مستمسكات حكماء صهيون»… وأليسا ترد على «المزايدين»
هنالك مفاجآت عديدة، بالنسبة لي على الأقل، في تقرير لـ «نيويورك تايمز» يتحدث عن «موجة من العاملين في الكونغرس، سابقين وحاليين، معظمهم من الجيل الشاب يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة، ويتحدثون علناً ضد مواقف مسؤوليهم».
وصف مؤثر تسوقه الصحيفة للمشهد النيويوركي على أدراج تلة الكابيتول: «وصلت أزهار القرنفل بالعربات، وضعت على الدرجات في أسفل «الكابيتول هيل»، وتحت سماء زرقاء صافية. وكان القصد من كل قرنفلة أن تمثّل المدنيين الذين ماتوا في الحرب، التي تخوضها إسرائيل ضد «حماس» في غزة».
المفاجأة الأولى هي في هذا التضامن، والسخط كذلك، بخلاف التأييد الرسمي الأمريكي الأعمى لاستمرار إسرائيل في حربها.
أما الثانية ففي عبارات من قبيل «يتحدثون علناً»، وأن الورود الاحتجاجية «جلبها أكثر من 100 موظف في الكونغرس كلهم ارتدوا الأقنعة لإخفاء هويتهم»، و»معظمهم لم يكشفوا عن هويتهم»، و»تحدثوا بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، خشية تعريض وظائفهم للخطر، ومن الهجمات الشخصية، قالوا إنهم وجدوا صعوبة في المقاربة بين معتقداتهم الشخصية وواجباتهم المهنية، ما يعني الاحتفاظ بمواقفهم الشخصية لأنفسهم وتبني مواقف المسؤولين الذين يقدمون الخدمات لهم».
عبارات كلها تشي بمناخ بوليسي ضاغط، كما لو أننا أمام نظام شمولي، روسيا، أو سوريا مثلاً، لا أمام برلمان دولة «الحلم الأمريكي».
كذلك ستصلنا أخبار استقالة جوش بول، أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، احتجاجاً على تواطؤ بلاده مع الحرب الإسرائيلية، معلناً استياءه من أن «انتقاد إسرائيل موضوع محظور في السياسة الأمريكية، وبالخصوص في الكونغرس».
لا يجب أن ننسى أن الوجه الآخر لكل هذه المكارثية والانحياز وقلة الضمير ورودٌ على الأدراج، واستقالات، وتضامن ومطالبات بوقف النار، وأحياناً أكثر
استقال بول، وظهر تالياً في مقابلة لوكالة الصحافة الفرنسية مستنكراً «تسليم الأسلحة الأمريكية إلى دول ذات سجلات مشكوك في مدى احترامها لحقوق الإنسان».
كذلك تحدث بول عن غياب «مجال للنقاش أو الكلام حول هذا الموضوع، على عكس ما كان عليه الأمر دائماً بالنسبة للقضايا الأخرى التي واجهتها». وأشار إلى أن كثيراً من الموظفين «لا يريدون لحياتهم المهنية أن تدمر لاتخاذهم موقفاً في هذا النزاع».
المناخ إذن، في الخارجية، كما في الكونغرس، وأكيد في أمكنة أخرى عديدة من الولايات المتحدة، مناخ مكارثي، يدعم فيه نواب الكونغرس، الجمهوريون والديمقراطيون على السواء، إسرائيل، ولا يتسامحون مع أي نقد لها، وسرعان ما يصنفونه على أنه معاداة للسامية.
الموقف الرسمي للغرب مفاجئ ويستعصي على التفسير، كيف نفهم هذا التواطؤ غير المحدود مع الجريمة الإسرائيلية، إلى حد قمع أي صوت مهما كان هامساً. ولأن المرء لا يؤمن بأسطورة «بروتوكولات حكماء صهيون»، لن يجد تفسيراً للتواطؤ (ماكرون اهتدى أخيراً وطالب بوقف إطلاق النار والتوقف عن قتل المدنيين، وفي اليوم التالي سارع للاتصال بمسؤولي الدولة العبرية للتبرير والتفسير)، إلى حد لا تفهم منه إلا أن إسرائيل تتصرف كما لو أن عندها «مستمسكات» على العالم.
ولكن هل يعني ذلك أن علينا فقدان الأمل نهائياً؟ أبداً، فلا يجب أن ننسى أن الوجه الآخر لكل هذه المكارثية والانحياز وقلة الضمير أن هناك من يضع وروداً على الأدراج، ومن يستقيل، ويتضامن ويطالب بوقف النار، وأحياناً أكثر.
الغرب ليس واحداً. في ظله، وبين جنباته، هنالك بقية من ضمير ترفع لها القبعات.
من أبسط قواعد التربية أن نتوقف إذا مرّت جنازة، نصمت، ريثما تمرّ. كذلك إن كان صاحب العزاء جاراً لنا، ستتطلب قواعد الجيرة ألا نرفع صوت أفراحنا
أليسا
ردت المغنية اللبنانية أليسا بغضب على منتقديها لاستمرار حفلاتها الغنائية من دون اعتبار للحدث الفلسطيني، الذي يشغل العالم الآن، شرقه وغربه. اعتبرت أليسا أن مطالبتها بالتوقف ليست سوى مزايدة بالوطنية. فبحسبها، ما دام المهندس والمحامي والمصرفي وصاحب المطعم مستمرين في العمل ستستمر.
لكل الناس الحق في العمل والحياة وتحصيل حق العيش، والحق في أن يحزنوا أو لا، فلا إكراه بالحزن والتضامن وذرف الدموع. لكن من أبسط قواعد التربية، في بلادنا على الأقل، أن نتوقف إذا مرت جنازة، نصمت، ريثما تمر. كذلك إن كان صاحب العزاء جاراً لنا، ستتطلب قواعد الجيرة ألا نرفع صوت أفراحنا.
على أي حال، ليست أليسا وحدها، فهذا بيومي فؤاد، الممثل المصري الذي انتقد مواطنه الفنان محمد سلام المنسحب من عرض مسرحي في موسم الرياض، لأنه لم يستطع في مثل هذه الظروف أن يمارس الرقص والزمر على المسرح.
ومثل أليسا وبيومي، هنالك جمهور طويل عريض، لولاه لما كانت المواسم أصلاً. لولاه لما تجرأ أحد في عز الفجيعة أن يدبك، وبالعكس، كان عليه (الجمهور) أن ينتبه جيداً للفنان صاحب الإحساس المهموم بآلام الناس، ويقابله على أساس ذلك، حباً بحب، وتجاهلاً بتجاهل.