لماذا استهدف داعش الايزيديين ؟
زهير كاظم عبود
التطرف ليس السمة التي يتصف بها تنظيم داعش وحده دون غيره ٬ وما يفرضه العصر والقوانين الجديدة لا تعدو الا ذرا للرماد في العيون ٬تجاه ثقافة الحقد والكراهية التي تتلبس عقول البعض ٬ ومسايرة مع الأصوات الجديدة التي تنادي بحقوق الانسان وحرية العقيدة يمكن ان تستكين بعض التنظيمات المتطرفة فكريا ودينيا فتجعل جمرها تحت الرماد ٬ ولم تزل ثقافة التكفير والاقصاء تأخذ لها مساحة كبيرة في مجتمعنا ٬ وتلك الثقافة يرسخها ويغذيها العقل المتخلف والمتطرف المتبرقع بالدين ليتخذه وسيلة للعيش ومعابر للوصول الى الغايات التي غالبا ما يكتنفها التطرف والفهم الخاطئ لمفهوم الأديان ٬ ولعل النكبات والفواجع التي مرت على المجتمع الايزيدي يمكن ان توضح صورة هذا التطرف وهذه الكراهية الدفينة في قلوب المتطرفين وخصوصا من بعض المسلمين ٬ واذا اردنا ان نعرض صورا واضحة لتلك الفجائع والمجازر التي تعرض لها الايزيديون علينا ان نستعرض ما مر عليهم خلال فترة الحكم العثماني المتخلف والبغيض من مجازر واحداث تدمي القلب والضمير ضد الايزيدية بالذات تحديدا .
وبقي الايزيديون يتعايشون مع تلك المحن والفواجع بثبات وجودهم ضمن المناطق التي تحددوا فيها والمكان المقدس الذي قيدهم دينيا ٬ متحملين ليس فقط كل تلك المجازر والنوائب بل تعداها الى التهميش والاقصاء حتى من أبناء بلدهم واخوتهم في القومية والوطن ٬ وعلى مر تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها لم يكن هناك اعترافا بهم كديانة شرق أوسطية عريقة وغارقة بالقدم ٬ ولم يبحث عن تاريخهم وسيرتهم سوى الجانب السلبي الذي يسيء لهم ويحط من مكانتهم ٬ ويتم الافتراء عليهم حيث تتم مواجهة كل هذا التاريخ المليء بالدم والنكبات بالإصرار على السلام والدعوة الى المحبة والتعايش مع بقية الأديان بمحبة واحترام وتبجيل وتآخي ٬ ولم يذكر التاريخ الحديث والقديم قيام الايزيدي بالتعدي على جيرانه واهل الديانات الأخرى ٬ واستمرالايزيديون يتجاوزون محنتهم بغصة في الصدور وصبرا لا تتحمله الجبال ٬ مع استمرارهم باقتدار وايمان نابع من الروح بالتعلق بديانتهم واصرارهم على أداء طقوسهم البسيطة بعد كل ذلك .
واستبشر الايزيديون خيرا بالتغيير الحاصل بعد العام ٢٠٠٣ ٬ واعتبروا ماورد بديباجة الدستور العراقي ومجرد الإشارة اليهم فاتحة خير وبارقة امل لمستقبل يجعلهم يرتقون الى مصاف المواطنين من الدرجة الاولي مع اخوتهم المختلفين عنهم دينيا وقوميا ٬ وتعلقوا بهذا الامل اكثر بعد ان تم الإقرار باعتبار منطقة كوردستان العراق اقليما ضمن أقاليم الدولة الاتحادية ٬ بالرغم من ان مناطق عديدة من مناطقهم بقيت في المنتصف لاهم تابعين للحكومة الاتحادية ولاهم تابعين لإقليم كوردستان ٬ وتلك حالة اضرت بهم كثيرا وزادهم الضرر عدم تنفيذ موجبات المادة ( ١٤٠ ) من الدستور والخاصة بالمناطق المتنازع عليها او المختلف على ادارتها ٬ وبالرغم من فسحة الامل والحرية النسبية التي تمتعوا بها في ظل الحكم الجديد الا ان الخشية من الغدر والطعن بالظهر وعودة الفجائع بقيت في قلوب شيوخهم وعجائزهم .
وحين حل عام ٢٠١٤ فوجئوا الايزيدية بقطعان من الجراد البشري متسلحين بالكراهية وشهوة القتل وعشق الموت والدم ومدججين بأنواع الأسلحة تجتاح مدنهم وقراهم ٬ وترتكب بحقهم اكبر جريمة من جرائم الإبادة الجماعية تحت انظار المجتمع الدولي وعجز تام عن أداء القوات المسلحة الاتحادية والكردستانية عن أداء دورها المطلوب في الدفاع عن الأرض والعرض ٬ وبقي الايزيدي ذبيحا او سبيا مسترقا او هاربا في الجبال والقفار وتحت رحمة الطبيعة والصدف ٬ والسيطرة على مدنهم وقرآهم ومزارعهم كليا ٬ وبنتيجة هذا الغزو الهمجي الممنهج تم ذبح عشرات الالاف من الرجال والنساء نحرا بسبب ديانتهم ٬ واسترقاق الالاف منهم امام انظار العالم .
اختار داعش الايزيدية دون غيرهم ترجمة واقعية لحالة الكراهية والحقد المتجذرة في عقل المتطرف الإسلامي ٬ وهي حالة عامة لا يمثلها داعش لوحده ٬ غير ان اختيار الايزيدية مدخلا للاحتلال يأتي من زاوية تشتت المجتمع الايزيدي وضعف قيادته الدينية وحالة الهوان والضعف التي يعاني منها ٬ بالإضافة الي تخلخل المجتمع الايزيدي وتوزعه ضمن أحزاب كوردية متناحرة ومختلفة اعتبرتهم ورقة سياسية تتبارى فيما بينها بهم ٬ كما ان وجودهم ضمن المناطق المتنازع عليها اضعف من قابليتهم لمسك زمام المبادرة ٬ والعامل الأكثر انهم كانوا يعتمدون في عمليات الدفاع عنهم على قوات البيش مركة والقوات المسلحة الا ان الطرفين خذلوهم فباتوا ليس لهم الا بعض من شبابهم الفدائيين ممن شكلوا مجموعات مسلحة للدفاع عن مناطق وجود اهاليهم ٬ وللقتال ضد الوجود الداعشي ٬ وسجلوا بذلك مآثر بطولية ومواقف تدل على قدرتهم على الدفاع عن انفسهم وعن أهلهم في كل زمان ومكان ٬ وعدم الاعتماد على غيرهم في مثل هذه الظروف ٬ ولايمكن ان يتم صرف النظر عن العامل الدولي الذي وجدهم الأكثر ضعفا ومناطقهم مشتتة وهشة ليتم تسهيل دخول داعش بيسر وسهولة عليهم ٬ وان بالإمكان تحويلهم الى قرابين بشرية لإثبات قدرة التنظيمات الإرهابية على الوجود في تلك المنطقة وفقا لمصالح السياسة الدولية ٬ وأيضا انعكاس ما يضمره العقل الاجرامي المتطرف تجاه الايزيدي من كراهية وحقد ٬ فيتم تزويد الإرهابيين من حكومات وجهات معروفة بالأسلحة الفتاكة والظروف اللوجستية والوسائل التي تسهل عملياتهم وتنقلاتهم وايداعهم الأموال الهائلة في البنوك ٬ وبنفس الوقت يتم ارسال المعونات البائسة والبسيطة للايزيديين المهجرين والهائمين في المنطقة لإعانة المتبقين على البقاء على قيد الحياة ٬ وذلك دفعا لتلك المجاميع التي هربت بجلودها وتركت بيوتها ومنازلها وتاريخها للهجرة الى خارج العراق ٬ وإبقاء الايزيدي دوما تحت حالة الحذر المشوب بالخوف وتحت رحمة غادرين من الداخل ودول مجاورة لم تعد أهدافها مخفية .
لم يوغل الإرهابيين من تنظيم داعش بوحل الجريمة والانحطاط الخلقي والنفسي اكثر مما فعلوه في مناطق الايزيديين ٬ وتلك حالة ينبغي الالتفات اليها ٬ ونجحت ورقة تشتيت المجتمع الايزيدي فوق حالة التمزق والتشتت التي يعاني منها ٬ والتي زادتها الأحزاب الكوردية للأسف ٬ وازدادت حالات الهجرة وترك البلد من قبل الايزيدية طلبا للأمان والسلام التي يوفرها المهجر ولم يوفرها لهم الوطن ٬ وللهجرة الايزيدية جوانب غاية في الضرر والسلبية تنعكس على مجتمعهم وديانتهم التوحيدية .
جريدة الصباح ٩ أكتوبر ٢٠٢٣