ردا على تعقيب قيس السعدي: ليس حقداً ولا حسداً بل منهج علمي في مواجهة “سوالف مقهى”!
بيدر ميديا.."
ردا على تعقيب قيس السعدي: ليس حقداً ولا حسداً بل منهج علمي في مواجهة “سوالف مقهى”!
علاء اللامي*
كنت قد نشرت بعض مسودات المعجم الذي أعمل عليه منذ فترة في سلسلة من المقالات على مواقع الصحف التي أنشر فيها تجاوز عددها عشر مقالات، وقد رد السيد قيس مغشغش السعدي على ما كتبت بمقالة نشرها على واحد من تلك المواقع ركز فيها على الآتي:
1-حكمَ السيد السعدي بأنني كتبت ما كتب دون أن أقرأ مقدمة معجمه وكأنه كان يجلس بجانبي حين كتبتُ ما كتبت، حيث قال: ” كنت أتمنى لو أنه قرأ تقديم الكتاب وغالبا ما لا تقرأ المقدمات مع أنها في مثل هذه الأعمال مهمة لأنها توضح الأبعاد والطريقة المعتمدة وحدود الكتاب”. وأعتقد أن الرجل تعجل الحكم، فمقدمة معجمي هذا توضح انه على خطأ، وأنني فككت المقدمة التي كتبها هو تفكيكا نقديا مفصلا رغم صعوبة ذلك بسبب ركاكة لغته العربية التي كتب بها، والتي تقارب أحيانا لغة المقهى الشعبية العامية. وقد ضربت عليها العديد من الأمثلة وتركتها كما هي بأخطائها اللغوية والأسلوبية الفادحة. وقد امتدت محاولتي النقدية في مقدمة المعجم الذي أوشك على الانتهاء منه على أكثر من مائة وعشرين صفحة تقريبا، نشرت بعض مسوداتها في المقالات الأولى من سلسلة المقالات المذكورة.
2-يتهمني السيد السعدي بأنني كتبت ما كتبت مدفوعا بالحقد والحسد فيكتب: “القراءة الصحيحة حين تكون بعيون ناقدة، أما إن كانت بعيون حاسدة أو حاقدة، فستؤثر على الرؤية بكل تأكيد)، ثم يضرب مثالا على ما كتبت بالتخريج الذي أكدته لكلمة “مسودن”، فيقول (وبعض المساعي لحرف ما هو قيم في التخريج نراه يقع ضمن ذلك ومنه أن المفردة العامية (امسودن) لا يمكن أن تكون مثلما عرض اللامي، بل هي قطعا من فعل (شدن) المندائي والذي يرد بالمعنى نفسه (جن) ومنه (امشُدن) بمعنى (امسودن)، حتى أن المرحوم جلال الحنفي توقف عندها ولم يبت بل قال: (أحسبها) من الإصابة بالسويداء”. ولن أرد على هذا الاتهام ففي النزول إلى هذا المستوى من التفكير المهموم بالحسد والحقد إساءة لعقلي وعقل القارئ! ولكني سأكتفي بأن أعيد ما كتبته بخصوص كلمة “مسودن للتذكير بالفرق بين التخريج العلمي الرصين و”سوالف المقاهي” الساذجة: “ إمسوُدَن = (شدن) يُجن في المندائية. ويعترض المؤلف على تخريج للشيخ جلال الحنفي الذي قال فيه أن كلمة مسودن أي مجنون ربما جاءت من الإصابة بالسوداء ويصفه بأنه تخريج بعيد! والحقيقة أن السوداء لا تعني هنا عكس البيضاء، بل تعني في اللغة العربية “مرض نفساني يؤدي إلى فساد الفكر في حزن هي متلازمة اكتئابية محددة تتمثل بحالة مزاجية سوداوية ودرجة من الحزن العميق والأسى وفقدان الأمل أي المنخوليا الاكتئابية” والكلمة في العامية أقرب إلى السودة أو السوداء بهذا المعنى منها إلى “شدن/ إمشدَّن “المندائية” كما يقول المنطق والتحليل اللغوي مع أن الكلمة قد تكون مشتركة بين الجزيريات “الساميات” مع إبدال السين العربية إلى شين، أو العكس”. ويلاحظ القارئ هنا إننا أشرت إشارة خاطفة لتخريج الحنفي ولم أتوقف عنده بل توسعت في التخريج المقارب لما قاله وأتيت بمعلومات من مصادر أخرى ثم أن الحنفي وغيره لا يمثل الحقيقة المطلقة، وليس مقدسا ومعصوما في مجال البحث وقد خطأته وخطأتُ غيره في عدة تخاريج.
3-يعلق السعدي على بعض التخاريج التي رددت بها على تخاريجه لكلمات مثل “جلاق” و “ذاب جرش” بالقول: “ودليلنا في أن هذه المفردات ليست عربية هو عدم استخدامها في غير العراق”. وهذا تفسير سطحي سبق وأن رددنا عليه وقلنا؛ إذا كان المقياس هو عدم وجود كلمة عراقية ما في لهجات عربية غير عراقية فيمكن القول بأن عشرات الآلاف من الكلمات العراقية موجودة في اللهجات العربية، وهذه الكلمات غير الموجودة تمثل الاستثناءات القليلة، وهذا الواقع يؤكد عروبة اللهجة العراقية أصلا ومسارا تأريخيا. وثانيا، فإن لم ننكر وجود الرواسب اللغوية من اللغات الرافدانية العراقية القديمة وهذه بطبيعتها غير موجودة غالباً في اللهجات العربية خارج العراق، ربما مع بعض الاستثناءات الآرامية والكنعانية ذات الأصل الأكدي. وبخصوص كلمة “ذاب جرش” فاعتراضنا كان على جهل السعدي بمعناها الحقيقي كمصطلح خاص من البيئة العشائرية العربية العراقية، فهي لا تعني التجذر في العشيرة كما قلنا بل تعني عكسها تماما أي، لجوء شخص يهرب من عشيرته لسبب ما ويلتجئ إلى عشيرة أخرى ويعيش في حمايتها على سبيل “الدخالة”. ووعموما فالجهل بالشيء ليس حجة كما يقال، وكان حريا السعدي أن يشكر من كشف له جهله بهذه المعلومة وبيَّنَ له معناها الصحيح.
4- يخصص السعدي نصف مقالته تقريبا لتبرير أخطائه الفادحة وفقر بضاعته اللغوية غير العلمية، فيقتبس العديد من الفقرات من مقدمة معجمه لتأكيد أنه كان يقترح تلك التخاريج ولا يجزم ببعضها، وإنه سبق: “على أنني أستميح القارئ الكريم عن أي خطأ أو ربما تخريج غير دقيق. فربما اجتهدت في مرجعية بعض الألفاظ بحكم عدم معرفة أساس ومرجعية لذلك اللفظ فذهبت الى الأقرب. فإن تبين لهم غير ذلك، فإن من مهام الباحث التحفيز في البحث الذي ربما لا يتم البت في بعض جوانبه ولا يتفق فيها على مرجع. وحيث أن من يؤلف يرتجي الشكر والثناء على الجهد الذي قام به، فإن حسب من يـُقدم على الأعمال القاموسية والمرجعية أن ينجو من الخطأ ويتجنب النقد ويقبل بالرضا، وهذا حسبنا”. والواقع فإن هذه اللهجة الاعتذارية تكون مقبولة من شخص يتحمل مسؤولية أخطائه ويعترف بها بشجاعة لا أن يصر عليها ويتهم من يكشفها له ويوثقها بدقة بأنه حاقد حاسد! ثم إن الأمر لا يتعلق بمجموعة صغيرة من التخريجات الخاطئة بل إن أكثر من تسعين بالمائة من تلك التخريجات خاطئة وإن المنهجية التي اختطها المؤلف كانت عشوائية ولا حظ لها من العلمية وقد دللنا على ذلك تفصيلا! ولا أدري على ماذا أحسد السيد السعدي يا حسرة وقد عانيت الأمرين من قراءة وتفكيك أخطائه التي لا تليق بباحث رصين والتي قاربت السخرية من عقل القارئ بافتعالها وشعرت بالخجل من قلة أمانتها وانعدام نزاهتها البحثية؟!
إنني أوشك هذه الأيام على إتمام تأليف معجمي الجوابي رداً على معجم السيد السعدي، وقد بلغ عدد فقراته تسعمائة وست عشرة فقرة، تحتوي على مئات التخاريج الموثقة توثيقاً علمياً وتأليفياً دقيقاً، وسيصدر المعجم الذي يحمل اسم “معجم اللهجة العراقية: الجذور العربية الفصحى والرواسب الرافدانية” خلال الأشهر القادمة بحر العام الجاري أو بداية العام القادم، وسأترك الحكم على ما ورد فيه للمتخصصين المعجميين واللغويين وعامة القراء العراقيين والعرب والناطقين بالعربية، وآمل أن يحظى باهتمام السيد السعدي فيخصص له مقالة أخرى أكثر شمولا وهدوءاً.
*رابط مقالة السيد السعدي: المفردات العراقية بين العربية والمندائية
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=800967