كلمة فقئت فأرعبت الشرطة الفرنسية… كل شيء هادئ على الجبهة السورية… وحسام زملط السفير الضمير
بيدر ميديا.."
كلمة فقئت فأرعبت الشرطة الفرنسية… كل شيء هادئ على الجبهة السورية… وحسام زملط السفير الضمير
فُقِئ الحرف الأول من اسم مطعم فرنسي فتحوّل الاسم إلى “حماس”، بعد أن كان Chamas .
الحرف الأول، نهاراً، حيث لا يحتاج الاسم إلى إضاءة، كان يظل في مكانه، وفقط في الليل، عندما تسري الكهرباء في جسد المدينة، كان الحرف يسري تحت جنح الليل، يختفي عن الأنظار. فيفاجأ المارة بأن المطعم الذي كان يمنحهم الخبز والنبيذ نهاراً بات يصيبهم بالذعر.
من عادة الحروف أن تتنقّل، أن تنهض في الليل خصوصاً، فهي كائنات حية، تسافر، وتؤوب، تولد، وتموت. هنالك مدن تولد في الليل فقط، وتموت في النهار، لاس فيغاس على سبيل المثال، تلك التي تصنعها لافتات الليل المضيئة والملونة، سيجد زوارها، عندما يستيقظون، أنفسهم أمام مدينة أخرى، مجردة من البهجة وألق الأضواء.
كذلك أصيبت بلدات فرنسية بحالها بالعماء بعد حرب أوكرانيا بسبب موجات الغلاء التي وصلت إلى الكهرباء، فأطفئت شوارع، وغرقت بيوتٌ بالصمت والكآبة. بات مشهدها كما مدن شرقنا الكئيب المحكوم بالطغاة والعسكر وانقطاع التيار الكهربائي… ثم موت الأضواء والاتجاهات، الأسهم التي تدل على الطرقات، والحروف والكلمات.
لم يحتمل سكان الحي المذعور أن اسم “حماس” ساطعٌ هكذا في حيّهم، ولم يصدقوا، أو لم يريدوا تصديق أن الحرف معطّل من ستة شهور، وأن لا علاقة للأمر بالحرب بين إسرائيل و”حماس”.
استُدعيت الشرطة، وبحسب ما تناقلت وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد أُقفل المطعم، في ضوء انقطاع التيار الكهربائي عن حرف C.
من السهل أن تتثبّتَ الشرطة من صدق “مزاعم” صاحب المطعم، إن كان الأمر مقصوداً أم لا، فللمطعم أوراق، ولوغو، وفواتير، ولكن ليس إنْ صادفَ أن اسمه محمد!
ليست مجرد قلّة عقل من الشرطة ومن أبناء الحي إذاً. الدنيا تتبدّل هنا بسرعة مذهلة، أو أنها ترفع الأقنعة فقط.
على الجبهة السورية
كل شيء هادئ على الجبهة السورية، ليس السبب أن قوات النظام مشغولة بجبهة إدلب، مثلما هي مشغولة على الدوام بإحكام السيطرة على الجبهة الداخلية، عندما تستهدف الشعبَ، قمعَه، تجويعه، حصاره، ترويعه، أو إلهاءه، لقد كانت الجبهة هكذا، محكمة، مصمتة، في السلم، كما في الحرب.
الصواريخ التي تأتي من سوريا وتفقع في سماء الجولان السوري المحتل هي غالباً لميليشيات إيرانية أو لبنانية، وهي فقط للتذكير باحتمال جبهة.
النظام نشط فقط على جبهة الإعلام، فهو دائم التهليل لما يجري في فلسطين: تضامن مع “طوفان الأقصى” في اللاذقية، وكذلك في حمص، وندوة فكرية عن مصطلحات “طوفان الأقصى” في درعا، ومعرض لرسام فلسطيني في أبو رمانة، إلى باب ثابت يقول: “الجولان عائد”، وتأكيد بأن “الجولان سورية، مش ناقصها هوية”.
ولا تدري كيف تكون الهوية بهذا التمام والاكتمال، إن كان النظام قد حارب على كل الجبهات، على الجهات الخمس، إلا جبهة الجولان، حيث حرص على أن يكون كل شيء هادئاً، أبداً، هناك.
فجور التزوير
نشهد في هذ الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين موجة من التزوير قد تكون غير مسبوقة فعلاً بفجورها، يستطيع مثلاً رئيس أعظم دولة في العالم أن يكذب في اليوم الأول للحرب، عندما تحدّثَ بتأثر عن أطفال مقطوعة رؤوسهم على يد “حماس”، ليتراجع تالياً، من دون أن يبدو أنه تعلم الدرس، فبعد أسبوعين فقط سيكذب من جديد عندما يؤكد، إثر قصف مشفى المعمداني بصاروخ إسرائيلي، بأن الصاروخ جاء من جماعات فلسطينية، لم ينتظر بايدن تحقيقاً في الأمر، لقد قرر وحدد، وعانق نتنياهو، مرتكب المجرزة، في اليوم التالي عناقاً وُصف بأنه عناق الدببة.
هذا مع أن الإسرائيليين اعترفوا بقصف المشفى، قبل أن يتراجعوا ويحذفوا تصريحاتهم، بل مهدوا للقصف بتصريحات سابقة تتحدث عن اختباء “حماس” في المشافي، والدليل الأهم أننا نرى بأم العين المجازر الأخرى المرتكبة، والتي يذهب ضحيتها مدنيون، من بينهم عائلات بأسرها. فمن قتل حتى الآن 5087 (بينهم 2055 طفلاً)، لماذا سيتردد بقتل مئات آخرين في مشفى!
ثلاثة أصوات
طوفان الكذب العالمي لم يستطع أن يأخذ في طريقه الأصوات النبيلة العصية، يتذكّر المرء من بينها ثلاثة أصوات تملأ الرأس بالفخر، أو الحزن، أو الإجلال.
اكتشفنا أولاً سفير فلسطين في المملكة المتحدة، خصوصاً في مقابلاته باللغة الإنكليزية مع محطات عالمية، لم يكن في حديثه مكان للردح، أو الصراخ، والتفجع، إنه صوت عاقل يبدو أنه خَبِرَ جيداً أساليب الإعلام الغربي، وكان صاحياً في كل مرة يطلب منه فيها إدانة المقاومة، بل كان لديه مقدرة رائعة على استثمار السؤال لفضح الطرق الخبيثة التي يتبعها الإعلام الغربي بتسميم البئر، على ما يقل في لغة الإعلام، وكذلك فضح أرشيف هائل من قتل إسرائيل للمدنيين ومجازرهم خلال 75 عاماً، ومتى قتلت إسرائيل أساساً غير المدنيين والأبرياء؟!
كان ذاك هو سفير فلسطين في لندن حسام زملط، وقد اكتشف فيه كثيرون، حتى من العرب، خير ممثل وضمير لشعبه.
كذلك دوى صوت إعلامية مصرية هي رحمة زين أثناء مظاهرة على معبر رفح من الجانب المصري، إذ تحدثت بتأثر وغضب في وجه مذيعة “سي أن أن”، خطبة انتشرت بشكل واسع، وباتت لسان كثيرين.
الصوت الثالث كان خافتاً للغاية، وفي مكان غير متوقع في باريس. ففي ندوة لا تتعلق بالسياسة، كان شابٌ ذو ملامح مغاربية يقدم باحثين للجمهور، وقال إن فلاناً عمل في غير بلد، أتى على ذكرها، ومن بينها ذَكَرَ اسم فلسطين، وهنا قال: “على فكرة، تحيا فلسطين”. روعة العبارة بأنها كانت على سبيل الـ “على فكرة”، بصوت خافت، من دون تخطيط، ومن دون أن ترمي لإشعال الجمهور، هتافاً أو تصفيقاً، أو إعجاباً. يظل يدهشك حقاً أن فلسطين تعيش في أعمق مكان في قلوب المغاربة، وهذا ما يفسر أنهم الجزء الأكبر من المتظاهرين دعماً لفلسطين في فرنسا، هذه المرة، وفي كل مرة.
وعلى فكرة؛ يحيا المغرب العربي، ويحيا المغاربة، على الأقل من أجل أن تظل تحيا فلسطين.