نوع جديد من الحروب
ضرغام الدباغ
ا من الحروب اصطلحوا على تسميته بحروب الوكالة
عرف العالم في مرحلة الحرب الباردة نوعً
(war proxy (وھذا النوع من الحروب جرت أحداثه في قارات العالم الخمس، بعد عام ،1949 وھو
العام الذي توصل فيه السوفيت إلى كسر الاحتكار النووي للولايات المتحدة، فصارت المواجھات تدار
(بعد إ خفاق الدبلوماسية) بين المعسكرين : الاشتراكي والرأسمالي، تدار (بالتصعيد / escalation ( أو
(نزع التوتر / relaxation (أو (التعايش / coexistence(، فھذه مراحل ومستويات للأزمات التي
تحمل بذور يمكن أن تتطور لحروب فعلية أو حروب أعتبرھا علماء السياسة بأنھا حروب بالوكالة كنا
قد كتبنا عنه في تقارير السابقة .
والحرب التي نكتب عنھا اليوم ( الحرب في أوكرانيا ) تدور منذ نحو سنة ونصف، وما تزال ساخنة
وحافلة بكل ما ھو جديد في دروس السياسة أو العسكرية، أو تكنولوجيا السلاح، الأمر الذي نرجح أن
أفكار كثيرة ستنبثق عنھا، ومقدماتھا الحالية توفر وتنطوي على إمكانية كھذه،. تطور ملموس في
نظريات الصراع المسلح (الحرب) وفي تكنولوجيا السلاح .
يل غورباتشوف قد ارتكب خطأ قاتلاً الحرب في أوكرانيا، لم تنشب بالصدفة، وكان ميشا في محادثات
مالطا مع الرئيس بوش الأب، 3ـ 2( / ديسمبر / 1989 ) حين اكتفى بتعھد شفھي من الرئيس بوش،
توسع الناتو شرقاً في أراضي البلدان الاشتراكية السابقة، وأكثر تحديداُ بعد م ، في البلدان المتاخمة
لروسيا الاتحادية، ولكن الولايات المتحدة نكلت بتعھدھا وكانت ھذه بالطبع خطيئة كبيرة، يدفع الروس
اليوم ثمنھا باھضا . فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتي، والغرب لا يفوت أي سانحة مھما بدت بسيطة، أو ً
تافھ ة يستطيع أن ينال فيھا من روسيا قضمة أو عضة، ومن مناعة موقفھا السياسي والاقتصادي
والعسكري قيد أنملة، والوقائع تكشف الأھداف الداخلية الغير معلنة. ً وما لم يكن مفھوما بدقة، أصبح
اليوم واضحا الشمس في رابعة النھار . الھدف البعيد و ھو تقسيم روسيا، وإضعافھا لدرجة أن ً وضوح
تصبح دولة عادية في المجتمع الدولي .
خلال حرب كوزوفو ( نھاية التسعينات)، أجاب وزير الخارجية الأمريكية وقتذاك الكسندر ھيغ
( ) Haig Alexander ً ساخطا ً غاضبا على سؤال لصحفي ألماني من مجلة فوكوس الألمانية (Focus ،(
عن مبرر وجود حلف الناتو، وقد تفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف وارسو نفسه، والإجابة كانت
غير مفھومة وقتھا، ولكن بعد محاولات الولايات المتحدة العبث بخاصرة روسيا (جورجيا) ومن ثم
أرمينيا، وانتھاء بضم دول البلطيق وأوربا الشرقية، وإحداث وإسقاط حكومة اوكرانية منتخبة (الثورة
البرتقالية) من سيناريو وإخراج الولايات المتحدة، بدا واضحا حتى لمن له عين واحدة، أن ھذه ما ھي
وھو يدركون تماما خطير سترد عليه ً إلا مقدمات للقمة الدسمة الكبيرة أوكرانيا …! أن ھذا تصعيد
روسيا ( الفعل ورد الفعل) ، فالأمر إذن مدروس بعناية ودقة بالغة .
النتائج العسكرية، وھنا نستبق الأحداث اللاحقة، فھناك أجيال من التكنولوجيا انتھى مفعولھا وباتت
خارج الحسابات الواقعية وبالتالي خارج الخدمة الفعلية فلا مجال للحديث عن الجيل الرابع، وربما
حتى الخامس، وحديث يدور عن أسلحة غير معلن عنھا ھي من الجيل السادس. وھناك شبه إجماع أن
استخدام أسلحة الدمار الشامل ھو في الواقع انتحار ليس إلا ..! لذلك نلاحظ القدرات التدميرية الكبيرة
ت عالية جدا او ستخدام واسع ً في أسلحة المدفعية، لذلك فالخسائر في الأفراد والمعدات والمرافق بات ،
النطاق للصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، واستخدام متصاعد بوتائر سريعة للمسيرات من
الطائرات، وأسلحة البحر (زوارق وسفن مسيرة)، والقدرات على الاستشعار البعيد(الاقمار
الفضائية)، وھنا ستبرز إشكالية جديدة أن التسلح سيلتھم نسبة كبيرة من الدخل القومي وميزانيات
الحكومات، وأن الأنظمة الدفاعية والھجومية ستكون مكلفة ؟ وضرورة أن تصيغ الدول نظريات أمنھا
القومي ضمن تصور واسع عريض إ قليمي أو قاري .
الولايات المتحدة خططت للصراع :
1. بأن يتولى قيادة الطرف الأوكراني، فئة مغامرة يمنية متطرفة، وھناك قوى نازية ضمن
وھي لا ترى أفقاً القيادات الأوكرانية، قبلت أميركا ببراغماتية التحالف معھا، للسلام،
2. رال ھان على معركة دولية تشارك فيھا أطراف دولية، وفي المقام الأول أعضاء حلف الناتو من
الدول الكبيرة : بريطانيا، فرنسا، ألمانيا،
3. عولت على تأثير الولايات المتحدة على مسرح السياسة الدولية، لإحداث تأثيرات جذرية في
أوربا على غرار الشرق الأوسط، تسعى الولايات المتحدة لوضع أسس ھيمنة عالمية جديدة،
ھناك دول مركزية أساسية في أوربا : بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، ودول قريبة من ھذا المستوى
: إيطاليا، أسبانيا .
4. النتائج السياسية للحرب الأوكرانية، كأي صراع دولي واسع ساھمت أطراف دولية عديدة
فيه، سيكون ھناك تقسيم نفوذ دولي، وھناك إعادة حقوق مستلبة، واصطفافات جديدة
بلدانا عديدة لحلف ً إذن بعد أن ضمت الولايات المتحدة (، التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة)
الناتو في شرق أوربا تنشد التطور على النمط الرأسمالي، ولكنھا شكلت بنفس الوقت حلقة في
مخططات الناتو، ولكن حين أقترب التھديد من خاصرة روسيا (أوكرانيا)، التي لا يعرف تاريخھا قيام
دولة أوكرانية، بل كانت ً جزءا لا يتجز أ من الامبراطورية الروسية / السوفيتية، حتى أصبح التغافل
عن الخطر الداھم لا ينم عن حكمة، والإدارة الامريكية لا يھمھا بأي قدر الخسائر، إذ خسر الجيش
أيضاً الأوكراني ترسانته قواته من الأسلحة السوفيتية، وفوقھا بأضعاف من الأسلحة الغربية ،
فأصبحت أوكرانيا محرقة بلا قعر للأسلحة الغربية، إذ احترقت فيھا ترسانة الأسلحة الشرقية دول
أوربا الشرقية (بالطبع ستحل محلھا مشتروات من الأسلحة الأمريكية ) وھناك من دول غرب أوربا من
دفع للمحرقة الأوكرانية أنظمة الأسلحة الغربية القديمة، ولكن الحاسبة تقيد الحسابات وأثمان الأسلحة
واوكرانيا غرقت بديون يصعب تسديدھا … ھذا إن انتھت الحفلة الدموية ببقاء أوكرانيا في عداد الدول
الحياة ….!
أن الساحة الاوكرانية ستشھد صراعاً مسلحاً الإدارة الأمريكية كانت تعلم علم اليقين ، لأن طابع
التناقض فيھا حاد وتناحري، وبسبب الطابع المستعر للصراع فالمعركة ستكلف الطرفين : الروسي
والأوكراني الكثير جداً في الأرواح والممتلكات، وأعداد ھائلة من المعوقين، والمھاجرين وأن أتساع
رقعة الصراع سيضاعف من حجم النتائج السياسية والاقتصادية والعسكري، وأن المعركة ستسحب
إلى لھيبھا أعداد من الدول، وبروز تكتلات جديدة، وربما إلى تغيرات في الخارطة السياسية الأوربية.
ولكن الولايات المتحدة كانت قد وضعت تقديرات، أعتقد أنھا فاقت حجم ما كان في مخططھا، ولكن
بعض النتائج التي كانت تتأملھا ومنھا، أن أي صراع شامل وكبير سيزيد من لحمة أعضاء الناتو، وھو
أمر لم يتحقق بالقدر الذي كانت الولايات المتحدة تتوقعه، بل أن الصراع في حافة أوربا (أوكرانيا)
سيترك آثاره السلبية على العلاقات بين أطراف الناتو وبدرجة ليست بسيطة .
واليوم السمة الجديدة للحرب، أنھا تدور بين روسيا الأتحادية، والولايات الأمريكية ولكن على أرض
طرف ثالث “اوكرانيا “. ومعسكر الولايات المتحدة يتفاوت في إنجرافه للحرب، ففي الوقت الذي
، لا يقبلون أيضا نجرار لحرب ً ينكرون على روسيا اللجوء للقوة المسلحة ( دول أوربا الغربية) الا
شاملة، تقع فيھا العواصم الأوربية تحت مطرقة التدمير الشامل. والعواصم الأوربية تتحرك وتحاول
أن تتجنب الاسوء، المواقف تتفاوت مع طول المنازلة ف: من العواصم من يعبر بوضوح تام عن موقفه
وينأى بنفسه عن التصعيد، ويبلغ درجة مبدأ الاكتفاء بتقديم المساعدات لأوكرانيا ( بولونيا، فرنسا،
ألمانيا، سويسرا . ) وھناك من يبلغ ( بدرجات متفاوتة) درجة مساندة روسيا (سلوفاكيا، المجر، اليونان،
الصرب، بلغاريا، رومانيا)، ومواقف من دول مترددة، وھكذا فإن المواقف ليست متماثلة، أو حتى
متقاربة، بل تقترب من التناقض …!
ينبثق من ھذا التراكم في المواقف والآراء تساؤل : ” ماذا تريد الولايات المتحدة …؟ ” ھل ھو إشعال
حروب من أجل الحروب،أم تدمير روسيا وتجزئھا، تعزيز ھيمنتھا العالمية و استنزاف اقتصادھا
ية تستحق منا بحثا ما نؤكد ه أن ھناك عالم ً خاصاً قطعا ، ولكن ً العملاق، ھناك أھداف معلنة وأخرى خف
جديد يخرج ويتكون ونمط جديد في العلاقات الدولية. ً بعيدا عن الھيمنة الأمريكية المطلقة. وخطوة
كبيرة نحو عالم متعدد الأقطاب .
ھذا نوع جديد من الحروب، المناورة على حافة الحرب المجازفة بكل شيئ من أجل تجارة السلاح،
حرب النصر فيھا زعم بائس، البشرية عرفت في تاريخھا 12,000 ألف حرب، كلھا شنتھا النظم
الاقطاعية والدينية والقيصرية، والرأسمالية . وحرب أوكرانيا ھي الحرب الانتحارية التي تشنھا
الولايات المتحدة للحفاظ على ھيمنتھا وسطوتھا وديكتاتوريتھا . الغرب وأوربا تتنصلان من مسؤوليتھا
عن ھذا الجنون الغبي … ھناك الولايات المتحدة الأميركية فقط، وانقلبت لديھم كافة المقاييس السياسية
والاقتصادية والاجتماعية ً والثقافية وأخيرا العسكرية ….!