في مسعى واضح لشيطنة فعل المقاومة الفلسطينية، روجت آلة الإعلام الإسرائيلي صورة مزيفة مفادها، أن لعملة الإرهاب وجهين أولهما داعش وثانيهما حماس، إذ أن التنظيمين ينطلقان من أيديولوجيا تكفيرية إرهابية تسوغ لحاملي هذا المعتقد الهمجي القيام بالأفعال الوحشية بحق ضحاياهما. قد نتفق أو نختلف مع التوجه السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، القائم على رؤية الإسلام السياسي للحياة والدولة والمجتمع، لكننا ودون أدنى شك نعلم أنها تعتبر في نظر قطاع واسع من الجمهور العربي جزءاً لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني، بينما في الجانب الآخر ندين تنظيم الدولة «داعش» ونعتبره إرهابيا، كما هو حاصل لدى العديد من القطاعات والمؤسسات الحكومية والشعبية في العالمين العربي والإسلامي.
من التصريحات المبكرة للقيادة الإسرائيلية في هذا الخصوص ما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 11 أكتوبر الجاري في تصريح إعلامي عندما قال بانفعال: «حماس هي داعش، وسنهزمها كما هزم العالم المتنور داعش». تنظيم داعش، للأسف الشديد، لم يُستأصل تماماً، ويجب التذكير بأن العالم المتنور لم يسارع إلى العمل ضد داعش ما دام هذا التنظيم يركز على احتلال مناطق في سوريا والعراق، ولا يضع دول الغرب على قائمة أهدافه.
حاول الإسرائيليون دس بعض السيناريوهات على ما حصل في عملية «طوفان الأقصى» يوم 7 اكتوبر للترويج لثنائية (داعش/حماس) إذ نشر الموقع الرسمي لجيش الدفاع الإسرائيلي صورة تظهر شخصا يمسك بعلم داعش، وكتب تحت الصورة تعليق يقول:» علم داعش تُرك في كيبوتس صوفا بعد أن نفذ إرهابيو حماس المتسللون مذبحة هذا الشهر». كما أطلقت قنوات إعلام إسرائيلية ومنصات تواصل اجتماعي متعاونة مع الإسرائيليين رواية قيام مقاتلين فلسطينيين بقطع رؤوس أطفال في مستوطنات غلاف غزة، ويبدو أن مصطلح «قتل الأطفال» لم يعد عملا إرهابيا يثير التقزز والكراهية بما يكفي، فتم تحويره إلى «قطع رؤوس الأطفال» الذي يبدو في منتهى الوحشية في نظر المراقب الغربي. وقام الإعلام الرسمي الإسرائيلي بالترويج لهذا السيناريو البشع، حتى انساق قادة وساسة غربيون لعملية الترويج لهذه الرواية الكاذبة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، وحتى بعد أن تم تكذيب هذه الرواية، من محطات وشبكات إعلامية غربية كبيرة ومهمة، إلا أن اجتثاث الصورة الهمجية لحماس من المخيال الغربي بات أمرا صعبا. وفي هذا السياق كتبت هديل عويس وهي صحافية أمريكية من أصل سوري تقيم في العاصمة واشنطن مقالا مطولا تحت عنوان (حماس مثل داعش تماما، لذا يجب على العالم أن يعمل على تدميرها) قدمت فيه وجهة النظر اليمينية الإسرائيلية بكل حذافيرها، وقد عززتها بشواهد (عاشتها) باعتبارها مسيحية سورية تعرضت هي وعائلتها لوحشية تنظيم «داعش» في الحسكة شرق سوريا قبل عشر سنوات. تقول عويس في عملية تسويق الرواية الصهيونية: «مما رأيته وسمعته، سواء في سوريا عام 2013 أو في إسرائيل عام 2023، أستطيع أن أقول بالتأكيد إن حماس، الوجه الآخر لعملة داعش، إذ فتحت جرحا عميقا آخر في سجلات الفظائع الجهادية الإسلامية. إن هجوم حماس الذي لا يرحم لم يترك حجرا دون أن يقلبه. لقد اصطادوا كل روح يهودية صادفوها، بدءا من الشابات والرجال الذين كانوا يحضرون حفلا موسيقيا، وحتى الأطفال الصغار الذين ينامون في مهودهم. وفي العقيدة الخسيسة التي تربط هذه المنظمات الإرهابية، يصبح قتل (الكافر) – أي غير المؤمن بالإسلام – انتصاراً عسكرياً وواجباً دينياً».

إسرائيل ليست ضحية، كما تصور نفسها أمام الرأي العالم العالمي، والفلسطينيون ليسوا إرهابيين، بل هم الضحية لأنهم أصحاب الأرض الذين تم تشريدهم واحتلال مدنهم

لكن أبرز رد على تسويق إسرائيل مفهوم ثنائية الإرهاب (حماس/داعش) جاء في مقال لتسفي بارئيل، معلق الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس» يوم الجمعة 13 أكتوبر، إذ شكك الكاتب في مصداقية زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القائل، إن العالم يتعاطف مع إسرائيل في حربها ضد حماس، كما تعاطف في الحرب على داعش، وأشار بارئيل إلى أن تشبيه حماس بـ»داعش» يتجاهل «الفرق العميق» بين طابع المواجهة التي شنت ضد التنظيمين. كما أشار تسفي بارئيل إلى أن نتنياهو عمل على إفشال جهود المصالحة بين حركتي حماس وفتح، على اعتبار أن وجود كيانَي حكم ذاتي منفصلين في الضفة والقطاع يخدم مصالح إسرائيل. وأوضح أن نتنياهو وظف الانقسام الفلسطيني في تسويغ رفض انخراط إسرائيل في جهود التسوية الهادفة إلى حل الصراع، حيث كان يرد على الدعوات الغربية للعودة إلى التفاوض مع السلطة الفلسطينية، باشتراط أن يلتزم رئيسها محمود عباس بمحاربة حماس.
ويروج عدد من القائلين بثنائية (داعش/حماس) لطروحات مفادها أن قوات التحالف الدولي التي حاربت تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وقدمت الإسناد الجوي للعمليات العسكرية التي نفذتها القوات العراقية التي قامت بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة في المدن التي احتلها التنظيم الإرهابي في العراق للتخلص من سيطرة تنظيم داعش، الذي اتخذ من السكان المدنيين دروعا بشرية، وقد سقطت أعداد من المدنيين ضحايا العمليات العسكرية، وهو أمر لا مفر منه. لكن تسفي بارئيل فند هذا التشبيه، إذ لم تكن هناك إمكانية حل سياسي مع تنظيم داعش الإرهابي، بينما الحل الوحيد المتاح للتحدي الذي تمثله غزة هو حل سياسي على أساس أن الضفة الغربية وقطاع غزة كيان سياسي واحد، لكنه يستدرك بقوله إنه لا يوجد في إسرائيل طرف مستعد لمثل هذا الخيار. وتوصل بارئيل في نهاية مقاله إلى أن «مفهوم» الأرض المحروقة الذي تتبناه حكومة نتنياهو اليمينية الآن لن يمّكن أي قيادة فلسطينية محلية بديلة من ملء الفراغ والقبول بالحكم على وقع حراب إسرائيل.
النتيجة وبمقارنة بسيطة بين حركة المقاومة الإسلامية من جهة، وداعش وإسرائيل من جهة أخرى ستظهر لنا أن إسرائيل ليست ضحية، كما تحب أن تصور نفسها أمام الرأي العالم العالمي، وإن الفلسطينيين ليسوا إرهابيين، بل هم الضحية لأنهم أصحاب الأرض الذين مورس عليهم الإرهاب الصهيوني عبر تشريدهم واحتلال مدنهم. وكل ذلك تم تسويقه على خلفية سردية تاريخية يحيطها الشك من كل أطرافها مفادها قيام «دولة الرب» التي سيتجمع فيها شعب الله المختار في الأرض التي منحها لهم الرب. إذن نحن إزاء سردية نكوصية قائمة على أوهام تاريخية متطابقة مع ما قام به تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) عبر تجميع مقاتلين من مختلف أصقاع الأرض، يتبنون فكرا عنصريا قائما على إقصاء الآخر واجتثاثه، والدعوة لقيام دولة الرب التي سماها الداعشيون «دولة الخلافة» التي ستقوم وتتمدد ولا تقف عند حد كما هو حال دولة إسرائيل التاريخية المزعومة التي لا يُعرف لها حدود، والمطالبة بشرعية قتل وإبادة كل من يقف بوجه هذه السردية حتى إن تم ذلك عبر ارتكاب العديد من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، كما يحصل اليوم في قطاع غزة، وكما حصل طوال سبعة عقود في فلسطين، إذن النتيجة المضحكة المبكية هي أن إسرائيل هي الوجه الثاني لعملة داعش الإرهابية وليست فصائل المقاومة الفلسطينية.