هل ستضغط واشنطن على تل أبيب لوقف الحرب؟
قال المتحدث باسم البيت الأبيض يوم الخميس 14 كانون الأول/ديسمبر الجاري، إن الولايات المتحدة تسعى لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس «في أقرب وقت ممكن». في الوقت الذي ضغط فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في زيارته الأخيرة، لإسرائيل على حكومة نتنياهو للتخفيف من حملتها العسكرية العنيفة والتركيز بدلا من ذلك على عمليات محددة. وفي لقاء مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، قال سوليفان إن إدارة بايدن تريد من الجيش الإسرائيلي إنهاء المرحلة الحالية من القتال «العنيف» في غزة في غضون أسابيع.
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير صحافي، إن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لإنهاء القتال واسع النطاق بحلول نهاية العام. ووفقا للتقرير، تريد الإدارة أن تعتمد المرحلة التالية من القتال على مجموعات أصغر من قوات النخبة الإسرائيلية، التي ستدخل المناطق المأهولة بالسكان في غزة لتنفيذ مهام محددة لتحديد مواقع قادة حماس وقتلهم او أسرهم، وإنقاذ الرهائن وتفكيك أنفاق حماس قبل الانسحاب. كما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الأسبوع من أن الرأي العام الدولي يتأرجح ضد إسرائيل، بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة. وقال مسؤولون أمريكيون إن البيت الأبيض يضغط خلف الأبواب المغلقة من أجل إنهاء أسرع للمرحلة شديدة الكثافة من الحرب.
وقبل رحلته الى القدس، قال جيك سوليفان في إحدى فعاليات «وول ستريت جورنال»، إنه سيناقش جدولاً زمنياً لإنهاء الحرب ويحث القادة الإسرائيليين على «الانتقال إلى مرحلة مختلفة عن نوع العمليات عالية الكثافة التي نراها اليوم». كما صرح في مؤتمر صحافي في القدس قائلا: «سيكون هناك انتقال إلى مرحلة أخرى من هذه الحرب، مرحلة تركز بطرق أكثر دقة تعتمد المعلومات الاستخباراتية لاستهداف قيادات حماس في قطاع غزة». وتشمل أهداف الحرب الإسرائيلية قتل أو أسر أهم قيادات حماس في غزة، وهم كل من زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، ومحمد ضيف مسؤول الجناح العسكري لحماس، الذي كان العقل المدبر لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومروان عيسى الرجل الثاني في قيادة حماس الميدانية. وتأتي اجتماعات سوليفان في إسرائيل في أعقاب الكشف عن قيام الجيش الإسرائيلي بتوزيع منشورات في غزة تعرض مكافآت كبيرة مقابل معلومات حول مكان وجود كبار قادة حماس، بما في ذلك 400 ألف دولار مقابل رأس الزعيم السياسي لحماس يحيى السنوار، و100 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجود القائد العسكري محمد الضيف. وقال سوليفان إنه ناقش توقيت الانتقال الى المرحلة الثانية من الحرب في غزة في اجتماعاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب والقادة العسكريين يوم الخميس 14 ديسمبر الجاري. وأضاف «متى سيحدث ذلك بالضبط وتحت أي ظروف بالضبط ستكون هناك مناقشات مكثفة مستمرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل». لكن الرد الاسرائيلي الرافض لمزاعم سوليفان جاء سريعا على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي قال إنه أبلغ سوليفان أن الحرب ستستمر «لعدة أشهر». وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «لقد قلت لأصدقائنا الأمريكيين، إن مقاتلينا الأبطال لم يسقطوا عبثا. ومع الألم العميق الناجم عن سقوطهم، نحن اليوم أكثر تصميما من أي وقت مضى على مواصلة القتال، حتى يتم القضاء على حماس، وحتى النصر المطلق». كما أشار نتنياهو إلى إن هناك «خلافا» مع واشنطن بشأن كيفية حكم غزة بعد الحرب، واقترح أن تحتفظ إسرائيل «بالمسؤولية الأمنية الشاملة» عن القطاع. لكن استطلاعا للرأي بين الإسرائيليين نُشر في يوم زيارة سوليفان، كشف عن استياء واسع النطاق من تعامل نتنياهو مع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال الحرب. فحوالي 43 في المئة لا يوافقون على معاملة نتنياهو لبايدن مقابل 36 في المئة يؤيدون تصرفات نتنياهو، بحسب استطلاع أجرته «معاريف» و»جيروزاليم بوست»، وقد حاول جيك سوليفان أن يتدارك الموقف المحرج الحاصل نتيجة تضارب تصريحاته مع تصريحات إدارة نتنياهو، إذ صرح في مقابلة مع القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية» قائلا: «ليس هناك تناقض بين القول بأن القتال سيستغرق شهورا، والقول أيضا إن مراحل مختلفة ستحدث في أوقات مختلفة خلال تلك الأشهر، بما في ذلك الانتقال من العمليات عالية الكثافة إلى عمليات أكثر استهدافا، وستواصل إسرائيل بذل جهودها العسكرية لملاحقة حماس لبعض الوقت، لأنها، على سبيل المثال، ستواصل مطاردة كبار قادة حماس، السنوار وضيف وعيسى، ونحن لا نعرف بالضبط كم من الوقت سيستغرق ذلك».
تتزايد الانتقادات على أمريكا بسبب الدعم المفرط لحكومة نتنياهو، لذا ستضغط عليهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات، لأن حل الدولتين هو المخرج الوحيد من الأزمة القاتلة التي يعيشها الجميع
وردا على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد «ترفع إشارة التوقف»، أجاب سوليفان: «أنا لست هنا لإلقاء محاضرة أو إملاء شروط، إسرائيل صديق وشريك، نجلس ونتشاور ونتحدث كأصدقاء. والرئيس بايدن يتحدث مع رئيس الوزراء نتنياهو كصديق.. نحن نعمل عبر ما نعتبره مزايا وعيوب استراتيجية وتكتيكية لمختلف مسارات العمل.. ونحن نقدم مدخلاتنا».
من جانبه أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي أن، «واشنطن لا تملي شروطا على إسرائيل، وأن الجدول الزمني الذي قدمه غالانت متسق مع ما قاله المسؤولون الإسرائيليون في السابق، لكن أثناء وجوده في إسرائيل، طرح سوليفان أسئلة صعبة على المسؤولين الإسرائيليين حول مسار هجومهم على قطاع غزة». وقد انتقل جيك سوليفان من القدس إلى رام الله، حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وناقش معه الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار في الضفة الغربية، بما في ذلك الإجراءات المستمرة ضد الإرهاب والتحريض، بالإضافة إلى الإجراءات الأخيرة لمواجهة عنف المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين. بدوره دعا عباس إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة «من خلال وقف إطلاق النار الفوري»، وتجنيب المدنيين القتال، مؤكدا على أن «القطاع جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية». وعلى الرغم من استمرار المجزرة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة لأكثر من شهرين، واستشهاد حوالي 20 ألف فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال، وجرح أكثر من 50 ألف مدني، لم تحقق حكومة نتنياهو أيا من وعودها التي أطلقتها مع بدء العدوان. إذ لم تتمكن من تحرير الرهائن إلا بالتفاوض، ولم تستطع أن تقتل أو تعتقل أيا من قيادات المقاومة الإسلامية في القطاع. ومع ذلك صرحت جهات رسمية إسرائيلية، بإنها قتلت 7000 مقاتل من حماس، واعتقلت مئات آخرين، واتخذت إجراءات لحماية المدنيين، بما في ذلك نشر خرائط للمناطق الآمنة، إلا أن للكارثة وجه آخر يبينه فيليب لازاريني رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الذي أشار في مؤتمر صحافي في جنيف إلى أن، «في كل مكان تذهب إليه، يشعر الناس باليأس والجوع والرعب، نحن نتأرجح على حافة انهيار محتمل. قد نصل إلى الحد الأقصى لدينا.. لماذا؟ لأن هناك المزيد والمزيد من انهيار النظام المدني». وفند لازاريني مزاعم إسرائيل الكاذبة لمنع دخول المساعدات إلى غزة عندما قال، إنه «لم يسمع عن اختطاف حماس لأي شاحنات تابعة للأمم المتحدة، أو الأونروا كما تزعم إسرائيل».
وعلى صعيد متصل أكد نائب المندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي في لقاء تلفزيوني أن، «الكل منزعج من الوضع، وكلنا نريد وقف المجزرة والاقتتال، ونساعد سكان غزة، لكن لا نستطيع أن نقوم عبر الأمم المتحدة باتخاذ القرارات، التي كان من شأنها أن تجبر إسرائيل على أن توقف تصرفاتها»، جازما أنه «مع ذلك لا أحد يقوم بالاستسلام، ويجب أن نواصل الضغط على الأمريكيين وبلورة رأي عام، وهذا الامر ساعدنا في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ صوت 153 بلدا على مقترح وقف إطلاق النار، وهذا مؤشر جاد على الموقف من الحرب الدائرة وتجاهل كل ذلك سيصبح صعبا على الأمريكيين». ويشير عدد من المراقبين الى إن الأمريكيين يشعرون بأن الضغوط تتزايد عليهم بسبب الدعم المفرط لحكومة نتنياهو في جرائمها ضد الإنسانية، التي ترتكبها في غزة، وهذا الأمر يجب أن يؤدي إلى وضع لن تتمكن فيه أمريكا من دعم أنشطة إسرائيل، وستصر على وقف العملية العسكرية بسرعة وستضغط على إسرائيل للجلوس إلى طاولة المفاوضات، لأن حل الدولتين يمثل المخرج الوحيد من الأزمة القاتلة التي يعيشها الجميع.