بالفيديو/باحث كردي يدحض خرافة العلاقة بين السومريين والأكراد!
علاء اللامي*
محاضرة جريئة للباحث السوري الكردي فاروق إسماعيل حول الكرد والتاريخ يدحض فيها أوهاماً وتلفيقات ومبالغات كثيرة لأشخاص لا علاقة لهم بعلوم التأريخ والإناسة والآثار واللغات القديمة: يُعتبر الباحث الانثروبولوجي والمؤرخ والأستاذ الجامعي د. فاروق إسماعيل سوري (كردي) من الباحثين والمؤرخين المتخصصين الشجعان والمخلصين للمنهج العلمي. وهو بهذه الصفات ربما سيواجه بعض ما واجهه الباحث الراحل والشجاع بهنام أبو الصوف حين وقف بوجه العابثين بتواريخ الشعوب والمهرجين والساعين إلى الشهرة فشنوا عليه وقتها حملة ظالمة لأنه قال لهم: “لا علاقة لكم ولنا بالآشوريين والكلدانيين القدماء فنحن سريان آراميون نسطوريون تحولنا إلى مذاهب مسيحية أخرى!”.
والمثير للإعجاب في أداء الباحث فاروق إسماعيل هو أنه حين شنت ضده الحملة المتوقعة من التشنيع والتحريض من طرف أولئك الذين كشف حقيقتهم من متعالمين وجهلة يحشرون أنوفهم في الشؤون العلمية التي يجهلون كل شيء عنها ويكتبون عنها بدوافع أيديولوجية وحزبية وقومية متطرفة لم يتراجع أو يتنازل عن أحكامه العلمية ففي محاضرة ثانية له تحدث وبنبرة حزينة عما قيل عنه ولكنه ظل صلبا علميا وكرر كلامه وأحكامه دون أي مساومات ويختمها بالقول “هناك من اتهمني بالإساءة الى قومي الكرد والعلماء الكرد والحط من شأنهم وأنا أقول إنَّ من يسيئون للكرد وللعلوم الحديثة هم أولئك الذين ينشرون الآراء الخاطئة وغير العلمية حتى إذا كانوا يحملون شهادات أكاديمية رفيعة”!
الباحث فاروق إسماعيل يُعَدُ من أبرز المختصين في اللغة الأكّادية والكتابات المسمارية، والنقوش الآرامية والفينيقية، كما يهتم بالنقوش اليمنية القديمة والمخطوطات الكردية وقد مارس التدريس في عدد من الجامعات السورية والعربية كاليمن والعالمية في تركيا وألمانيا. وتأتي محاضرته هذه لتكشف عن الأوهام والخرافات والتلفيقات والمبالغات التي انتشرت في السنوات الأخيرة حول الكرد ودورهم في التاريخ وذهب بعضها إلى جعل الأكراد أحفاد من نسل السومريين وهم الشعب الغامض والمشكوك بوجوده أصلا.
في هذه المحاضرة – الأولى – التي نستعرضها هنا يسجل الباحث وبصرحة أن هناك نزعة عنصرية لدى بعض الكتاب والباحثين الكرد في دراسة وكتابة التأريخ، وأن هناك محاولات في هذه الكتابات للربط العرقي بين الكرد والشعوب القديمة في المنطقة كالسومريين وغيرهم وقد أصبح هذا هو الهم الأساسي في كتابة التاريخ.
ثم يتساءل: هل هي محاولة لإثبات الوجود؟ ولكن إثبات الوجود لا يكون بهذه الطريقة. ويضيف: وقد يقول قائل إن جيراننا يفعلون ذلك ويزورون ويشوهون وأنا لا أرى أن ذلك الأمر مبرر.
ويضيف الباحث: “مَن يكتب التأريخ الكردي؟ الآن، كثيرون هم مَن يكتبون تأريخنا الكردي ولكن هل تتوافر فيهم صفات المؤرخ الحقيقي أو حتى هاوي التاريخ؟ لا أعتقد ذلك. ثم يذكر تلك والصفات فيقول إن كتابة التاريخ تعتمد على مثلث قاعدته العمل الأثري الذي يكتشف مخلفات الإنسان القديم أيا كان عرقه. وكذلك ما كتبه ذلك الإنسان وما بناه وأبدعه من فنون وآداب. ثم يأتي اللغوي ليقرأ تلك الآثار والكتابات ويترجمها ويحللها ثم يأتي المؤرخ ليكتب التاريخ في ضوء تلك المكتشفات والنصوص المترجمة.
يذكر المحاضر أن أول من كتب عن الكرد أو ذكرهم في كتاب هو شرف خان البدليسي في كتابه “شرفنامه”، وذلك في أواخر القرن السادس عشر الميلادي. وكتب كتابه هذا بين (1597 وحتى سنة 1599) وهذا تأريخ متأخر نسبيا أي قبل أربعة قرون ونيف. وليس هناك أي عمل مكتوب عن تاريخ الكرد قبل ذلك. والبلديسي كان أميرا كرديا ولكنه لم يكن يعرف اللغة الكردية، وكان يعيش في المنفى في بلاط الصفويين في إيران قبل أن يغير ولاءه ويصبح مواليا للعثمانيين وقد ألف كتابه باللغة الفارسية وبالحروف العربية.
*ولد شرف خان البدليسي في قرية كرهرود أحد نواحي محافظة اراك في إيران عام 1543 للميلاد وعند بلوغه التاسعة من العمر تلقى تعليمه في البلاط الصفوي في زمن الشاه طهماسب وفي عام 1576 قام شاه طهماسب بتلقيبه بلقب أمير الامراء وأوكل إليه قيادة جميع العشائر الكردية الإيرانية قبل شرف خان بلقبه الجديد ولكنه بعد سنتين غير موقفه وأصبح مواليا للعثمانيين في حروبهم ضد الصفويين فقام السلطان العثماني مراد الثالث بتلقيب شرف الدين بلقب الخان ونصبه أميرا على بدليس في عام 1583 وفي عمر 52 عاما قام شرف الدين بتوليه ابنه شمس الدين بك أبو المعالي شؤون الإمارة، توفي في 1005 هـ 1603 م.
*وأول نص كُتب باللهجة الكردية “الكورانية” في إيران هو من القرن الرابع عشر أو الخامس عشر الميلادي هو للشاعر ملايا بريسان كتب شعراً ومصنفات دينية شيعية بعنوان (فيرسان نامه).
في المراحل التالية، وحين أصبح بين الكرد مثقفون ومتعلمون بدأ البعض بالاهتمام بالتاريخ وكتابة التأريخ. ولكنهم فقدوا الموضوعية التي كان عليها محمد أمين زكي. وأصبحنا نسير إلى الوراء من حيث المنهج. وبدأت تظهر أفكار عنصرية وشوفينية كما كان يكتب التأريخ بعض الفرس وبعض العرب في تقليد غير مبرر تماما لهؤلاء.
بعض الكرد ممن تخرجوا من الدول الاشتراكية كروسيا وبلغاريا وحملوا شهادات الدكتوراة ولكنهم لم يمتلكوا من العلم ما يكفي. فخلطوا في المعلومات واعتبروا كل الشعوب التي وجدت في إقليم كردستان هي شعوب كردية. حتى الآشوريين جعلهم جمال رشيد أحمد من أسلاف الكرد وكتابات آرامية واضحة جعلها كردية لمجرد أنها وجدت في منطقة هورمان الكردية. ثم ظهر بين الكرد ما يشبه ما ظهر عند العرب من كُتاب من موضة فاضل الربيعي وأحمد يوسف داود وبهجت قبيسي. وفي سنة 1992 ظهر كتاب ” ذه كرد” لمهريداد إزادين. وفيه كتب عن تاريخ الكرد للفترة الممتدة من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد حتى أربعمائة ق.م، واختصر كل هذه القرون في أربعين صفحة فقط بمعلومات عامة جدا مستقاة في معظمها من مقالات متفرقة. وقد تبين أن الرجل ليس متخصصا في التأريخ بل كان متخصصا في الاستشعار عن بعد ويكتب في الجغرافيا والتاريخ ويعمل في الجيش الأميركي وحلف الناتو في العراق وأفغانستان!
ويعدد المحاضر بعض الكتب عن الكرد التي كتبها أجانب بعضهم ألمان يذكرهم بالاسم حتى سنة 2019. وهي كتب تجارية يحاولون نشرها وترويجها بذكر الكرد في العنوان الرئيس. في السنوات الأخيرة تحسن الوضع قليلا وظهر بعض الباحثين المهتمين بالتاريخ القديم ولكن عددهم قليل قياسا الى عدد الجامعات الموجودة في إقليم كردستان وهو 35 جامعة؛ 17 جامعة حكومية و18 خاصة!
*هناك أيضا مشكلة المندسين الذين قدموا من خارج الاختصاص في التأريخ والدراسة المنهجية، ووسائل الإعلام بيدهم لأنهم يقولون ما يرضي قلوب الكرد ويكتبون على هواهم بلا أية قاعدة تخصصية. ويذكر مثالاً من كرد سوريا فيقول يبدو إننا – كرد سوريا – الأكثر عنصرية من سائر الكرد حتى أن زملاءنا من كرد العراق تعجبوا من درجة العنصرية في مجال التأريخ لدينا نحن الكرد السوريين! فهذا الشخص وهو مدرس تاريخ أصبح نجم الإعلام وهو يقول مثلا إن الإنكلوسكسون يعترفون بأنهم جاؤوا من كردستان، وان المثرائية (هي ديانة رومانية باطنية ترتكز على الإله ميثرا) هي ديانة كردية، وأن المسيحية ظهرت منها، فالميثرا هو المسيح عيسى بن مريم، وجلجامش هو دركاميش الكردي… وتعني كلمة “دركاميش” القوي والضخم، والحيثيون كرد والعيلاميون كرد وووو كلهم كرد!
أما في اللغة فهذا الشخص متخصص أيضاً فقد حول الكثير من الكلمات في اللغات القديمة إلى أصول كردية فكلمة “البروكار” وهو القماش الدمشقي الشهير يقول إنه قماش اخترعه شخص كردي اسمه بروو كان يعيش في دمشق فسموا القماش على اسمه (بروكارد/ بروكردي). وأن هناك كلمات في القرآن هي كردية مثل كلمة ضنك في عبارة (عيش ضنك) هي كردية، حتى كلمة (دين) كردية. ويضيف الباحث فاروق ساخرا؛ أي إنه لم يترك للعرب شيئا!
وهؤلاء كُثُر ومنهم مَن يُدَرِّس في جامعات كجامعة القامشلي! هذه أشياء مضحكة مضحكة إلى درجة البكاء! فقبل أيام كتبت عبارة في محرك البحث على الانترنيت هي “الكرد سومريون” فظهرت أمامي الكثير من المقالات والمواد الإعلامية التي تقول إن السومريين أصلهم كردي ولغتهم كردية وقد ألف أحدهم كتابا قال فيه: مَن يكون السومريون إن لم يكونوا كردا؟ وكأنه ضابط شرطة أمام القارئ ويصيح به: انتبه ووافق على أن السومريين كرد وإلا!
وهناك طبيب أسنان في القامشلي ألف كتابا عنوانه “الألفاظ المشتركة بين السومرية والكردية”! وأنا دَرَسْتُ السومرية لأربعة فصول دراسية في جامعة ألمانية أي لمدة سنتين وأقرأ وأترجم السومرية ولكني لم أجد ما هو مشترك بين السومرية والكردية.
ويختم الباحث محاضرته بالتساؤل عن أصل الكرد فيقول: لا علاقة للبحث في أصول الكرد بالتأريخ بل هو متعلق بعلم الإثنولوجيا ولغرض البحث العلمي وليس للتفاخر وبهذا الخصوص نقول إنَّ الكرد هم أحد الشعوب الإيرانية، شأنهم شأن الشعوب الإيرانية القديمة، مثلهم مثل الفرس والبلوش والطاجيك والإذريين (يقصد أن الكرد شعب من الشعوب الإيرانية وليس شعب فارسي بل إيراني مثل الفُرْس). وقد ارتبط الكرد بسلسلة جبال زاكروس.
إنَّ الذكر الصريح للكرد تأخر حتى القرن الرابع ق.م، وورد لأول مرة في كتابات للمؤرخ اليوناني سترابون. وقد أخطأ الباحث فاروق إسماعيل هنا، فالمعروف أن المؤرخ سترابون ولد في القرن الأول قبل الميلاد ومات في بداية الأول الميلادي وبالتحديد (من 63 ق.م – إلى 24م) وليس في القرن الرابع قل الميلاد.
ويضيف الباحث أن الكرد ذكرهم سترابون بلفظ كاردو أو كردوخي، أما اسم كردستان فقد تأخر ظهوره إلى القرن الثاني عشر بعد الميلاد ففي زمن الحاكم السلجوقي أحمد سنجر اقتطع هذا الحاكم أرضا من إقليم الجبال في إيران حتى سهل شهرزور شرقي السليمانية في العراق وسماها كردستان وعين عليها ابن أخيه حاكما أو أميرا ولكن هذه القطعة من الأرض توسعت لاحقا. وفي هذا الإطار الجغرافي كانت هناك شعوب قديمة ليس لها أية صلة عرقية بالكرد، هي شعوب قديمة كانت تسكن في كردستان القديمة. هذه الشعوب ليست أجداد الكرد ولكنها كانت تسكن في منطقة سكن الكرد فيها لاحقا ومن حق الكرد ومن واجبهم أن يهتموا بتاريخ هذه الشعوب القديمة.
رابط يحيل إلى الفيديو وهو اللغة العربية ماعدا المقدمة باللغة الكردية:
https://www.youtube.com/watch?v=SzugO3MtsY4&t=772s&ab_channel=Ehmed%C3%AAMeymo
رابط لتحميل كتاب “شرفنامه” لشرف خان البدليسي: