أنواع اليهود في عصرنا: السفارديم والإشكناز والمزراحيم والدونمة والسامريون وناطوري كارتا
بيدر ميديا.."
أنواع اليهود في عصرنا: السفارديم والإشكناز والمزراحيم والدونمة والسامريون وناطوري كارتا
علاء اللامي*
إنَّ جيلنا الذي نشأ في فترة المد الوطني واليساري العالمي أواسط القرن الماضي فصاعدا وتأثر بالفكر الاشتراكي الأممي تعلم أن يفرق بين اليهود والصهاينة، وبين اليهودية كدين محترم كسائر الأديان والصهيونية كفكر رجعي عنصري لحركة رجعية خرافية عنصرية دموية… هذا التفريق تأخذ به اليوم غالبية القوى المقاومة في العالم العربي وهو موجود حتى في الخطاب الإعلامي للمقاومة الإسلامية في لبنان وحماس والجهاد في فلسطين المحتلة وعلى هذا يغدو مستهجنا تشويه الخطاب المقاوم باستهداف اليهودي لأنه يهودي أو ابن يهودية نتيجة جهل هذا البعض بهذه الحقائق فالحضارة العربية الإسلامية هي الوحيدة بين الحضارات والأمم التي أنصفت الأقليات ومنهم اليهود، بل وراح هؤلاء اليهود يتبعون العرب المسلمين في أي بقعة حلوا بها وفتحوها حتى بلغوا معهم بلاد الصين كما أكد ذلك المناضل والمؤرخ اليهودي الشيوعي الصيني يسرائيل إبشتاين.
أما في اللهجات العربية وخاصة اللهجة الفلسطينية فالأمر مختلف؛ وعامة العرب يستعملون كلمة اليهودي واليهودية كصفة نسبة عادية. وأتذكر خلال أزمة احتجاز القائد الفلسطيني جورج حبش في فرنسا سنة 1992 حين سافر للعلاج فيها بناء على اتفاق مسبق بين الحكومة الفرنسية وياسر عرفات. وحين اخترقت المخابرات الفرنسية المكالمات الهاتفية لعرفات وحبش اعتبرت كلامهما عن اليهود من قبيل معاداة السامية، وحين واجهت الحكومة الفرنسية عرفات بذلك سخر منهم وقال نحن الفلسطينيين نقول لليهود يهود ولا نشتمهم بهذه الكلمة مثلكم واذهبوا واسألوا سفيرهم في باريس. ويبدو أن الفرنسيين سألوا السفير الصهيوني فعلا فأكد لهم ما قاله عرفات، من أن كلمة يهود ويهودي ليست شتيمة أو سُبة في كلام العرب مثلما هي في لغات الغربيين بل مجرد صفة!
سأحاول في هذه المقالة أن أفيد القارئ ببعض المعلومات للتفريق بين اليهود حسب أنواعهم المعروفة من باب الاطلاع ومعرفة الآخر فالفرق بين السفارديم ومعهم المزراحيم والأشكناز كبير جدا وفي الإعلام الصهيوني داخل “إسرائيل” يستعملون عبارة “الأمتين” لهاتين المجموعتين أو المكونين لليهود المعاصرين:
1-اليهود السفارديم هم الذين تعود أصولهم إلى إسبانيا والبرتغال. وبعض هؤلاء كانوا قد سبقوا العرب المسلمين إلى هناك، وانحازوا إلى جانبهم دائما، وحل بهم ما حلَّ بالعرب والبربر المسلمين بعد حروب الاسترداد وقمع محاكم التفتيش الكاثوليكية بعد سقوط الدويلات العربية الإسلامية هناك. والطريف أن اسم “سفارد” جاء نتيجة خطأ في الترجمة فالكلمة كانت اسم مدينة في آسيا الصغرى تم ربطها بإسبانيا عن طريق الخطأ، فتُرجمت الكلمة في الترجوم (الترجمة الآرامية لأسفار موسى الخمسة) إلى «إسباميا»، و«سباميا». وابتداءً من القرن الثامن الميلادي، أصبحت كلمة «سفارد» هي الكلمة العبرية المستخدمة للإشارة إلى إسبانيا.
شاع في الكتابات العربية خلط خاطئ بين كلمة «أشكناز» التي يعني بها البعض يهودا غربيين وسنأتي إليها بعد قليل، و«سفارديم» التي تعني يهـودا شرقيين. وهذا غير دقيق فكلاهما تعني “يهود غربيين”. أما اليهود الشرقيون هم «عيدوت مزراحي» وتعني الجماعات الشرقية. والحركة الصهيونية منذ تأسيسها ومن حيث قياداتها ومنظريها كانت حركة أشكنازية بنسبة تفوق التسعين بالمائة إضافة إلى شخصيات نادرة من اليهود السفارديم ولم يعرف في قيادة الحركة الصهيونية أحد من يهود مزراحيم أي شرقيين. وبعض قادة الصهاينة من السفارديم لا يصرحون بأصولهم ويزعمون أنهم من الأشكناز لينجوا من التمييز العنصري الإشكنازي ضدهم.
2-اليهود الأشكنازيون: وهم من يهود دولة الخزر المنقرضة جنوب روسيا وهم من المتهودين ذوي الأصول التركية والسلافية وغير ذلك ولا علاقة لهم ببني إسرائيل شبه المنقرضين بل اعتنقوا الديانة اليهودية في عصور متأخرة ويشكل الأشكناز تسعين بالمائة من يهود العالم البالغ عديدهم قرابة الأربعة عشر مليون نسمة وما تبقى هم السفارديم والمزراحيم.
اليهود الأشكناز أوروبيون غربيون ثقافة وعادات وتقاليد رغم أن أصول غالبيتهم من أوروبا الشرقية التي هجروها بعد الاضطهاد اليديني الذي لاقوه، وهم يزدرون اليهود الآخرين ويكرهونهم. ومشهورة مقولة شاعر الصهيونية الأشهر نحمان بياليك، وهو إشكنازي، بأنه (يكره العرب لأنهم يُذكِّرونه باليهود المزراحيم “الشرقيين”). أي أن اليهودي الأشكنازي يكره في سريرته اليهود الشرقيين والعرب معا وهذه هي معاداة السامية الصافية! ويلجأ بعض يهود المغرب العربي إلى ادعاء أنهم من أصل فرنسي حتى يُحسِّنوا صورتهم أمام الأشكناز المهيمنين على الدولة ويتفادوا التمييز العنصري الأشكنازي ضدهم.
أما من الناحية العقيدية فالأشكناز يزعمون أنهم يتبنون الصيغة الفلسطينية لليهودية، مقابل الصيغة البابلية التي تبناها السفارد. ومع أن كلا الفريقين تَبنَّى التلمود البابلي، في نهاية الأمر، مرجعاً وحيداً في الأمور الدينية والفقهية، فقد ظلـت بعض نقط الاختلاف. فالسـفارد، على سـبيل المثال، يتسمون باتساع الأفق والانفتاح على الحضارات والمجتمعات التي عاشوا فيها، أما الإشكناز فلم ينفتحوا على الحضارات التي عاشوا بين ظهرانيها برغم تأثرهم بها، وانغلقوا على الكتاب المقدَّس والتلمود وعلى تفسير النصوص الجزئية وعاشوا في الغيتوات.
3-اليهود المزراحيم: وتعني كلمة مزراحيم المشارقة. وأصول هؤلاء من يهود العراق وهم من بقايا السبي البابلي وقد تفرقوا في الأرض وخصوصا في بلدان الجوار كتركيا وإيران والجزيرة العربية والبعض. وبعض هؤلاء وخصوصا ذوي الأصول الشمال أفريقية يسمون أنفسهم “اليهود العرب”. وهناك جمعية علنية ومجازة من الشباب والشابات اليهود مقرها في فرنسا بهذا الاسم “جمعية اليهود العرب”، وهم مناصرون ومؤيدون لحقوق الشعب الفلسطيني، وقد كتبت عنهم ذات مرة قبل سنوات قليلة. دينيا يتبع اليهود المزراحيم، باستثناء يهود اليمن، المذهب اليهودي السفاردي الذي تطور لدى اليهود الخارجين من إسبانيا والبرتغال في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. أما يهود اليمن فيتابعون مذهبا دينياً يهودياً خاص بهم. ويشمل مصطلح المزراحيم أيضاً اليهود من تونس والجزائر وليبيا والمغرب الذين عاشوا في شمال إفريقيا قبل وصول السفارديم.
من وجهة نظر الحاخامية الإسرائيلية الرسمية، فإنَّ أي حاخامات من أصل مزراحي في إسرائيل يخضعون لسلطة حاخام السفارديم الأكبر في إسرائيل. واعتباراً من عام 2005، كان 61% من اليهود الإسرائيليين من أصل مزراحي كامل أو جزئي رغم أن نسبتهم من عموم يهود العالم صغيرة جدا كما قلنا (هم والسفارديم نسبتهم عشرة بالمئة)، ولكن حصتهم صغيرة وتافهة في قيادات الكيان السياسية والأدبية والاقتصادية، وهذا يعني أن دولة إسرائيل تحكمها أقلية من الأشكناز المتهودين الغربيين الصهاينة في فلسطين والذين لا يجمعهم جامع ولا كنيس باليهود وبني إسرائيل القدماء. وسبب هذا الوجود الكثيف لليهود الشرقيين هو نجاح إسرائيل والحكومات العربية العميلة في العراق والمغرب ومصر واليمن …إلخ، بتهجير اليهود الشرقيين في الخمسينات والستينات إلى دولة الكيان التي كاد مشروعها يفشل بسبب رفض غالبية اليهود الأشكناز الغربيين الهجرة إليها.
أما من حيث اللغة، فأن عبرية السفارديم والمزراحيم هي الأقرب إلى اللغة العبرية الفصيحة القديمة. وهي مختلفة عن عبرية الأشكناز المختلطة بلغات أخرى ومنها لغة اليديش الخاصة بالأشكناز. واليديش لهجة ألمانية بنسبة 70 بالمئة. إن فصاحة عبرية اليهود الشرقيين يعود إلى أن يهود العالم العربي كانوا منذ أيام الأندلس لا يتحدثون إلا العربية، واقتصر استخدامهم للعبرية على الكتابات والأسفار الدينية العبرية الفصيحة المتخصصة والتي بقيت سليمة ومستقلة. وقد كان لاحتكاك اليهود بالعرب أثر عميق في لغتهم، فقد ازدادت عبريتهم فصاحة بمجاورتها اللغة العربية التي تُعدُّ أرقى لغات المجموعة السامية كلها. وقد تَرتَّب على ذلك أن «دولة» إسرائيل، التي قامت على أكتاف الأشكناز، وجدت نفسها رغم كل شيء مُضطرَّة إلى اعتبار عبرية السفارديم هي اللغة الرسمية وفي السياسة والأدب والفن والإعلام والتعليم في الجامعات والمدارس. وقد اضطر المؤلفون في الأدب العبري الحديث، أو العاملون في مجال الدراسات اللغوية، حتى وإن كانوا من الأشكناز، إلى الخضوع المُطلَق للسان السفارد.
4-يهود الدومنة: وهم من أصول مختلفة وخزرية غالبا. برز منهم مؤسس طائفتهم شباتاي زيفي، ولد في يوليو 1626، بمدينة إزمير التركية من أبوين يهوديين مهاجرين من إسبانيا أي من يهود السفارديم. وكلمة دونمة تركية تعني “المرتدين/ الراجعين”. فحين زعم مؤسسهم زيفي أنه المسيح المنقذ حوكم، وقبل أن يحكم عليه بالإعدام أعلن إسلامه فعفا عنه السلطان العثماني محمد الرابع في القرن السابع عشر. وقد قام زيفي لاحقا بنشاط كبير لبعث فكرته وتأصيلها بشكل سري وبعد أن توفي عام 1675م سار أتباعه على دربه في محاولة للحفاظ على وحدة وتواصل الجماعة. وهذه الجماعة ليس لها تأثير كبير في دولة الكيان المؤقت ولا خارجها.
5-ناطوري كارتا والكلمتان باللغة الآرامية وتعنيان (حارس المدينة). هي حركة يهودية حريدية (أصولية) ترفض الصهيونية السياسية بكل أشكالها وتعارض وجود دولة إسرائيل. تعدادهم يقارب 5000 يهودي ويتواجدون في القدس ولندن ونيويورك. وهي جماعة دينية يهودية تم تأسيسها في سنة 1935، تنادي بخلع الكيان الإسرائيلي وتفكيكه سلميا، وإعادة الأرض إلى أصحابها الفلسطينيين. وتقوم هذه الحركة على أن تأسيس دولة إسرائيل مخالف للشريعة اليهودية التي قررت أن يبقى اليهود مشتتين موزعين في بلدان العالم حتى قيام “الماشيحا” أي المهدي المنتظر اليهودي.
6-الطائفة اليهودية السامرية أو السُمَرة وبالعبرية: «شمرونيم»، هي مجموعة عرقية دينية، تنتسب إلى بني إسرائيل وتختلف عن اليهود إذ يتبعون الديانة السامرية المناقضة لليهودية (رغم اعتمادهم على التوراة) لكنهم يعتبرون توراتهم هي الأصح وغير المحرفة وأن ديانتهم هي ديانة بني إسرائيل الحقيقية. يقدر عدد أفرادها بـ 820 شخصاً موزعين بين قرية لوزة في نابلس ومنطقة حولون بالقرب من تل أبيب. ويعادي اليهود الأشكناز يهود السامرية ويعتبرونهم غرباء عنهم وعن اليهودية وقد جاء بهم الآشوريون وأسكنوهم في السامرة العاصمة القديمة لإسرائيل المنقرضة. أما السامريون أنفسهم فيعتقدون أن تاريخهم قد بدأ منذ بداية الخلق مع آدم، ويعتبرون نوح جدهم العاشر، وإبراهيم جدهم العشرين، وصولاً إلى موسى الذي بعثه الله ليحررهم من عبودية ملك مصر القديم الذي تسميه التوراة “الفرعون” وسبق وأن ذكرنا أن هذه الكلمة “فرعون” لا وجود لها في السردية المصرية القديمة كلها. ويعتقدون أنهم هم الإسرائيليون الأصليون الذين ينتسبون إلى يوسف الصديق وكهنتهم ينتسبون لسبط لاوي، وأن اسمهم “شومريم” وليس السامريين التي تعني المحافظين، ويقصدون أنهم من حافظ على الديانة القديمة دون سائر بني إسرائيل.