ما الذي قدمه مؤتمر القاهرة للسلام لأهل غزة؟
عُقد في القاهرة الأسبوع الماضي مؤتمر للسلام، وكان تظاهرة سياسية جمعت أكثر من ثلاثين دولة ومنظمة. كما كان فرصة لأن يستعرض المشاركون فيها مواقفهم من الجريمة المستمرة في غزة. فهل من انعكاسات لهذه القمة على الوضع القائم في غزة؟ وهل ما تحدث به الزعماء من طموحات لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية لدخول المساعدات قابلة للتحقيق؟ بل السؤال الأكثر أهمية هو، هل مجرد تسليط الضوء على قضية أهلنا في غزة مهم في حد ذاته اليوم؟
لقد حددت مصر أهدافها من هذه القمة بصياغة خريطة طريق، والخروج بموقف موحد من القضايا المطروحة. وقيل إن القمة أتت في إطار الجهد العربي الذي تقوده الدول العربية المؤثرة، من أجل احتواء الأزمة، ومنع انفجار الموقف وتوسعه. لكن لا يمكن القول بأن الحدث كان شيئا جوهريا في هذا الصراع الدائر اليوم، فالتباينات كانت كثيرة في المواقف السياسية، كما أن أهداف الأطراف في هذا الصراع مختلفة ومتغيرة وليست كما كانت من قبل.
القمة عُقدت وأنفضّت، دون أية نتائج تُذكر.. ولا أية خطوات عملية للضغط على إسرائيل، لأن مفتاح الحل بيد أمريكا، ولا توجد جرأة لأي من المشاركين في إغضابها
تبنّت الدول الأوروبية خطابا يدين حركة حماس، وجاهرت بفكرة أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.. كيف وبأية وسائل؟ هذا لا يهم الأوروبيين، المهم أنهم حسموا أمرهم مع الباطل وضد الحق، غير آبهين بالمنظومة القيمية التي ينادون بها، حتى أنها سقطت بكل ما تعنيه هذه الكلمة، بعد التضامن الواسع والعلني مع إسرائيل. وهنا فقد الاوروبيون مصداقيتهم وظهروا كتابع ذليل للولايات المتحدة، لا شخصية لهم ولا حضور مستقل ولا موقف خاص، لقد انقادوا جميعا خلف جو بايدن، وبات من المستحيل على أي زعيم أوروبي بعد اليوم، أن يُحاضر علينا بقيم حقوق الإنسان والشفافية والعدالة والحق في تقرير المصير. وإذا كانت الخارجية الأوروبية قد قالت بأنه يجب أن نتعامل مع الوضع القائم في الشرق الأوسط على أساس أخلاقي، وأن لا نضع الاتحاد الأوروبي في حالة فقدان المصداقية، فإن الاتحاد الأوروبي منحاز بشكل سافر إلى إسرائيل، وبالتالي فقد مصداقيته على أساس أنه وسيط نزيه في ما يتعلق بحل الدولتين، وبذلك هم وضعوا أنفسهم وبأيديهم أمام المرآة الدولية، وفي مكان كان من المفترض أن لا يكونوا فيه. وعندما نعرف أن هنالك وثائق سرية مسربة من الاتحاد الأوروبي في اتجاه المفوضية الأوروبية، تؤكد أنه يجب التعامل مع الشرق الأوسط بحيادية، وأن لا يخدّش حالة المصداقية، نعرف جيدا بأن موقفهم المخزي مع إسرائيل كانوا منقادين فيه بفعل الضغط الأمريكي، لذلك حتى الان لم يستطع الأوروبيون أن يطالبوا حتى بهدنة إنسانية بسبب الخلافات في المواقف التي تعصف بهم. هل التظاهرات المؤيدة للحق الفلسطيني التي تشهدها عواصمهم يمكن أن تؤثر على سياساتهم؟ ربما، خاصة أن المحاكم العليا في بعض الدول الأوروبية، نقضت قرارات الحكومات، التي رفضت في وقت سابق السماح للمواطنين بالتظاهر من أجل فلسطين. أما بالنسبة لروسيا فقد كان لافتا تمثيلها الضعيف في هذه القمة، فروسيا لاعب تاريخي في هذا الصراع ولديها محددات للسلوك، وهذا هو السلوك الروسي في جميع الحروب العربية الإسرائيلية، وهذا الدور يبدو مع العرب ومواقفهم، لكنه بالتأكيد لا يمكن أن يخرج عن سياقه العام، فروسيا دولة كبرى وتلعب في الساحة الدولية كقوة كبرى، بالتالي هي تعرف هذه الحدود التي يمكن أن تساهم فيها في هذه المرحلة، وفي هذا النوع من القمم. لكن يبدو أن روسيا فهمت بأن هذه القمة جاءت لتثبيت المواقف المشتركة، وليس لخلق حلول أو اتخاذ مواقف جديدة. كذلك كان التمثيل الأمريكي هو الأضعف في هذه القمة، والسبب في ذلك هو إدراك واشنطن، أنه في هذه اللحظة الحالية من مجمل هذا الصراع، لا حاجة لها ولا حاجة لإسرائيل، وحتى لا حاجة للغرب إلى هذه القمم، فواشنطن هي اليوم بحاجة فقط إلى إعادة سيناريو الردع الأقوى لصالح الحليفة إسرائيل. وهي مصممة مع نتنياهو للذهاب حتى آخر نفس في هذا الصراع، فقد حسمت أمرها بالوقوف معه كشريك وحليف في هذه الحرب، ودعمته بالسلاح والذخيرة والغطاء الدبلوماسي والتوافق التام مع أهدافه في الحرب، وبعد أن تُحسم معادلة الردع لصالح تل أبيب.. وبعد أن تقول كلمتها وتحقق أهدافها على الأرض ميدانيا، حينئذ سيكون هناك كلام عن مبادرات وحلول، هي من تطرحها ومن ثم تدعونا للتفاوض عليها، كما عودتنا دائما، لكن هل هذا يعني أن الطرف العربي يجب عليه أن يتسمّر في مكانه لحين ما تقرر الولايات المتحدة؟ الجواب بكل أسف نعم. فقد عودنا النظام الرسمي العربي على ذلك مرارا وتكرارا.
من الواضح أن القمة عُقدت وأنفضّت، دون أية نتائج تُذكر.. ولا أية خطوات عملية للضغط على إسرائيل، لان مفتاح الحل بيد الولايات المتحدة، ولا توجد جرأة لأي من المشاركين في إغضاب واشنطن، بل حتى البيان المشترك لم يصدر بسبب المواقف المختلفة بين الدول الأوروبية والدول العربية، التي تحدث أغلب زعمائها عن المعايير المزدوجة التي تبنتها أوروبا، وإذا كان بعض المشاركين قد تحدثوا عن ضرورة وقف العقاب الجماعي لأهلنا في غزة، وإدخال المساعدات اليهم، فإن ذلك لم يتجاوز اللعب بالكلمات، ولم يستطع أي أحد أن يتزحزح عن مواقفه المعروفة. كما يبدو أن القمة لم تسبقها استعدادات كبيرة، ولا مشاورات مستفيضة مع المدعوين إليها، كي يسهل تمرير خريطة الأهداف التي وضعتها الدولة المُضيفة مصر. إن المقولات الإيجابية التي سمعناها خاصة من الزعماء العرب المشاركين في القمة، لن تتحقق ما لم يكن هناك ضغط حقيقي، وتفعيل لأوراق القوة التي بيد هذه الدول العربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. فإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة والغرب يدركون جيدا، أن أي تجاوب في موضوع وقف إطلاق النار، أو الممرات الآمنة لدخول المساعدات، سيفقد الزخم الذي حشدوه في هذه الحرب من مضمونه، في حين أن غايتهم هي جني أكبر قدر ممكن من المكاسب في الحرب، واستغلال الوقت والظرف الحالي ضد المقاومة الفلسطينية، لذلك نرى المماطلات والشروط التعجيزية والعراقيل في موضوع إدخال المساعدات الإنسانية المستمرة منذ أسبوعين، والتي كانت نتيجتها ذلك النزر اليسير من المساعدات التي دخلت حتى الساعة. إن الغرض الذي من أجله تُعقد المؤتمرات والقمم، هو تجسيد لنقطتين مهمتين في العلاقات الدولية، أولها إبعاد شبح الحروب والصراعات بكل تجلياتها. وثانيا فتح آفاق سياسية جديدة تُثبّت الأمن والسلام بين الجميع، لكن مؤتمر القاهرة للسلام لم يكن قادرا على لعب دور في تخفيف حدة العدوان الواسع والهمجي، بل لم يكد المؤتمر ينفض حتى أصدرت إسرائيل بيان تقول فيه، إنها ستُصعّد من غاراتها على قطاع غزة، فهل من الحكمة أن تبقى يد النظام الرسمي العربي مغلولة؟