الوجه الخفي لسعد المجرد… وقناة فنزويلية تصير «فلسطينية» في غفلة من العرب!
لسوء حظ المطرب المغربي سعد المجرد أن صورته ارتبطت، خلال السنوات الأخيرة، بتهمة الاعتداء الجنسي على فتاة فرنسية، وهو الملف الذي لم يُطوَ بعد، بعدما استأنف الفنان نفسه الحكم الابتدائي الذي أدانه، في انتظار أن تنطق محكمة الجنايات في باريس بكلمتها النهائية إمّا بالتبرئة أو بالإدانة.
هذه التهمة أثّرت سلبًا عليه وعلى سمعته بين الأوساط الفنية والإعلامية، وحتى لدى طائفة كبيرة من الجمهور؛ ولو أن حلقة المتضامنين ما زالت واسعة، بما في ذلك مؤازرة أسرته له، خاصة والديه الممثلة نزهة الركراكي والمطرب البشير عبدو.
والواقع أن الصورة السلبية المذكورة غطّت على بعض الإشراقات الفنية والمواقف الإنسانية، التي ظهر بها سعد المجرد منذ عدة سنوات، من ذلك مثلاً الحفل الفني الذي أحياه في رام الله سنة 2015، حيث ظهر بالكوفية الفلسطينية، وصدح بأغنية «فلسطين عربية»، التي تقول كلماتها: «شُهَدانا قوافل، وعزومنا جبال، لا نركع لسافل، لا نهاب اعتقال، في قلب الجنين، مكتوبة فلسطين، مرفوع الجبين، في بطن أمك شهيد…»، إلى أن تقول: «يا مسرى الرسول، لن تبقي مغصوبة، ولن نرضى بحلول، إلا بقدس العروبة.»
أحد المدوّنين استحضر الحملة الإعلامية الفرنسية على هذا الفنان المغربي بعد اتهامه في قضية الاغتصاب، وطرح السؤال التالي: هل يمكن الاستنتاج أن المجرد أدّى ضريبة ترديده لهذه الأغنية وكذا حمل الكوفية الفلسطينية وإعلان تضامنه مع القضية؟ وذلك إشارة إلى أن اللوبي الصهيوني في «عاصمة الأنوار» كما في أقطار أخرى لا يتساهل مع النجوم الذين يعارضون سياسته الإجرامية، ومن ثم يتصيّد زلاّتهم من أجل الإيقاع بهم وتحطيمهم.
مهما يكن من أمر، فأُغنية «فلسطين عربية» التي تعود في الأصل إلى الفنانة السورية أصالة نصري، تحوّلت اليوم إلى ما يشبه نشيدا قوميا، تردده أصوات نسوية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بطريقة حماسية ممجّدة للشعب الفلسطيني البطل.
وانقلب السحر على الساحر!
رغم الآلة الإعلامية الضخمة التي تسخّرها واشنطن وتل أبيب وبعض حلفائهما الغربيين من أجل «شيْطنة» المقاومة الفلسطينية، وتحويل أنظار العالم عن جرائم العدو الإسرائيلي في غزة، فإن التضامن مع الفلسطينيين آخذ في الانتشار في العديد من الأقطار عبر القارات الخمس، من منطلق المشترك الإنساني والقانون الدولي.
ويتخذ التضامن شكل مسيرات ومظاهرات وتصريحات صحافية وصور وفيديوهات وتدوينات عبر منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، حيث يعمل أحرار العالم ـ ذكورا وإناثا ـ على فضح ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين التي تعتمدها السلطات الغربية من أجل تحويل المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم، إذْ تغض الطرف عن الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في حق المدنيين الفلسطينيين، وتركّز في المقابل على إلصاق «الإرهاب» بحركة المقاومة الفلسطينية.
ومن هنا، يتعين علينا أن نوجّه تحية تقدير إلى ثلّة من الإعلاميين العرب الأبطال في بعض الفضائيات التلفزيونية الذين يثبتون علو كعبهم في مواكبتهم للحرب على غزة، لا سيما خلال إجرائهم حوارات مع متحدثين من الكيان الصهيوني، حيث يربكونهم ويكشفون عن كذبهم ومغالطاتهم، ولا يترددون أحيانًا إلى مقاطعتهم بشكل صارم، حين يحاول أولئك الصهاينة ممارسة التضليل من خلال لَوْكِهم أكذوبة «قطع رؤوس أطفال إسرائيليين» من طرف «حماس»، بل إن أحد الإعلاميين العرب لم يتردد في إيقاف متحدث إسرائيلي وإنهاء المقابلة معه عن بعد!
مذيعة محجبة في قناة فنزويلية!
لو لم تكن «تيلي سور» ناطقة بالإسبانية، لاعتقد الكثير من المشاهدين أنها قناة تلفزيونية عربية، بل إن العديد من القنوات العربية لا يمكن أن ترقى إلى مهنية هذه القناة المبثوثة انطلاقًا من أمريكا اللاتينية.
ويا للمفارقة! فضائية إخبارية تنتمي إلى فنزويلا، أكثر إنسانية ـ حتى لا نقول أكثر عروبة ـ من معظم الفضائيات العربية (مع استثناءات قليلة)؛ إذ لا حديث لها على مدار اليوم سوى عن مستجدات القضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتردد في وصفها بـ»المجازر».
حينما وقعت عليها عيناي، بالصدفة، أثناء تجوالي عبر ما يقدم على شاشة التلفزيون، قلت في نفسي مندهشا: أمر لا يكاد يُصدّق يا ناس! قناة فنزويلية ترصد الشأن الفلسطيني أولا بأول، من خلال نشراتها الإخبارية ومراسليها في عين المكان؛ وتقف إلى جانب الفلسطينيين وقفة شهامة وإنسانية ونبل، وتفضح الكيان الصهيوني. بينما لم تغيّر العديد من التلفزيونات العربية شبكاتها البرامجية، وكأن شيئا لا يحدث لأبناء جلدتنا!
بيد أن موقف قناة «تيلي سور» لا يثير الاستغراب، باعتبار أنها تُبثّ انطلاقًا من بلد معروف بمناصرة الشعب الفلسطيني إزاء الغطرسة الصهيونية. وقد شُوهد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو منذ أيام، مطلقا تصريحات إعلامية قوية، ينتقد فيها الاحتلال الإسرائيلي، مُشيرًا إلى ما يرتكبه من حرب إبادة جماعية في حق الفلسطينيين. وهو موقف ينسجم مع سلوك مشرّف لدول أخرى من أمريكا اللاتينية، كبوليفيا التي أعلنت عن قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وكولومبيا وتشيلي اللتين استدعتا سفيريهما في تل أبيب من أجل التشاور، على خلفية استهداف المدنيين في غزة من لدن السلطات الصهيونية.
اللافت للانتباه في النشرات الإخبارية لقناة «تيلي سور» الفنزويلية ظهور مراسلة لها في غزة تغطي رأسها بالحجاب، وهي هدى حجازي، إعلامية فلسطينية شابة تحمل الجنسية الإسبانية، قضت حياتها في إسبانيا قبل أن تعود مع عائلتها إلى غزة منذ خمسة أعوام. تعمل من داخل مستشفى ناصر، بينما بقيت عائلتها في غزة لعدم توافر منزل يلجأون إليه؛ وفق إفادات أوردها موقع إلكتروني مصري نَقَلَ عن المراسلة حجازي قولها إنها تضطر أحيانًا للنوم في السيارة، وتتدبّر أمر الاستحمام كل يومين أو ثلاثة في أحد حمامات بعض الأقسام داخل المستشفى، وترفض مغادرة غزة رغم كونها تحمل جنسية أجنبية.
رسالة والد الشهداء
ما إن علم الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح بأن مجموعة من الصحافيين المغاربة أطلقت ائتلافا مناصرا لفلسطين ومعارضا للتطبيع، حتى بعث لها رسالة صوتية تفيض بالمشاعر الإنسانية وتؤكد على صلابة العزيمة وشدة الشكيمة، رغم أن جرح مراسل «الجزيرة» في غزة لم يندمل بعد، عقب استشهاد زوجته وابنه وابنته وحفيده ذي الأربعة شهور نتيجة قصف إسرائيلي غادر.
انتزع الرجل الصبور الصامد من ضغط العمل اليومي ويوميات الحرب الظالمة بضع دقائق، وسجل رسالة صوتية بعثها للإعلاميين المغاربة، مما جاء فيها أن «المعاناة كبيرة والجرح والوجع أكبر، لكنها لحظة تاريخية يمر منها القطاع، ولذلك كان لزاماً علينا كصحافيين أن نستمر وألا نستكين للألم والوجع، فلا وقت لدينا للانشغال بالبكاء والعويل والوجع، واصلنا العمل ووقفنا أمام الكاميرات لأجل أن نكون ونبقى حلقة الوصل بين ما يقع في القطاع والعالم، عساه يتحرك بكل شرائحه وقطاعاته من صحافيين ونخب وسياسيين وصناع قرار.»
من تحت الغارات والقصف، من بين الأشلاء والجثامين، لخَّص وائل الدحدوح رسالة الإعلاميين الصادقين، من أجل رفع الظلم الكبير الذي ينزل بثقله على الشعب الفلسطيني. فمتى يرحل هذا الليل الطويل القاسي؟!