تحالفات الحزب الشيوعي العراقي في كردستان العراق (جوقد وجود) الحلقة الأولى
نبيل عبد الأمير الربيعي
بانسحاب العناصر اليسارية من الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)، وهم الذين يشكلون القيادة المؤقتة لهذا الحزب، أعادوا تنظيم أنفسهم وأسسوا حزب الشعب الديمقراطي الكُردستاني في عام 1981م. وكانت المسألة التي ركز عليها برنامج الحزب هي قيادة الجماهير عبرَ النضال من أجل التحرر القومي إلى النضال من أجل تغيير أساسي في نظام العلاقات الاجتماعية. أي دمج النضال القومي بالنضال الطبقي عن طريق قيادة النضال القويم من قبل ممثلي الطبقات الكادحة والمثقفين المنحازين إليها، وحل تناقضات الثورة لصالح هؤلاء جميعاً. لقد تأسس هذا الحزب بقيادة سامي عبد الرحمن الأمين العام للحزب الديمقراطي الكُردي (سابقاً)، وبعد تأسيسه بدأ يلعب دوراً كبيراً في الحركة الوطنية الكُردية، خاصة في ظروف الحرب العراقية الإيرانية(1).
وبدأ الحوار بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي لإقامة جبهة وطنية عراقية، حيث أمتد الحوار قرابة العامين، وأسفر ذلك الحوار عن قيام الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية (جوقد) في 12/11/1980. إلا أنهُ لم يمر أكثر من اسبوعين حتى اشترك الحزب الشيوعي العراقي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الاشتراكي الكُردستاني في إقامة جبهة ثانية هي (الجبهة الوطنية الديمقراطية) (جود) والإعلان عنها، وقد حاولت أطراف الجبهة الوطنية الديمقراطية عرقلة قيام الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية، وهي الجبهة الموسعة، ومارست شتى الضغوط على الاتحاد الوطني الكُردستاني للانضمام إلى الجبهة الوطنية الديمقراطية، وقد رفض الاتحاد الوطني الكردستاني هذه الفكرة التي كانت تهدف إلى إسقاط نظام الحكم في بغداد، والحصول على الحكم الذاتي لكردستان. لأن الاتحاد الوطني الكُردستاني كان يرى أن إقامة حكم ائتلاف وطني بعد إسقاط نظام الحكم يمكن أن يحقق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكُردستان، وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال جبهة وطنية عريضة تمثل المجتمع العراقي قومياً وطبقياً مع التأكيد على ضرورة التنسيق مع التيار الديني الوطني. فالجبهة الوطنية الديمقراطية غير قادرة على أداء هذه المهمة، وإنما يقتصر دورها فيما إذا ناضلت جميع أطرافها داخل العراق على استنزاف السلطة وليس لإسقاطها. فنظام الحكم في العراق كما اعتقد الاتحاد الوطني الكُردستاني لا يسقط من كُردستان، وإنما يسقط من بغداد، وجبهة (جود) أو أي جبهة مماثلة غير قادرة على الوصول إلى بغداد والتحرك فيها بحكم طبيعتها، وهكذا أسهموا في إحباط هذه المبادرة(2).
لقد طلبت الجبهة الوطنية القومية من الحزب الشيوعي العراقي أن يحسم موقفه بالنسبة لأزدواجية الانتماء لجبهتين في آن واحد، وكان رد الحزب أن هذا التحالف ليس إلا ميثاقاً لتعاون ثلاثي بينه وبين الحزب الديمقراطي الكُردستاني، وأن ألتباساً قد حصل في التعبير، وطلب أطراف (جوقد) إمهال الحزب الشيوعي شهراً لإنهاء هذه الملابسة. ومضى الشهر والشهران فإذا بالحزب الشيوعي مصرّ على أن ذلك التحالف جبهة، وتراجع عن الوعد الذي قدمه (الرفيقان) عبد الرزاق الصافي وكريم أحمد عضوا المكتب السياسي. الأمر الذي خلق ردود فعل متعددة لدى أطراف (جوقد)، ومع ذلك فقد بذل الاتحاد الوطني جهوداً كبيرة لتطوير العلاقات الثنائية مع الحزب الشيوعي العراقي، ولوضع هذه العلاقة في خدمة الحركة الوطنية العراقية، إلا أن بعض منظمات الحزب الشيوعي بدأت بتوزيع نشرات داخلية خاصة بها. وفي اللقاء الذي تم بين وفدي المكتب السياسي للاتحاد الوطني والحزب الشيوعي، وبحضور جلال الطالباني الأمين العام للاتحاد الوطني الكُردستاني، وعزيز محمد السكرتير الأول للحزب الشيوعي العراقي اعتذر أن البعض قد سعوا إلى إيهام مسؤولي الحزب الاشتراكي الكُردستاني وإثارتهم ضد الاتحاد الوطني الكُردستاني وشجعوهم وأغروهم على التصدي لقوات الاتحاد بتعزيزهم بمائة مقاتل نقلوهم على جناح السرعة إلى المنطقة الملتهبة القابلة للإشتعال. كما تؤكد الوثيقة الموقعة من قبل بعض المسؤولين عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكُردستاني. والغرض الحقيقي الكامن وراء هذه الحملة العسكرية والإعلامية هو في نظر الناطق الرسمي للاتحاد الوطني الكُردستاني أن المحور الانشقاقي في (جود) قد سبب الانشقاق في الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية العراقية. مما عرقل نضالاتها، ومنعها من التحول إلى جبهة وطنية شاملة تضم القوى الوطنية كافة بسبب الإصرار على رفض شعار إسقاط حكم (صدام) وبمحاولة مستميتة لتخفيف لهجة ومضمون برنامج الجبهة وتليين موقفها تجاه هذا الحكم، وأعرب الناطق الرسمي عن خشية الاتحاد الوطني الكُردستاني بأن يكون الغرض الحقيقي هو عرقلة الجبهة الوطنية الشاملة وإفشال التحالف الوطني. خاصة وأن التجربة المريرة كانت إعلان الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية أنها ضد أي جبهة أخرى رفيقة لها مع حذف بعض الأهداف التي لم يجرِ الاتفاق عليها إلا تحت ضغوط الظروف(3).
لم يقف دور (جود) عند هذا الحد وإنما بدأت بتصعيد التوتر، ففي أوائل سبتمبر/ أيلول سنة 1981 وفي منطقة بالك أقدم الشيوعيون على عمل مباغت عندما أتفق بعض مسؤولي الحزب الشيوعي العراقي في تلك المنطقة مع عثمان بك المسؤول العسكري للاتحاد الوطني الكردستاني على اللقاء. فتوجه عثمان مع مفرزته إلى القرية المتفق عليها في الموعد المحدد، ولكن لا للحوار كما كان متفقاً عليه، وإنما ليقع في كمين أعدهُ بعض أنصار الحزب الشيوعي العراقي داخل القرية ليسقط عثمان والكادر السياسي حمه ولا، وخمسة آخرون قتلى في هذه العملية، وعلى مرأى من سكان القرية الذين استفزهم (الحادث). وقد تدخل الاتحاد الوطني وسيطر على الموقف حتى لا يهاجم سكان القرية مقرات الحزب الشيوعي، وذلك حرصاً من الاتحاد على وحدة الصف الوطني، وفي يوم 18 آذار/ مارس سنة 1982 قام الحزب الاشتراكي الكُردستاني بعمليات عسكرية ضد الاتحاد الوطني. كما استغل الحزب الديمقراطي الكُردستاني حادثاً مؤسفاً ليواصل أعماله ضد الاتحاد الوطني أيضاً. وفي يوم 16 نيسان/ ابريل تم لقاء بين قيادة المركز الرابع للاتحاد الوطني (محافظة أربيل) وقادة الحزب الشيوعي العراقي في المنطقة، وأسفر اللقاء عن اتفاقية يتعهد الحزب الشيوعي فيها أن يكون موقفه حيادياً من المشاكل الموجودة في المنطقة. ولكن رغم ذلك تحركت مجموعات الحزب الشيوعي من محافظة أربيل مشجعة مسلحي الحزب الديمقراطي الكُردستاني والحزب الاشتراكي الكُردستاني باتجاه تصعيد الأحداث، وكان أن قامت قوة مشتركة من الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكُردستاني والحزب الاشتراكي الكُردستاني بتاريخ 27 نيسان/ ابريل بشن هجوم واسع على مقر المركز العام للاتحاد الوطني الكُردستاني حيث استؤنفت مرة أخرى(4).
المصادر:
1- حامد محمود عيسى(د)، القضية الكردية في العراق من الاحتلال البريطاني إلى الغزو الأمريكي، ص187.
2- من وثائق الاتحاد الوطني، 11/5/1983؛ د. حامد محمود عيسى، القضية الكردية في العراق من الاحتلال البريطاني إلى الغزو الأمريكي، ص187/ 188؛
3- بيان الاتحاد الوطني الكردستاني يوم 21/2/ 1983؛ د. حامد محمود عيسى، القضية الكردية في العراق من الاحتلال البريطاني إلى الغزو الأمريكي، ص188/189.
4- مذكرة من الاتحاد الوطني الكردستاني يوم 11/5/ 1983؛ د. حامد محمود عيسى، القضية الكردية في العراق من الاحتلال البريطاني إلى الغزو الأمريكي، ص189/190.