قراءة في رواية: كدتُ أتزَّوج ملكاً فِرعونياً
قراءة في رواية: كدتُ أتزَّوج ملكاً فِرعونياً
يَحيَى غَازِي الأَميرِي
بَعد عِدَّةِ أيام، مِنْ قِراءةٍ عَمِيقةٍ دَقِيقةٍ مُتأنِّيةٍ للروايةِ، والتِي عِشتُ أجوائِها وَشُخُوصُها وَتَفاصِيلُها...
بدأتُ أفكرت بالشروع لكتابة مداخلة تقييمية عن الرواية؛ دونتُ على ورقةٍ أمامي، خارطة العمل، وفتحت صفحة الكتابة في الكومبيوتر، فجأة تملكتني رهبة وهواجس عديدة متنوعة، جعلتني أتردد كثيراً وأجفل من العمل، هذا الشعور انتابني لعدة أيام، كلما حاولت فتح صفحة في الكومبيوتر والبدء بالكتابة… وأول هذه الهواجس كان السؤال الكبير الذي ينتصب أمامي …
- كم مِنْ السنِين وَالجَهد بَذَلتْ وهيَ تَرصدُ وَتُدونُ في تلافيف ذاكِرَتها هذا الهولِ الكبيرِ من الأحداثِ والمواقفِ والصدماتِ والخَيباتِ وَالمُعاناة، لِتكتُب هذهِ الروايةّ؟
فَرِوَايَتهَا سَرْدٌ عَمِيقٌ طَوِيلٌ لِحَيَاةِ إِنسَانَةٍ وَاعِيَةٍ مُثَقَّفَةٍ، سردٌ لمجوعةٍ من القصص والحكايا المليئة بالأحاسيس والعواطف وِالمشاعر والمواقف المتنوعة عاشتها بحلوِها وَمَرِّها بشكلٍ فعليٍّ ولسنونَ طوال.
أذن كيف ليّ أن أختصر هذه السيرة الذاتية الطويلة وتجربتها الأدبية الإبداعية الواقعية في الرصد والتدوين والسرد، ببعض الصفحات، هل فعلاً أستطيع أن أعطيها حقها؟
-أمْ سَوفَ أبخَسُ جُهدُها؟
لقد استمتعت بقراءتها وأنا أتابع الأحداث والتغيرات المتتالية السريعة لبنيةِ المُجمعِ والعلاقات وطرق الاتصالات بين الناس من خلال حديث الراوي لقصص شخصيات الرواية العديدة المختلفة في المهن والاعمار والتحصيل الدراسي، فقد كنتُ مشدوداً مستمتعاً حتى أخر صفحة من روايتها الطويلة بطبعتها الأولى 2023 وَالتي تتكون من (295) صفحة من القطع الوسط. بل أزداد استمتاعي بها وَشدتني كثراً إليها وانا أقلب صفحاتها الواحدة بعد الأخرى، لكون أحداثها واماكنها وأزمنتها، أكاد أَنْ أكونَ اعرف ادقَ تَفاصِيلها، فهيَ تُدونُ لفترةٍ زمنةٍ عِشتُها، واعرف ظروفها وَمُلابَساتِها، وكذلكَ لِمَا أبدعَتهُ أَنَامها بتَدوينهِ بِلغةٍ شَفيفةٍ حَريصةٍ راصدة، وهي تستحضر من ذاكرتها الموجعة بالفواجع والهموم والوحدة وَهِيَ تَرصدُ الأحداث بِعينينِ مَفتُوحتين، وبدِرايةٍ مُسبقَةٍ للمُهمةِ التي تُريدُ ايصالَها بأفضلِ الصُّوَرِ؛ لصُّورٍ عاينتها وعاصرتها بل عاشتها بأدق تفاصيلها بنفسها، وجاءت بعد تجربة طويلة ونضج فكري لتعبر عنها بعمل أدبي (روائي) وهيَ تَدخلُ بِعَقدِها الرَّابع، لِتَستَحضِرها مِنْ خَزينِ الذاكِرةِ لِتُسجلها للأجيالِ كوثِيقةٍ (اِجتماعِيَّة ثَقافيَّة) لِحِقبةٍ زَمَنيَّةٍ مَرتْ ببلادِها التي وَلدتْ وَتَرَعرَعَتْ وَعاشَتْ فيها.
هذهِ التجربَةِ التي أَثَرتْ بِشَكلٍ كَبيرٍ وَعَمِيقٍ فِي تَكوِين شَخصِيتها وبلوَرةِ أفكارِها.
تعرف الرواية كما جاء تعريفها في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا): {الرواية هي سلسلة من الأحداث تُسرد بسرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثاً على شكل(قصة) متسلسلة، كما انها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث، وقد ظهرت في (أوربا) بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً في القرن الثامن عشر، والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذية الأحداث.}
وفي فن الرواية تدخل عناصر بناء الرواية ومقومات الرواية فنية وهنالك عدة أنواع من الروايات ومنها (الرواية الغرامية أو الرومانسية، الرواية الاجتماعية أو الواقعية، الرواية التاريخية، الرواية السياسية، الرواية البوليسية، الرواية الخيالية أو الفنتازيا، ورواية السيرة الذاتية وغيرها من التسميات.)
ويمكنني أن اضع روايتنا موضوع البحث الموسومة (كدتُ أتزوج ملكاً فرعونياً)، أنها رواية سيرة ذاتية ممزوجة بالرواية الواقعية…
وقد وجدت أن كاتبة الرواية قد أتبعت بنهج كتابتها بشكل سليم دقيق توظيف كل عناصر بناء الرواية (الشخصيات/ البطل والخصم، الشخصيات المساعدة أو الثانوية ودورها في العمل الروائي، الحبكة – سير أحداث القصة نحو الحل- الموضوع او القيمة التي تقدمها في الرواية ويدور حولها مضمون الرواية بأكمله، زمان ومكان الرواية، العقدة ويُطلق على العقدة «الحبكة الأولى» { وهي بدء الصراع الذي يخلق الحركة وتقدم أحداث القصة، وهو المشهد أو الحدث الذي يغير من حياة البطل/البطلة وترسله في رحلة لكي يحل هذه العقدة أو الصراع وبدون وجود العقدة وحدوث التغير في شخصية البطل وظهور عنصر التشويق والإثارة فستظل القصة «ساكنة بلا حراك»}.
كتبَ الدكتور الكاتب والناقد (حسين الأنصاري) مقدمة تعريفة للرواية بلغة أدبية متقنة عالية، لكاتب وناقد محترف.
من اول صفحة بالرواية ستشدك بقوة إليها، فقد جاء بكلمات الإهداء:
(إلى روح والدي شاكر الجاكري، كل ما أكتبه هو امتداد لحروفك، فقد أيقنتُ أنَّ حبر قلمك قد انتقل جينياً إلى قلمي، وصار يكملُ ما بدأتهُ أنت. إليك أُهدي روايتي الأولى، وسيبقى قلمك يكتب بقلمي. أرقد بسلام فرسالتك ستستمر.)
وهذا ما يعطي انطباع إيجابي إلى ان كاتبة الرواية هي امتداد لسيرة مسيرة كاتب مثقف متعلم…
تقسم روايتها إلى فصلين:
الفصل الأول بعنوان (قلم حبر) وهو فصل قصير من صفحة (11-76) قياساً بعدد صفحات الرواية، تدور أحداثه في فترة مهمة من حيات بطلة الرواية الراوية (مريم) والتي تنشأ في عائلة بغدادية تسكن في أحد الأحياء القريبة من حي المنصور الراقي في العاصمة بغداد، لعائلة تتكون من الوالدان وثلاثة أولاد (ولد وبنتان).. الأب كاتب مثقف متعلم يتوفاه الله وهي بعمر الزهور…الأم ربة بيت تنحدر من عائلة بغدادية محافظة على عاداتها وتقاليدها. تدور احداث الفصل على العلاقات الأسرية العراقية البغدادية الحميمية المحافظة، وحياتها المدرسة الابتدائية، فترة الدراسة الثانوية وهي في فترة المراهقة قصة حبها الشفيف الأول من الضابط الشاب الوسيم (زيد) حتى تخرجها من الثانوية في فترة الحرب العراقية الإيرانية ودخولها كلية الإعلام.
تبدأ بسردِ وصفٍ جميل لسيرتها الذاتية من الصفحة الأولى ص11 استل منه: (تمشي بخطوات واسعة وهي تمسك بيدي، أحاولُ أنّ ألحق بها فأتعثر بحجارة الطريق، تلتوي قدماي توقفني، تمسد على قدمي ونكمل سيرنا أصبحت أكثر انشغالا بي، تنتبه لحركتي وتستعد لاحتضاني كلما أكاد أسقط على الأرض، تتداركني قبل أن أتهاوى أرضاً، أحياناً تفلت يدي من يدها فأحاول الجري خلفها لألحق بظلها أينما يكون، أدوس عليه وأضحك بشدة، لأنّه يفلت دائماً من تحت قدمي فأحاول الكرة مرة أخرى لألحق به وأدوسه وأشهق ضحكاً، فأنته لصوتها وهي تصرخ بي:
-هيا بسرعة
اتشبث بطرف ثوبها وامسك يدها مرة أخرى، تمسك يدي بقوة وهي تشدني اليها ونحن نعبر الشارع، أخاف من ضجيج السيارات فالتصق بها نتوقف قليلاً عند الإشارة الحمراء، تستغل ذلك فتعيد ربط شرائط ظفيرتي التي تهدلت أثناء الجري خلفها، وترتب ثوبي الذي مال قليلاً هو الأخر من طرف كتفي الأيمن. أخيراً نصل، العائلة كلها تتجمع في بيت جدتي، في اول أيام العيد، الحديقة الواسعة تمتلئ بأصواتهم وصراخهم، وملابس العيد الملونة ملطخة ببقع العصير وبقايا الكعك العالق بالثياب والوجوه.
ومن الصفحة (38) أستل مقطعاً تقول فيه (راقت ليّ فكرة تدوين أفكاري وكل ما أشعر به من خواطر على وريقات دفتري الصغير، وكنت في اليوم التالي أقرأه لصديقاتي وأحياناً لأمي التي كانت تقول لي: فرخ البط عوام.
وتقصد أنني قد ورثت الكتابة من جينات أبي. كانت تشجعني للاستمرار، بل أنها تدخر لي بعض النقود لاقتناء قصة أو رواية او كتاب أحبه، كنت أهتم بقراءة الروايات أكثر من اهتمامي بكتب المدرسة)
وفي صفحة (69) وهي تصف استلامها نتيجة امتحان البكلوريا للصف السادس الاعدادي:
(ظهرت مديرة المدرسة وتحركت نحو وسط الساحة وبمعيتها المعاونة وهي تنادي اقتربوا هنا (ساد المكان صمت رهيب)
سنعلن لكم النتائج وفق تسلسل الحروف الابجدية، أسمي يبدأ بحرف الميم معنى ذلك أنني سوف انتظر آخر القائمة، وهذا ما يجعلني أكثر اضطراباً. هذه اللحظات لم أمرُّ بها من قبل حتى أثناء غياب (زيد) وقلقي عليه إنها معركتي الكبرى.
يا رب اجعلها انتصاراً كما أتمنى، وأقترب الدور لي مازال أسماء حروف الام قبلي يكاد قلبي يتوقف، لحظات وتنادي المعاونة: مريم يوسف، ناجحة، صرخت نعم قد انتصرت.
سعادتي لا توصف حينها، كنت أريدُ أن أرسل خبر نجاحي إلى (زيد) بأسرع وقت ليكون أو شخص يعرف ذلك.
واخترت الصفحة الأخيرة من هذا الفصل (جاءت جارتنا تفيض عينيها بالدموع.
… ما الخبر، ماذا بك؟ قالت أمي.
… أيهاب أستشهد، (قالت)
لطمت امي على وجهها لطمة وجلست على الكرسي تصيح
… لا إله الا الله، لا إله الا الله.
كنت واقفة بجانب الباب، أطبق الصمت عليّ، لم أكن أجيد تعبير الحزن، ولكني شعرتُ بغضب أكثر من الحزن الذي انتابني أيهاب جارنا رجل متزوج وله ولدان مازالا صغيرين، كان رجلاً دمث الأخلاق وهادئ الصوت وشهماً في المواقف مع الجميع، لكننا لم نسمع اطلاقات نارية في الزقاق (قالت أمي لجارتنا)
… لم يأت به بعد، سيتم تشيعه غداً. (قالت جارتنا)
كان ذلك تقليداً ثابتاً أثناء الحرب، عندما يحملون شهيد لأهله يحمله رفاقه وبعض من القطعات العسكرية، ويطلقون العيارات النارية بموكب مهيب لذلك الشهيد.
(سألت امي جارتنا): هل ستذهبين إليهم؟
… أكيد وجئت لأخذك معي، (قالت جارتنا)
دخلت أمي مسرعة إلى غرفتها واستبدلت ثياب البيت بملابس سوداء، وخرجت مع جارتنا ألى بيت أيهاب جارنا.الذي أكتظ بالجيران من رجال ونساء ليكونوا مع عائلته في الموقف العصيب.
في صبيحة اليوم التالي عند الساعة العاشرة صباحاً كنت أكوي تنورة جديدة أشتريتها قبل مدة ، وإذا بصوت اطلاقات نارية تقترب من اسماعي وكأنها تخترقها وكأنّ الجبهة تحولت هنا، عملتُ انّهم جاءوا بجثمان الشهيد أيهاب.
دخلت أختي سارة تلهث إلى الغرفة وأغلقت الباب.
(قلتُ لها بصوتٍ يشوبه الأسى والحزن)
هل جاءوا بجثمان أيهاب؟
قالت: لا، إنهُ شهيد آخر.
(نظرت إليها باستغراب)
… شهيد أخر.
… من!
(صمتت لحظة وقالت)
… زيد
أتذكر أخر صوت زار مسامعي صوتُ الرصاص الذي يحمل نعش زيد وصوت أختي سارة وهي تصرخ…
… مريم، مريم، مرييييييم
بعد أكثر من عام على استشهاد زيد انتهت الحرب.
فيما يأتي الفصل الثاني الموسوم (كيبورد) من صفحة (77- 295) والذي جاء بعد التغيير الذي حل بالعراق مع دخول الدبابة الامريكية والذي تزداد فيه تسارع الأحداث ومفاجأة التغيرات في مناحي الحياة المختلفة، ومنها بروز صراع الأفكار بين القديم والجديد، وتفرد صفحات عديدة تتابع وتناقش فيها العقلية الذكورية والتسلط والعسف الذي تمارسه السلطة الذكورية للرجل الشرقي عند بعض الأزواج في علاقتهم المتسلطة مع نصفهم الثاني، وهي ترصد العديد من الزيجات القريبة منها عن تجربة معاشه فعلاً عن قرب والتي كان مصيرها الفشل بسبب طريقة تعارفهم السريعة الجديدة والتي تمت عن بعد عن طريق الإنترنيت.
تصف بلغة أدبية فلسفية الصراع النفسي والقلق والحيرة والخوف الذي يرافقها بحياة الوحدة التي تعيشها وحيدة مع قطها المدلل مشمش. بعد وفاة والدتها وهجرة شقيقها(نبيل) وشقيقتها (سارة) مع عائلاتهم الى خارج الوطن.
ودور الحروب المتتالية في تدمير النفوس قبل دمار الأرض، وأسباب تسارع الهجرة ومغادرة الوطن..
وبلغة شفيفة كالقصائد النثرية تكتب مناجاة ورسائل حب وغرام وحوارات أدبية فلسفية مع الذات الرقيبة التي تلاصقها وترصد خلجات قلبها، وما يدور في تفكيرها. تبعثها كرسائل مشفرة تريد ايصالها للقارئ عبر روايتها والتي تدور حول عن التغيير الذي حصل بسلوك الناس (المجتمع) وتغير أنماط الحياة والعلاقات والتوجهات.
تصف في صفحة (97) كيف أصبح حال شورع العاصمة بغداد بعد سنوات من الاحتلال:
(أسفلت الشوارع كان مشوهاً بعد ذلك الاجتياح البربري للعاصمة بغداد (2003) بالدبابات الامريكية التي احتلت العراق ودمرت كل الشوارع والأبنية، وحتى بعد مرور سنين على ذلك الاحتلال، وما زالت الشوارع والحياة عبثية بشكل يثير الحزن على العاصمة بغداد، التي كانت داراً للسلام أصبحت عليها السلام.
تقول في صفحة (144):
(قررت أن يكون مقالي في صحيفة أرض الوطن، هذا الأسبوع عن (كوثر) وان أخفي أسمها، ولكني سأترك السوط بيدها لتجلد به، هذا المجتمع العاق.
كتبت العنوان … يا نساء الأرض.. احملوا شهاداتكم واستقلالكم المادي بيدكم اليسرى والسوط بيدكم اليمنى…
لأني كنت على يقين أن كل امرأة قوتها باستقلالها المادي وغير ذلك ستبقى رهينة بيد من يملكها أب أو أخ أو زوج.
بذات الليلة التي كتبت فيها مقالتها، يراودها للمرة الثانية ذات الحلم المفزع ص 145:
(لقد راودني الحلم ذاته وجدت نفسي أقفُ عارية أمام أحد مللوك الفراعنة ممسك بيده رقعة من جلد الغزال بشكل أسطواني قدمها لي دون أن ينبس ببنت شفة، وكأنه لا يبالي وقوفي عارية أمامه، وعندما أخذت الرقعة منه وأمستها بيدي وفجأة تحولت الرقعة إلى نار مشتعلة كادت ان تُحرق يدي ففزعتُ وحاولتُ التخلص منها، وعندما ألتفتُ إليه، وجدتُ ذلك الملك الفرعوني قد اختفى.
وتف العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة بين الناس واهل الحي قبل هذه المتغيرات المتسارعة فتقول عن التعزية التي صارت تقام ليوم واحد وللرجال في احد المساجد القريبة للحي ، أو يكتفون بالتعزية عبر الهاتف أنه عص التكنلوجيا التي غيرت العلاقات الاجتماعية بين الناس ففي صفحة (152) تقول : تذكرتُ حينها وفاة أبي، ومجلس عزاءه وأهل الحي الذين لم يبرحوا بيتنا لأكثر من شهر لم يتركوا أمي وحيدة ولم يدعوها تقف بالمطبخ، بل كانت سيدات الحي يطبخن الطعام ويرسلن القدور بيد أولادهن الى بيتنا، وبعضهن يقفن لإعداد الطعام للمعزين الذين يتوافدون علينا من كل مكان، لقد كانت عادات تتربع على رأس السمات الاجتماعية العريقة، حتى المشاعر كانت تتوحد بين أهل الحي بالفرح والحزن، آه لهذه المدينة التي كانت تعيش العراقة بكل تفاصيلها.
- قلت لكوثر وأنا أشعر بالحزن:
- هل كنّا مزيفين والتكنولوجيا أسقطت اقنعتنا، أم تغيرنا بمرور الزمن، ولم تعد المشاعر لها موقف بيننا.
وفي ص166 تقول: في صبيحة اليوم التالي، وجدتُ رسالة من رئيس تحرير صحيفة (أرض الوطن) يطلب مني أن أكتب مقالاً طويلاً عن هجرة العقول والعلماء من أوطانهم ليقيموا في المهجر، ثم يكتبون عن الحنين إلى الوطن، ولماذا يصبح الإنسان أكثر شغفاً على وطنه عندما يبتعد عنه، ثم لماذا يبدع البعض بعلمه وفكره أكثر مما كان يقدم من ابداع وهو في وطنه الحقيقي.
تحمستُ لتك المقالة، فقد كنتُ اريد ان أصبّ جام غضبي على الظروف والحكومات التي تهمل عقول مبدعيها، وما ان يهاجروا إلى أرض أخرى تنهال عليهم التهم بالجبن
وفي صفحة (190) وهي تروي محادثة جرت بينها وبين صديقتها الحميمة (حنان):
(حنان كانت تعرف تلك الحكاية، فقد فتحت كتاب أيامي لها يوماً، وقصصت لها، حكايتي مع زيد: قالت:
- زيدٌ لم يرحل من عقلك الباطن، ربما غفى على عتبة السنين الماضية، ولكنه لم يرحل عنها، أحياناً يا صديقتي نطوي حكايات كثيرة عن الماضي، وتغيبُ عنّا، ولكن فجأة نجدها حضرة امامنا وكأنها حدثت بالأمس القريب، الوجع يا مريم لا يموت، بل يستكين ويهدأ، واي كلمة تدور في فلكه تجعله يستيقظ من سكونه، ويعود أنينه من جديد، ما الذي جدّ لكي توقظي وجع زيد في داخلك.
وعن الرسائل المتبادلة بين بطلتنا مريم وحبيبها الخفي الجديد (أدهم) الذي دخل عليها عن طريق الانترنيت أيضاً الذي لا تعرف هل هو حقيقة أم وهم وخيال، صفحة (196):
-عزيزي أدهم-
إن شيئاً مرعباً كان يعيش بداخلي يتلاشى، حل محله شعور بالأمان رغم المسافة التي تفصلني عنك، إلا أنني كثيراً ما أشعر بوجودك بجانبي أحياناً تربت على كتفيّ وأحياناً تمسكُ بيديّ، دفئُ يديك يسري بين شراييني، فتحولني بلحظات إلى عالم أثيري أراك من خلاله. مريم
-غاليتي مريم-
الحب هدية مغلفة يبعث بها الله للإنسان، كل حسب لون قلبه، لان القلوب لها ألوان. أدهم
فتقول بذات الصفحة: