ومضيت وكأنما اعجبكَ الرحيل
نبيل عبد الأمير الربيعي
لا يمكن الحديث عن الواقع الثقافي والتاريخي والأدبي في مدينة الحلة الفيحاء إلا وتسليط الضوء على دور الباحث والمؤرخ والمحقق الراحل د. عبد الرضا عِوض، سمعتُ باسمه من خلال الدكتور عدي غني الأسدي حفظه الله خلال اكثر من عقد من الزمن، كونهُ صديق الطفولة، فحدَّثني عن مروءته وكرمه وعلمه، وأكثرَ في الحديث عن استقباله للأصدقاء، واستضافتهم في بيته الكبير، فحبَّبني إليه وشدَّني إلى التعرُّف عليه بزيارته لمنزله في أحد أيام عام 2010م، واستمرت صحبتنا حتى يوم رحيله. كنتُ أحسُّ أن أكثر ما يُؤلمه هو نكران الجميل وقلَّة الوفاء، فكم من أشخاص أحسنَ إليهم ورعاهم، فما ردُّوا الوفاء بوفاء أو الجميل بجميل، غير أن هذا لم يفُتَّ في عضُده، ولم يدَعهُ يندم على اصطناع المعروف بين الناس. وإن قلَّة الوفاء ونكران الجميل من أخسِّ صفات الإنسان.
كان صادق المشاعر، حلو اللقاء، يعتبر لدى المثقفين والباحثين والمؤرخين المرجع والعرّاب، ومحل التساؤل لدى طلبة الدراسات العليا والباحثين عن كل شاردة وواردة، فقد أرخ تاريخ مدينة الحلةُ الفيحاء ووثّق سيرة علمائها، مُنذ النشأة وحتى تاريخ رحيله.
بذلَ الراحل عِوض جهده في إظهار الطوبوغرافيا العلمية لتاريخ مدينة الحلة، وتسليط الضوء على جملة الانجازات الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي حصلت في الحقب الزمنية السابقة. كنت اجالسه في مكتبته العامرة يوماً، فوثقتُ كل ما يحمل في ذاكرته من خزين ومن مواقف ورؤى سياسية، فوثقت مواقفه وآراؤه من العملية السياسية الحالية بأكثر من (70) صفحة.
كان رحمه الله قويَّ الحجَّة، حاضرَ البديهة، واسعَ الاطِّلاع، شديدَ الذكاء، دقيقَ الملاحظة، كريمَ النُّـزُل، عَذْبَ الحديث، قويَّ الذاكرة، فطِنًا، حسنَ العِشرة، وفيّاً لأصحابه، ذا مروءة نادرة وكرم أصيل. أحببناه على القُرب والبُعد، وصافيناه الوِداد، مما يحمل من المروءة والكرم والعلم، والأخلاقَ الرفيعة والشمائل النبيلة، ترك دار نشر ومكتبة عامرة سامقة لطباعة ونشر الكتب، يواصل ولدية علي وحلمي عملَهم فيها في نشر العلم والتاريخ والتراث.
رحم الله أيامك د. عبد الرضا عوض
وجمعنا وإياك في مثوى ومنـزل البَرَرة، وحسن أولئك رفيقاً.
الحلة
السبت: 11/11/20123
ألقيت بمناسبة الذكرى الثانية على رحيل استاذنا د. عبد الرضا عوض