الدين صيغة بهلوية مشتقة من كلمة (داينا) الميدية التي كانت تعني الخصائص الروحية وقوة الوجدان غير المادي التي شكلت إحدى جوانب النفس الباطنية للإنسان لكي يميز الخير عن الشر. أما المسيحيون الأوربيون فيشتقون هذا المصطلح من الكلمتين اللاتينيتين religio أي (تبجيل الآلهة) وreligare أي (يربط)، ويشيرون إلى أن الدين هو صلة الإنسان بالله، وهو بالنسبة لأنصار وجهة النظر هذه، عبارة عن جمع من الشرائع والحقائق الإيمانية التعليمية، والمشاهد الطقوسية وشعائر العبادة ومعايير السلوك التي يؤكدون أن الله نفسه قد فرضها، وهي التي تربط المؤمن به، والمسلمون يقرون أن هذه الشرائع والمعايير السلوكية هي التي تضمن للمؤمن خلاصة وإستمرار صلته مع الله.
وفي الأزمنة القديمة كان الدين في الواقع يستند على الأساطير المثيولوجية، وارتبطت المثيولوجيا في مراحل مبكرة من تطورها ارتباطاً عضوياً بالطقوس الدينية، فكان الطقس الديني مع الأسطورة يؤلفان في الثقافات القديمة وحدة معلومة، نظرية وظيفية، بنيوية، وهما يبدوان وكأنهما جانبان للثقافة البدائية، فأسطورة العبادة دائماً كانت مقدسة وهي كقاعدة احيطت بسر عميق، وهي نفسها سر لا يملكه سوى ذاك الذي نُذرَ للطقس المعني، كما تؤلف أساطير العبادة الجانب (الباطني) للمثيولوجيا الدينية وهي تنمو وتترعرع في تربة الإتحاد السرية، في تربة عبادة الآلهة القبلية التي يحتكرها الكهنة؛ ثم فيما بعد، في اطار العبادات المعبدية التي نظمتها الدولة على شكل مضاربات لاهوتية يمارسها الكهنة. فالدين قبل كل شيء جزء لا يتجزأ من ثقافة الإنسان الروحية، وله صلة بين الإنسان مع الله وله مستويين، عقيدي وعاطفي، يعطيانه معاً جرعة من الراحة النفسية وأملاً في الخلاص، فالدين هو شكل من اشكال الوعي الاجتماعي، وهو انعكاس لبنية ذهنية تفسر طاقات الإنسانية والقوى الطبيعية على الأرض بشكل من الأشكال بأوامر القوى السماوية الخارقة، وهو في نفس الوقت عبارة عن منظومة من التصورات المثيولوجية العقيدية المحكمة الإعداد التي تعطي الإنسان راحة نفسية وتبرر عالم العلاقات الاجتماعية المتنوعة.
أن من بين النقاط التي جلبت انتباه العالم الأثري الأمريكي رالف سوليكي الذي قام بالحفريات في كهف شانيدرا بكردستان الجنوبية هو قيام إنسان النياندرتال في هذا الكهف ببعض الطقوس الدينية الجنائزية أثناء دفنه لموتاه خلال العهد الموستيري الذي يتزامن مع الكهوف هزارميرد وتمتم وبيهستون بكردستان الجنوبية وموستي بفرنسا.
مع مطلع عصر التدوين وظهور السيادة الأبوية في مجتمعات المدن الزراعية ظهرت اساطير تدعم سلطة الرجل على حساب الأساطير الأمومية، وبناءً على هذا الواقع تربع الإله كوماربي على عرش المجتمع الإلهي الخوري في كُردستان كما كان الإله إنليل يتربع على عرش المجتمع الإلهي في عقيدة السومريين الذين قسموا تأريخهم السياسي بأمر منه ومن أعضاء مجتمعه الإلهي إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل الطوفان ومرحلة ما بعد انحسار المياه من على وجه الأرض. وقد اقتنعت الأقوام السامية وغير السامية من بعدهم بكون البشرية قد غرقت بحكم الآلهة واستمرت من بعد ذلك من صلب أولئك الذين نجوا مع أوتونابشتم (نوح الساميين الذي يعني “الراحة”)، ثم أنزلت الملكية من السماء على مدينة كيش حسبما تورد هذه القصة في ملحمة كلكامش التي تُعتبر أقدم مرجع حول فناء البشرية وخلقها مرة أخرى بالصورة التي لا تزال نقرأها في التوراة والقرآن. وحوت هذه الملحمة على عنصرين أساسيين في وعي السومريين، هما هبوط اللألهة الأم إلى العالم السفلي ثم غرق دنياهم بمياه الطوفان.
ومن المعروف أن علية القوم في كل مجتمع قديم جعلوا من انفسهم وسطاء بين الآلهة وأفراد مجتمعهم، وذلك بإرجاع مبررات الظواهر الطبيعية إلى قوة واعية تحتاج إلى التقديس والتجسيد في تماثيل حجرية، ولكن كل ذلك لم يمنع القائمين بإدارة المعابد في العالم من إعادة النظر في العلاقات البالية للمجتمع وحاولوا إقامتها على أسس جديدة، دخل قسم كبير منها ضمن المواد القانونية التي سنتها الأنظمة السياسية التي استندت في الأساس على الانتماء الروحي للأمة. وحفظت لنا السجلات التأريخية التي تعود إلى الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، اسماء عدد من الآلهة التي عبدها سكان كردستان القدماء وهي كانت على التوالي: الإله نينني، الإله موس، الإله أودو، إله الشمس سوريا (آسورا)، الإله تيشوب، حيبات بنت الإله أللاتوم، شاووشكا، الإله كوماربي، الإله نوباتيك، الإلهان شيميكا وكوشوخ، الإله نيگال، الإله أشتابي.
المصدر: جمال رشيد أحمد(د)، ظهور الكورد في التاريخ، ج2، ً341/366.