«توبة» الطاهر بن جلون… ونصيحته لماكرون: انسَ الجزائر وتصالحْ مع المغرب!
بعد شهر ونصف من «سقطة» الكاتب المغربي الفرنكفوني الطاهر بن جلون، التي تهجّم فيها على عملية «طوفان الأقصى»، واعتباره أن القضية الفلسطينية «ماتت واغتيلت» يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ووصفه المقاومةَ بالهمجية وارتكاب أفعال «لا ترتكبها حتى الحيوانات»؛ جاء ليكفّر عن ذنبه تجاه فلسطين، الذي عبّر عنه في مقال في مجلة «لوبوان» اليمينية، متزلفًا إلى الصهاينة ومَن يدور في فلكهم.
ومن ثم، اختار الشخص نفسه قناة «تي في 5 موند» الفرنسية ليكون ضيفًا عليها؛ فهل يتعلق الأمر بصحوة ضمير متأخرة؟ أتُراها تحركت المشاعر المرهفة للكاتب الفرنكفوني الذي يرضع من ثديي أمه «فرنسا»؟
أم إن هذه الخطوة مجرد محاولة لامتصاص غضب الغاضبين وسخط الساخطين على موقفه البئيس والمتخاذل تجاه حرب الإبادة الصهيونية في حق الفلسطينيين؟
كلّ ما في الأمر أن الطاهر بن جلون وجد نفسه ـ على ما يبدو ـ محرجًا أمام إجماع شعوب العالم الحر على إدانة المجازر الصهيونية، فاختار ركوب الموجة، حتى لا يبقى في حالة شرود مثير للريبة، بل والاتهام. وهكذا، طالب بوقف إطلاق النار في غزة وعدم مواصلة قصف المدنيين، ونعت ما تقوم به إسرائيل بكونها «جرائم ضد الإنسانية».
كما استرجع الحقيقة التي تؤكد أن التاريخ في غزة لم يبدأ مع 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ لم تكن الأوضاع على ما يرام في القطاع، ما دام الأمر يتعلق بشعب مُستعمَر. وسعى إلى إمساك العصا من الوسط، بالقول إنه أدان عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، التي قامت بها «حماس» حين اعتدت ـ وفق زعمه ـ على الأطفال والنساء اليهود، ولكنّ ذلك ليس مبررا لمعقابة شعب بأكمله لا يستطيع الدفاع عن نفسه. إنه «تطهير عرقي جماعي»؛ قالها بن جلون مستعيرًا تعبير مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بين «بن كيران» و»بن جلون»!
وإمعانًا في لعب دور الضحية لكسب تعاطف الناس، لجأ الكاتب الفرنكفوني إلى اختلاق قصة الاستهداف، إذ زعم أن عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربي الأسبق، وأمين عام حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي استباح دمه ودعا إلى قتله. وهو ادعاء مخالِف للحقيقة، فبالرجوع إلى كلام القيادي الإسلامي المسجّل على «اليوتيوب» يتضح أنه تضمّن كلاما لاذعا في حق بن جلون بالقول إنه غير جدير بالاحترام، ولا بشرف الانتماء للمغرب، وكون الطمع يحرّكه من أجل نيل مكاسب شخصية ضيقة فقط. لكن الدعوة إلى القتل لم ترِدْ في الفيديو مطلقًا.
تلك الادعاءات دفعت القيادي الإسلامي إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إلى نشر رسالة باللغة الفرنسية موجّهة إلى الطاهر بن جلون، مما جاء فيها: «صحيح أن حديث بن كيران تضمن انتقادات شديدة، ولكن بطريقة مستحقَّة إلى حد كبير إزاء بن جلون بعد مقالته حول المقاومة الفلسطينية. غير أنه لم يحدث في أي وقت من الأوقات، أن وجّه بن كيران دعوة لقتل الشخص المذكور».
وعلّق الأزمي قائلا: «هذه كذبة كبيرة واتهام كاذب خطير لا يضرّ بابن كيران فحسب، بل أيضاً بصورة المغرب الذي تدّعي أنك تحبه كثيراً يا بن جلون!»
وبعدما وجّه القيادي الإسلامي الانتقاد لكلام الطاهر بن جلون حول نظرته السلبية إلى فترة قيادة الإسلاميين للحكومة المغربية، خاطبه بالقول: «اسأل نفسك السؤال ذاته: ماذا فعلت أنت، المثقف الفرنسي المغربي والعضو البارز في أكاديمية «غونكور» الفرنسية، هل هناك شيء ملموس ومفيد خلال عقود من مسارك، قدّمته لهذا المغرب الذي تقول إنك تحبه كثيرا؟!»
الملاحظ أن الكاتب الفرنكفوني أعطى أحكام قيمة عامة عن المغرب، فهو من جهة اعتبر أن الجوانب الإيجابية لهذا البلد تتمثل في القطار فائق السرعة والطرق السيارة والمناطق الاقتصادية الحرة ومحطات الطاقة الشمسية، وكذلك في الملابس والطعام وبعض المظاهر الثقافية. ومن جهة أخرى، ذهب إلى القول إن البلاد مليئة بالرشوة والسرقة وشراء المقاعد الانتخابية وأحكام القضاء، ومليئة كذلك بالأفكار الإرهابية «الداعشية».
لقد اختصر الرجل المغربَ في نساء يرتدين «البرقع»، ويمارسن السباحة بـ»قفاطين» و»جلابيب»، فيما رجالهنّ الملتَحون يَسبَحون بلباس السباحة. إنه يروّج صورًا غرائبية عن المغرب، تلك الصور التي يفضلها الغرب، ويشجّع على نشرها، ويجازي من يفعل ذلك خير الجزاء!
كاتب في جبّة سياسي!
ورغم أنه قال إنه ليس رجل سياسة، وإنما هو كاتب إنساني؛ فقد كان معظم حديثه التلفزيوني سياسيا محضا، ومن ذلك قوله إنه دعا إيمانويل ماكرون إلى بدء صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب، وقال إنه اقترح على زوجة الرئيس الفرنسي، السيدة بريجيت، الاعتراف بمغربية الصحراء. هو يريد التأثير على قصر الإليزيه من باب قلب السيدة الأولى!
وفي رأي الطاهر بن جلون، مهما فعلت فرنسا تجاه الجزائر، فستظلّ هذه الأخيرة مناوئة لها وتمارس الضغط عليها وتوجّه الاتهامات لها. وإمعانا في نكئ الجراح، استعاد ضيف «تي في 5 موند» التصريحات التي كان ماكرون قد أطلقها، فأثار زوبعة من السخط والغضب، حيث زعم أن الجزائر قامت بعد استقلالها عام 1962 على نظام «ريع الذاكرة» الذي كرّسه «النظام السياسي العسكري» فيها.
وذهب إلى القول إن ذلك النظام هو الذي أعاد كتابة التاريخ الاستعماري الفرنسي للبلاد بمرجعية نابعة من «كراهية فرنسا»، إذ قدّم للشعب الجزائري «تاريخا رسميا لا يستند إلى حقائق». لكنّ ماكرون سرعان ما لجأ إلى الاعتذار، مؤكدًا احترامه للجزائر، وموضحًا أنه لا يمكن تزوير التاريخ.
لذلك، حسب بن جلون، يتعين على ماكرون أن يُدير ظهره للجزائر التي لا يُرجى منها خير لفرنسا، وأن يحذو حذو أمريكا وإسرائيل وعدد من البلدان الغربية التي اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء. ولكن ماكرون ما زال يرفض ذلك لحد الآن؛ يعلّق الطاهر بن جلون!
لقد كان حريا بهذا الكاتب الفرنكفوني أن يبتعد عن حسابات السياسيين ومنطقهم الخاص الذي تتحكم فيه المصالح والتوازنات، وأن يركّز على ما يقرّب أكثر بين الشعبين المغربي والجزائري. تلك هي مهمة الكتاب والمثقفين في البلدين معا، حيث لم يعد هناك داعٍ للتفرقة والحروب الكلامية.
واللافت للانتباه أنه بالموازاة مع تلك اللغة المتخشبة التي وردت على لسان الطاهر بن جلون، انتشرت هذه الأيام فيديوهات تتضمن تصريحات سبق للمدرب الجزائري عبد الحق بنشيخة أن أدلى بها لوسائل إعلام مختلفة، حيث أثنى على كرم المغاربة وتعاملهم الراقي معه، لا سيما بعدما كان مدربا للعديد من الفرق المحلية في المغرب.
فهل تصلح الرياضة والثقافة والفنون ما أفسدته السياسة ووسائل الإعلام بين الجيران؟