العراق… هل انتهت قصة الحلبوسي؟
في سابقة غير معهودة في العملية السياسية العراقية تمت إطاحة رئيس مجلس النواب العراقي بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، إذ تمت إدانة محمد ريكان الحلبوسي أقوى زعيم سياسي سني في العراق بجريمة التزوير، وهي جريمة مخلة بالشرف حسب الدستور العراقي، وبالتالي تم إسقاط عضويته في البرلمان العراقي.
قصة إطاحة الحلبوسي ابتدأت قبل عدة أشهر، وأثارها خلاف بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وليث الدليمي، أحد نواب كتلة السيادة النيابية، إذ تمت إقالة الدليمي من البرلمان بموجب استقالة مقدمة منه، لكنه طعن في الاستقالة، وتمت تسوية الموضوع بعد ضغوط سياسية من الحلفاء، في تحالف السيادة السني، في البرلمان تراجع الحلبوسي عن قبوله استقالة ليث الدليمي وعاد على إثرها النائب لممارسة دوره البرلماني لفصل تشريعي كامل، وكأن شيئا لم يكن.
تمت إدانة الحلبوسي أقوى زعيم سياسي سني في العراق بجريمة التزوير، وهي جريمة مخلة بالشرف حسب الدستور العراقي، وتم إسقاط عضويته في البرلمان العراقي
لاحقا تجددت المشكلة مرة أخرى بين الاثنين، وقد غطى الإعلام تفاصيل القصة، حيث أشار الى تفاصيل الجريمة التي أطاحت رئيس البرلمان، إذ يبدو أن رؤساء الكتل السياسية في البرلمان، ومن بينهم الحلبوسي، يجبرون نواب كتلهم على توقيع ورقة على بياض وتسليمها لزعيمهم، ويمكنه استخدامها كوصل أمانة بمبلغ كبير جدا في حال حاول النائب الخروج من حزبه، أو كتلته أو حتى عصى أوامر زعيمه، وعندما حدثت خلافات جديدة بين الدليمي والحلبوسي في 15 كانون الثاني/يناير قام الأخير بإخراج الورقة البيضاء الموقعة من ليث الدليمي، وطبع عليها استقالة جديدة للنائب ليث الدليمي، من ثم قام بقص 3 إلى 5 سم من أعلى الورقة لأنها معنونة إلى الحلبوسي بصفته الشخصية، لأنه كان من المقرر استخدام هذه الورقة لكتابة وصل أمانة مالية عليها، لكن الحلبوسي فضل طباعة الاستقالة عليها. تم إنهاء عضوية ليث الدليمي رسمياً من البرلمان، ما دفعه إلى اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا واتهام الحلبوسي بأنه زوّر هذه الاستقالة كونها دون تاريخ مكتوب من صاحب الاستقالة، وإن طول الورقة أقصر من الورقة الطبيعية المعروفة، حيث نظرت المحكمة بحجج ليث الدليمي، واقتنعت بذلك وأدانت الحلبوسي بالحنث باليمين والتزوير وأنهت عضويته في البرلمان وفق احكام الدستور العراقي، لأنه مدان بتهمة مخلة بالشرف، كما أمرت المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضوية ليث الدليمي على إثر الاستقالة الأولى. رد الفعل الأول لمحمد الحلبوسي، عند إبلاغه بقرار المحكمة كان رفع جلسة البرلمان المنعقدة ومغادرة قاعة البرلمان، ثم إدلائه بتصريحات إعلامية طعن فيها بدستورية أحكام المحكمة الاتحادية العليا، واعتبر حزب «تقدم» الذي يتزعمه رئيس البرلمان المقال، أن قرار المحكمة الاتحادية بشأن الحلبوسي فيه «خرق دستوري صارخ واستهداف سياسي واضح». كذلك تقدم ثلاثة وزراء من كتلة الحلبوسي باستقالاتهم من حكومة السوداني احتجاجا على ما جرى، إذ استقال وزير التخطيط محمد تميم، ووزير الصناعة خالد بتال، ووزير الثقافة أحمد البدراني. من ناحيته قال رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق جاسم العميري في تصريح رسمي إن «قرار المحكمة الاتحادية الأخير، الذي يتضمن إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي وعضوية النائب ليث مصطفى الدليمي، بات وملزم للسلطات كافة، وفقا لما جاء في المادة 94 من الدستور» وأضاف العميري، «هذا القرار لا يخضع لأي طرق من الطعن القانوني» مشيرا إلى أن «المحكمة الاتحادية مختصة بالنظر في مثل هذه القضايا المختلفة بموجب المادة 93 من الدستور».
في رحلة عودته من العاصمة الى مدينته في محافظة الأنبار، التقى محمد الحلبوسي بجمهوره السياسي في ناحية الصقلاوية مدخل محافظة الأنبار، وكانت الأجواء متوترة وتحفها توقعات بإعلان نوع من التمرد، أو العصيان المدني في المدينة، على خلفية إطاحة رئيس البرلمان، لكن الحلبوسي طالب أنصاره بالهدوء وقال؛ «نحن لا نقف احتجاجا على الطريق السريع الرابط بين بغداد والأنبار، ولا ندق طبول حرب أهلية، ولا نعطل مؤسسة، وإذا كان البعض سابقاً قد دفع الناس لأن يكونوا أمامه، نحن نقول: لا، نحن أمام الناس ونحن حائط الصد لهم. لا نقطع دربا، ولا نخالف قانونا، ولا نسمح للغربان السود أن تعود. لا نريد أن نسمع صوت إطلاق الرصاص، نريد أن نسمع صوت البناء. وطلبي منكم الالتزام بالقانون، وأن نكون مثالاً للجميع» ثم أضاف؛ «أعتبر نفسي أبا ومسؤولا، والأب يحرص على أمن أهله وأبنائه، ويحرص على رزقهم ولا يقبل بما يضرهم.. وفي حالة الابتلاء يقول (بيه ولا بيهم.. وأنا أقول: بيه ولا بيكم». كما بيّن رئيس البرلمان المقال لأهالي الأنبار أن هنالك مؤامرة أطاحت به إذ أشار إلى أن «من استهدف مشروعكم يريد عدم مشاركتكم بانتخابات المحافظات». ثم أضاف: «إن التحديات التي واجهناها تحديات كبيرة، لكن اختيار هذا التوقيت واضحة رسالته. صوتنا يبقى عالياً بالحق والقانون، وبالعهد الذي بيننا وبين الآخرين، وهو الالتزام بالقانون والدستور، ولا نقبل أي أحد يتجاوز القانون والدستور. طلبي منكم أن لا تضعف إرادتكم بالإدلاء بأصواتكم في الانتخابات، وأن تشاركوا بقوة وبهمة عالية رجالاً ونساءً» ثم حذّر قائلا؛» هناك من يعتقد أن الناس تخرج لمهاجمة المؤسسات الرسمية، وهناك من يقول سيخرجون للمظاهرات أو للعصيان أو ستعود أيام 2013، وهذا أمر مرفوض ولا نقبل به. نحن نريد مجتمعنا آمنا ومستقرا، وطلبي منكم أن تعبّروا عن رأيكم دون أن تسمحوا لأحد بأن يعبث بأمنكم وأمن بلدكم واستقراره».
من ناحية ذات صلة، ومع تصاعد العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تعالت أصوات كشفت عن عقد اجتماعات سرية تمت بين سياسيين عراقيين سنة من محافظة الأنبار مع سياسيين إسرائيليين دارت فيها مناقشة خطط مستقبلية لنقل جزء كبير من سكان قطاع غزة الى محافظة الأنبار. لكن لم تثبت صحة هذه الأخبار، ولم يتم التأكد منها من مصادر موثوقة، إلا أن تصريحات إعلامية لنواب في البرلمان العراقي دقت جرس الإنذار حول هذه النقطة مع إطاحة الحلبوسي. ففي قرار الحكم الذي أعلنته رسميا المحكمة الاتحادية العليا، وردت إشارة الى إن هنالك من اسمته شخصا ثالثا كان قد تقدم بطلب للمحكمة الاتحادية العليا يطالب فيه بتجريم محمد ريكان الحلبوسي على خلفية تعاقده مع شركة إسرائيلية للعلاقات العامة، وإن الغاية الحقيقية من التعاقد مع هذه الشركة كانت ترويج وتسهيل عملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، لكن المحكمة ردت التهمة وطالبت الشخص الثالث بأن يتقدم بدعوى مستقلة وحينها يمكن للقضاء النظر في الدعوى. وما لبث الإعلام العراقي أن نشر تصريحات للنائب أحمد الجبوري، اتهم فيها رئيس البرلمان السابق أحمد الحلبوسي بالتعاقد مع شركة أمريكية فاعلة في نشاطات اللوبي الإسرائيلي في العاصمة الأمريكية واشنطن، ولها علاقات قوية في البيت الأبيض، وبيّن الجبوري أن العقد بقيمة 600 ألف دولار أمريكي، تضمن تقديم معلومات للشركة. وذكر النائب أحمد الجبوري في تصريح متلفز، أنه أطلع على ملف التعاقد بين شركة «BGR» الامريكية وحزب «تقدم» وقائده محمد الحلبوسي بمساعدة المختصين وعبر الاطلاع على الموقع الإلكتروني للشركة، وبعد الاستفسار عنها في الولايات المتحدة الأمريكية، تأكد إنها شركة اسرائيلية عاملة في الولايات المتحدة، وأضاف الجبوري أن المدير التنفيذي لهذه الشركة هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك. أما النائب السابق مشعان الجبوري، فقال في تغريدة له على موقع (X) إن لديه وثائق بشأن عقد حزب «تقدم» ورئيسه محمد الحلبوسي مع مجموعة أمريكية إسرائيلية أحد أقطابها رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك، لتنفيذ مخططاته في الأوساط الأمريكية. بينما أكد مراقبون أن شركة (BGR) التي تعاقد معها الحلبوسي تقوم بجهود للتطبيع مع إسرائيل، وسبق لها أن قامت بخطوات مماثلة مع أطراف خليجية وعربية في ما عرف بصفقة القرن. فهل انتهت قصة محمد ريكان الحلبوسي وأقفل ملفه السياسي؟ أم إن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالمفاجآت؟