الفصائل العراقية… أزمة الهجمات على القوات الأمريكية
عاد التوتر بين الفصائل الشيعية الولائية القريبة من طهران، والقوات الأمريكية الموجودة في العراق وسوريا، إثر اندلاع الحرب في غزة بعد عملية طوفان الاقصى في7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. إذ تعرضت القوات الأمريكية إلى ضربات بالصواريخ والطائرات المسيرة نتيجة الموقف الداعم لإدارة بايدن لإسرائيل في عدوانها على غزة، وقد قرأ المراقبون تلك الضربات على أنها رسائل إيرانية تدعم حركة المقاومة الإسلامية في غزة لتبين لها إنها تقاتل إلى جانبها في عدة جبهات لتخفيف الضغط على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد أحصت مصادر مطلعة أكثر من ستين ضربة عسكرية تلقتها القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وقد أفادت سابرينا سينغ نائبة المتحدث باسم البنتاغون، بأن القوات الأمريكية تعرضت لنحو 66 هجوما منذ 17 أكتوبر (32 هجوما في العراق و34 في سوريا) وقالت إن الهجمات أوقعت على نحو تقريبي 62 جريحا في صفوف القوات الأمريكية.
لهجة بعض الفصائل الولائية أصبحت أكثر حدة تزامنا مع الهدنة المؤقتة التي تمت في غزة، ونفت عدة تصريحات لمسؤوليها، العلاقة بين هجمات ميليشياتهم والحرب الدائرة في غزة
لم ترد الولايات المتحدة طوال المدة السابقة، بل اكتفت بتنبيه حكومة السوداني في بغداد إلى خطورة استمرار الضربات الصاروخية التي تتلقاها قواتها في العراق، وطالبت حكومة بغداد باتخاذ إجراءات حازمة لضبط الميليشيات الموالية لطهران، وقد أشارت بعض التسريبات إلى أن أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في زيارته الخاطفة لبغداد، كان قد حمّل السوداني رسالة لطهران تطالبها فيها بكف أذرعها عن الدخول في الصراع، وإلا فإن رد واشنطن سيكون قاسيا إذا استمرت الضربات الموجهة للوجود الأمريكي في المنطقة، وفعلا حمل رئيس الوزراء العراقي رسائل الإدارة الأمريكية لطهران في زيارته الأخيرة، وقد أشارت بعض التسريبات إلى أن السوداني أكد لقادة الإطار التنسيقي الشيعي في العراق جدية واشنطن في تهديداتها بالرد على عمليات استهداف قواتها في العراق، وأكد أن هذا الأمر ناقشه مع الجانب الإيراني في زيارته إلى طهران، وطلب من القيادة الإيرانية السياسية والدينية التدخل للضغط على بعض الفصائل لإيقاف الهجمات. وأضافت مصادر مقربة من مركز صنع القرار في بغداد، أن السوداني طلب من قادة الإطار التنسيقي الضغط على الفصائل المسلحة لإيقاف الهجمات ضد الأمريكيين، كونه أعطى تعهدات إلى الجانب الأمريكي بإيقاف تلك الهجمات خلال المرحلة المقبلة، مشددا على أنه سيكون هناك رد أمريكي واسع يشمل ضرب بعض الفصائل، وقد يمتد إلى فرض عقوبات اقتصادية على العراق. لكن يبدو أن بعض الفصائل الولائية اخترقت قواعد الاشتباك عندما استعملت في ضرباتها الأخيرة صواريخ ايرانية قصيرة المدى أصابت قاعدة عين الأسد الجوية وتسببت في جرح عدد من العسكريين الأمريكيين، مما أغضب الإدارة الأمريكية ودفعها للرد هذه المرة. وقد أكد مسؤول عسكري أمريكي يوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن القوات الأمريكية في العراق «ردت دفاعا عن النفس» بعد تعرضها لهجوم في قاعدة عين الأسد الواقعة في غرب البلاد، أسفر عن «إصابات طفيفة» بين الجنو،. فضربت معسكرين للحشد الشعبي في منطقة أبي غريب غرب العاصمة بغداد. كما صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بات رايدر في بيان رسمي جاء فيه، إنه «بعد تعرض قاعدة عين الأسد العراقية التي تضم جنودا أمريكيين لهجوم بصاروخ بالستي قصير المدى، من دون أن يسفر عن قتلى، شن الجيش الأمريكي ضربة على آلية لميليشيا تدعمها إيران وعدد من المقاتلين المدعومين منها والضالعين في هذا الهجوم».
لكنّ تغيرا لافتا في الهجمات على القوات الأمريكية حدث يوم الخميس 23 نوفمبر الجاري، إذ أفاد مصدر أمني بتعرض قاعدة عين الأسد التي تضم وجودا عسكريا أمريكيا إلى هجوم مباشر من جهة مسلحة عراقية بالأسلحة المتوسطة، وأضاف المصدر أن المجموعة المسلحة أطلقت قذائف (آر بي جي) نحو القاعدة أعقبته اشتباكات أدت إلى سقوط أحد المهاجمين، وقد تبنت جهة مسلحة تظهر أول مرة، على ساحة الصراع تطلق على نفسها «مجموعة الظافرين» الهجوم والاشتباك مع القوات الأمريكية، وربما كان الاسم وهميا، وأن الغاية منه إبعاد الاتهام عن ميليشيات عاملة في هيئة الحشد الشعبي في العراق.
ضربة أمريكية أخرى ذكّرت بضربة الولايات المتحدة التي اغتالت بها الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد مطلع عام 2020، إذ هاجمت طائرة مسيرة فجر الثلاثاء 21 نوفمبر مركبة تابعة لفصيل ضمن قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران غرب بغداد، وفق ما أفاد به مصدران أمنيان لوكالة الأنباء الفرنسية. وقال مسؤول أمني في وزارة الداخلية العراقية لوكالة الأنباء الفرنسية، إن «مركبة للحشد الشعبي استهدفت بطائرة من دون طيار على الطريق السريع في أبو غريب. وكانت السيارة ضمن رتل مكون من أربع سيارات مما أدى إلى إصابة شخص وإحداث أضرار في السيارة». موقف حكومة السوداني أصبح حرجا جدا بعد التصعيد الأخير، وبعد أن تمتعت هذه الحكومة طوال سنة من عمرها باستقرار أمني نتيجة توقف الفصائل المسلحة القريبة من طهران عن مهاجمة القواعد والمصالح الأمريكية، لأن هذه الفصائل داعمة، بل مشاركة في حكومة السوداني، لكن الموقف بعد «طوفان الأقصى» أصبح ملتبسا، فبينما تهدد حكومة السوداني باعتقال أي شخص أو فصيل يعتدي على القوات الأمريكية الموجودة بشكل قانوني في العراق، تقوم أطراف من الفصائل المسلحة المشاركة في الحكومة بإطلاق المسيرات والصواريخ على المعسكرات التي يوجد فيها العسكريون الأمريكيون. حكومة بغداد لم تستطع أن تقف متفرجة على الضربة الأمريكية لمعسكرين للحشد الشعبي، وأسفرت الغارات الأمريكية عن مقتل ثمانية مقاتلين، حسب الحصيلة التي كشفت عنها كتائب «حزب الله» العراقية، فما كان من حكومة السوداني إلا أن تدين وتشجب وتستنكر هذه الضربة، وهي لا تملك أن تفعل أكثر من ذلك. اللافت في الأمر أن لهجة بعض الفصائل الولائية قد تصاعدت وأصبحت أكثر حدة تزامنا مع الهدنة المؤقتة التي تمت في غزة، ونفت عدة تصريحات لمسؤولين في الفصائل الشيعية، العلاقة بين الهجمات التي تشنها ميليشياتهم والحرب الدائرة في غزة، إذ صرح المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي قائلا، إن الهدنة بين حماس وإسرائيل، لا تشمل المقاومة العراقية. وقال في تصريح رسمي؛ «إن هناك خرقا للسيادة العراقية وشهداء سقطوا من الحشد، وبالتالي فإنه لا يمكن أن تكون هناك هدنة من دون تحمل مسؤولية الدماء والسيادة». أما الأمين العام لحركة النجباء أكرم الكعبي، فقد أكد أنه صار واجبا على الجميع إعلان الحرب على أمريكا وإخراجها من العراق. وقال الكعبي في بيان رسمي؛ «بعدما أقدمت قوات الاحتلال الأمريكي على جريمة إراقة الدماء لأبطال المقاومة الإسلامية والحشد، الذين قاتلوا «داعش»، صار واجبا على الجميع إعلان الحرب عليها وإخراجها ذليلة من العراق ولا عذر لأحد بعد»، ورأى الكعبي أن «على كل المعنيين بالشأن السياسي، العمل الجاد والواضح لإنهاء الاتفاقية التي وصفها بالمشؤومة مع الاحتلال، وعدم الاكتفاء بمواقف وإجراءات شكلية كرفع دعاوى قضائية أو الاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار، أو الاحتفاظ بحق الرد، التي لا تنسجم مع العراق المقتدر»، داعيا إلى «فرض السيادة مع مجرم عالمي لا يعترف بالقضاء»، وقد شدد الكعبي على أنه «لا يمكن القبول بأي وجود أمريكي وبأي شكل من الأشكال سواء كان بصفة قوات قتالية أو مستشارين أو فنيين». فهل تستطيع حكومة السوداني لجم فورة الفصائل الولائية ومنع اشتعال الصراع؟ هذا ما سنقرأه في المقبل من الأحداث.