام الدين والدولة والحضارة والثأر منها، أيا كانت مساهمتهم في هذه الحضارة وهي مهمة دون شك. يتساوق هذا الجهل بحقيقة مضمون التجربة الصوفية القطبانية وخلطها بالأخرى “الدراويشية” وينجم عنه هذا الاستذيال للموقف الاستشراقي الغربي القائم على النظرة والمفاهيم المركزية الغربية العرقية وخصوصا تجريد التصوف الإسلامي حتى من حاضنته الجغرافية والتاريخية واعتباره دخيلاً وافداً من تجارب أخرى ومن “عقليات” أكفأ وأجدر وأقدر من العقلية “السامية” العربية “الخاملة”!
بهذا الصدد يكتب الزميل الباحث الآتي: “نخلص في هذا السياق إلى القول بأن العلوي لا يتعامل مع التصوف الإسلامي بوصفه كتلة واحدة، بل يميّز في فضاء التصوف الإسلامي بين التصوف الذي بدأ مع إبراهيم بن أدهم وانتهى مع عبد القادر الجيلي في القرن التاسع للهجرة، وبين ما جاء بعده من حركات دروشة التي لا تنتمي إلى التصوف الحقيقي إلا شكلا. في المقابل، فإن الجابري لا يحدد أي تمايز من هذا النوع، وذلك لهدف بدأنا نتلمّسه، وهو إخراج التصوف الإسلامي من دائرة الأخلاق والإسلام الحق”.
وفي المناسبة، فهذا الكلام المُسّفِّه للتصوف الإسلامي والذي كتبه الراحل الجابري، قاله الجابري ومعه بعض المستشرقين الغربيين وبالمفردات نفسها تقريبا – مع اختلاف الغاية والهدف – عند مناقشة موضوع نشأة الفلسفة العربية الإسلامية.
الاستشراق الغربي والتصوف “الآري”
لقد أنكر المستشرقون العرقيون الغربيون وتلامذتهم العرب والشرقيون أن تكون هذه الفلسفة عربية إسلامية بل هي نتاج للعقل الآري القدير والكفء الذي مثله أبناء الأمم ولشعوب غير العربية كالفرس والهنود. يمكننا هنا أن نستثني ما قاله المستشرق الألماني ماكس هورتن من أن التصوف هندي المنشأ والجذور وإنه في تجلياته وأفكاره ليس بعيدا عن الفلسفة. أقول يمكن ان نستثنيه من هذا الجهد الاستشراقي العرقي لأنه قد يصح إذا كان المقصود هو التصوف بعموم القول والتعريف، وهذا ما يؤكده السياق العام للكلام، وليس التصوف القبطاني الإسلامي على التخصيص، وهو كلام ينطوي في الحال الأولى على شحنة إطراء محقة ومنصفة، فالتصوف بعموم القول ليس استقالة عقلية أو هروبا ونكوصاً حضارياً أو مؤامرة باطنية فارسية للنيل من دين ودولة الإسلام كما وصفه الجابري بل هو ينطوي في جوهره على بحث فلسفي وتوليد خصب للمعاني الإنسانية والعقلانية في الوجود والحياة أيضا بالمعنى الذي وصفه به هورتن.
التصوف برأي الجابري دخيل ولا معقول
أما عند الجابري فالتصوف الإسلامي دخيل ولا معقول، إنه “اللامعقول، وهو وافد على الثقافة العربية؛ وهو عقل مستقيل تغذيه تيارات فكرية وعقائدية أجنبية تلقفتها عقول فلسفية عربية مثل الفارابي وابن سينا وبنت لها إطارها النظري على قاعدة التصوف – كما يلاحظ محمد همام بدقة وصواب ملخصا فكرة الجابري- وذلك “من خلال الدمج بين الدين والفلسفة عند ابن سينا كاستراتيجية فارسية قديمة. من هنا رأى الجابري ابن سينا مسؤولًا عن زرع اللاعقلانية في العقل العربي الإسلامي، فكانت فلسفته تعبيرًا عن وعي قومي مهزوم ووعي أيديولوجي مقلوب، وهو أحد تجليات الوعي القومي الفارسي المهزوم”.
ويُصَعِّدُ الجابري من موقفه هذا ليندمج موقفه ويتماهى بالتفسيرات ذات النزعة الطائفية والمضمون التشنيعي الموجه ضد الطائفة الثانية من المسلمين في عصرنا “إذ يرى – ونعود للاقتباس من قراءة محمد همام – أن الشيعة أول من (تهرمس في الإسلام)، وهو ما تجسد في فكرة الإمامية. وتسرب هذا الفكر الهرمسي إلى التصوف السني مع الجنيد وابن عربي، وهو ما مهَّد الطريق لاستقالة العقل العربي، وتكريس النظرة السحرية للعالم. والعرفان، في نظر الجابري، ذو نزعة هروبية إلى عالم الميثولوجيا المفلسة، وهو أدنى درجات الفاعلية العقلية، ويفتقد إلى المعطيات الذهنية الموضوعية، انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية من الثقافات التي كانت سائدة قبل الإسلام في الشرق الأدنى، وبكيفية خاصة في مصر وسوريا وفلسطين والعراق/ الأصول الأجنبية للتصوف الإسلامي.. موضوعاً للبحث العلمي – محمد همام/ ثقافات 16 تشرين الأول أكتوبر 2020/ مدونة الفيصل بتاريخ 1 آذار –مارس 2020″. هنا بالضبط يجد كلام جورج طرابيشي حول انزلاق الجابري “من النقد المعرفي إلى الهجاء شبه الطائفي” مصداقه ودليله!
معروف أن قراءة الجابري لظاهرة التصوف قد تعرضت لنقد عميق من عدة أقلام مهمة في المشهد البحثي والفكري العربي. وخصوصا من الباحثين السوريين الطيب تيزيني وجورج طرابيشي، إذْ يرى الأول في المشروع الفكري للجابري برمته “نوعا من الاستغراب المغربي يعيد سيرة الاستشراق الغربي”. ويضيف تيزيني أن تصور الجابري “يعاني قصوراً في فهم العلاقة بين الأنماط والبنيات الفكرية المتنوعة، وهو ما أسقط الجابري في الفصل بين ثلاثة قطاعات في الثقافة العربية هي: البيان والبرهان والعرفان، وهذا، في نظره، نوع من الوهم الأيديولوجي والسياسي والمعرفي، وهو ما يقتضي إخضاعه لمبضع تفكيكي جدلي تاريخي صارم…. فإن الخلفية المنهجية للجابري في موضوع التأثير والتأثر يراها فوضوية، خصوصاً عندما يصف الجابري الحضارة العربية بأنها (حضارة فقه)، والحضارة اليونانية بأنها حضارة فلسفة. ويرى تيزيني هذا نوعاً من المقارنة الميتافيزيقية المؤطرة ضمن (مركزوية) أوربية مشروطة بميتافيزيقا التماثل والتماهي بين مركز وأطراف”. هذا النقد كرره بمنهجية مختلفة قليلا الباحث جورج طرابيشي، وانتهى فيه الى نتائج مشابهة للنتائج التي انتهى إليها زميله تيزيني وركز فيه على تناول الجابري لميدان الفلسفة حصراً وليس للتصوف.
وبخصوص مقولة “حضارة الفقه” التي يكررها المستشرقون وتلامذتهم العرب ويعتبرون الفقه الديني بموجبها مظهر تخلف السردية العربية الإسلامية وسبب هذا التخلف في آن واحد بل وقد انطوت عليها بعض أبحاث جورج طرابيشي في نقده المحق لطروحات الجابري، وكنت قد كتبت حول هذه الجزئية: “ويمكن أن نسجِّل هنا أنّ طرابيشي، في نقده لمقولة الجابري عن “حضارة الفقه،” يتقاسم وإيّاه، بشكلٍ لاإراديٍّ تقريبًا، تحسُّسَهما (غيرَ المبرَّر) من “الفقه،” مفردةً ومضمونًا؛ ذلك لأنّ هذه المفردة تقترن عادةً عندهما (وعند غيرهما) بالخطاب الدينيّ السلفيّ المحافظ. غير أنّ هذه المفردة أوسعُ من ذلك بكثير. فالفقه في دول الحضارة العربيّة الإسلاميّة ليس أكثرَ من منظومة القوانين والتشريعات القضائيّة والجنائيّة، بالمعنى الوظيفيّ والمفهوميّ. وهي منظومةٌ متنوّعة إلى درجة التناقض، وهي في حالات موثّقة عديدة تلتفّ على النص الدينيّ وتبتدع طرقَها الخاصّة لتطويعه ــ بل لإخراجه من الجزء المحافظ في المنظومة القانونيّة النافذة. وعليه، فلا جدوى من التحسّس الزائد منها، ولا سيّما أنّها لا تصدر عن مؤسّسةٍ دينيّةٍ رسميّة، وإنّما عن أفرادٍ “فقهاء” خاض أغلبُهم في العلوم الأخرى، بما فيها الفلسفة والفلك والتأريخ والاجتماع. فالفيلسوف العقلانيّ ابن رشد، على سبيل المثال، بدأ حياتَه واستمرّ لأعوام عديدة فقيهاً، وتولّى القضاءَ مرّتين في أشبيلية وقرطبة؛ ومثلَه كان عالمُ الاجتماع التاريخيّ ابن خلدون، الذي كان أيضاً فقيهاً وقاضياً على المذهب المالكيّ في مدينة تلمسان”.
نسخة مغربية من الاستشراق
أما عن انزياح تنظيرات الجابري نحو مضامين استشراقية عرقية أو نحو نسخة محلية مغربانية منها كنت قد كتبت بهذا الخصوص الآتي: “إنَّ الجابري، بحسب طرابيشي، على الرغم من احتجاجه الصارخ على اللاساميّة الرينانيّة المعمَّمة، يعود إلى تبنّيها “إبستمولوجيّاً،” ويعيد إخراجَها في صورةٍ عنصريّةٍ جغرافيّةٍ خاصّة. فالجابري لا ينْكر أنّ نهرَ الفلسفة اليونانيّة قد قام بتحويلةٍ شرقِ أوسطيّة، ولكنّه يضيف أنّ العقل اليونانيّ البرهانيّ قد تعرفن (نسبةً إلى العرفانيّة)، وتهرمس، بقدْرِ ما تمشرق، ولم يقيَّضْ له أن يستعيدَ عقلانيّتَه إلّا بمقدار تمغربه (من المغرب) بعد طولِ تخبّطٍ في مستنقع “اللاعقلانيّة المشرقيّة” وبعد أن أعاد تكوينَ نفسه في لحظةِ تأسيسٍ ثانية في المشروع الثقافيّ المغربيّ الأندلسيّ ـ على ما تجسّد في نقديّةِ ابن حزم، وعقلانيّةِ ابن رشد، وأصوليّةِ الشاطبي، وتاريخيّةِ ابن خلدون.
الجابري هنا، كما يلاحظ طرابيشي بصواب، يشتقّ نسخةً استشراقيّةً خاصّةً وجهويّةً في رؤيته الإقليميّة العرقيّة عن رؤية رينان: فالإقليم “المغربيّ الأندلسيّ” عند الجابري كالعِرق “الهندوآريّ” عند رينان، أي إنه مقولةٌ فلسفيّة صالحة (من وجهة نظر الجابري) للتفريق بين “مشرقٍ عربيٍّ لاعقلانيّ ومغربٍ عربيٍّ عقلانيّ”. ولكنْ إذا كان المشرقُ قد استعصى على العقلانيّة، كما يزعم الجابري، فإنّ المغرب لم يستعصِ على اللاعقلنة. دع عنك أنّ المشرق والمغرب لم يكونا أكثر من جهتين جغرافيّتين في وحدةٍ حضاريّةٍ شديدةِ التداخل والاندماج؛ ومثلما نجد عقلانيّين في المغرب، فإننا نجد نظراءَ لهم في المشرق، والعكس صحيح. وهو ما يعني أنّ التفريق الذي يأخذ به الجابريّ ملتبس، وقد ينطوي على نوازع قطريّة مغاربيّة أكثر منها نقديّة عقلانيّة. صحيحٌ أنّ رؤية رينان أكثرُ صراحةً في مركزيتها الإثنيّة الأوروبيّة المعادية للشرق وللحضارة العربيّة الإسلاميّة، ولكنّها تقوم على المرتكزات الإيديولوجيّة الإثنيّة ذاتها التي اشتقّ منها الجابري رؤيتَه القُطْريّة والجهويّة. فرينان يقول مثلًا، بحسب اقتباس طرابيشي، إنّ المسيحيّة: “هاجرتْ من البداية إلى القارّة المركزيّة للجنس الآريّ: أوروبا. ومن ثم لم تبقَ، كما بدأتْ، ساميّةً خالصة. فقد أخذتْ من الجنس الهنديّ ـــ الأوروبيّ بقدْرِ ما أعطته. وعلى الرغم من عدائها البدئيّ للعقل الفلسفيّ، فقد انتهت إلى أن تكون حاضنتَه. وفي المقابل، فإنّ الإسلام اضطَهد على الدوام العلمَ والفلسفة، وقد انتهى به الأمرُ إلى أن يخنقَهما، بل إنّه قتلهما قتلًا. ولولا الفُرس لما وُجدتْ قطّ فلسفةٌ في الإسلام. فقد عَرفتْ فارس كيف تطالب بحقوقها كأمّةٍ هنديّةٍ أوروبيّة، وكيف تخلق لنفسها في قلب الإسلام فلسفةً وملحمةً وميثولوجيا…” (رينان، محمّد وأصول الحكم، ضمن: الأعمال الكاملة، مجلّد 7، ص 183، اقتبسه طرابيشي في مصائر، ص 19).
هنا يُخرج رينان بلادَ فارس من عالم التخلّف واضطهادِ الفلسفة، الذي وصم العالم العربيّ الإسلاميّ؛ في حين أنّ الجابري يُخرج منه المغربَ والأندلس ويمنحهما نوعًا من الأفضليّة، ذاتِ المذاق الأورومركزيّ، على مقياسٍ جهويّ مغربيّ أصغر“.. في ذكرى رحيل جورج طرابيشي – علاء اللامي – الآداب / العالم الجديد / الأخبار.
بالعودة إلى موضوع جذور التصوف الإسلامي ونشأته الأولى، يمكن أن نجد دحض مقولة وفادة وأجنبية التصوف الإسلامي التصوف الإسلامي وتفنيدها التطبيقي في ما كتبه أبو العلا عفيفي في كتابه “التصوف الثورة الروحية في الإسلام” قبل أكثر من نصف قرن، لنقرأ ما كتب:
يتبع.
*كاتب عراقي