العراق: هل يتمكن السوداني من إنهاء الوجود الأمريكي ؟
تصاعد التوتر بين الحكومة العراقية وقوات التحالف الدولي، إثر اغتيال أحد قادة الخط الثاني في ميليشيا النجباء، أحد الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في العراق، وقد نفذت عملية الاغتيال بطائرة مسيرة قصفت سيارة القيادي عندما وصلت لأحد مقار الحشد الشعبي في شارع فلسطين في قلب العاصمة بغداد يوم 4 كانون الثاني /يناير الجاري.
وقد استنكر مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عملية الاغتيال وعدها خرقا للسيادة العراقية، وأعلن في بيان رسمي يوم الجمعة 5 يناير، أن الحكومة العراقية ستشكل لجنة للتحضير لإغلاق مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق. وذكر بيان مكتب رئيس الوزراء أن، «الحكومة ستحدد موعد بدء عمل اللجنة الثنائية لوضع الترتيبات لإنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بشكل دائم». كما قال مسؤول حكومي عراقي إن اللجنة ستضم ممثلين عن التحالف الدولي. وتنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري في العراق في مهمة تقديم المشورة والتدريب للقوات المسلحة العراقية، بهدف منع عودة تنظيم الدولة (داعش) الذي سيطر عام 2014 على مساحات كبيرة من البلد.
التوتر تصاعد بين الولايات المتحدة والفصائل الولائية في العراق، بعد عملية «طوفان الأقصى» إذ تم كسر الهدوء الذي صاحب شهر العسل بينهما
التوتر تصاعد بين الولايات المتحدة والفصائل الولائية في العراق، بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، إذ تم كسر الهدوء الذي صاحب شهر العسل بين الفصائل المسلحة والقوات الامريكية، الذي استمر طوال العام الاول من حكومة محمد شياع السوداني المدعومة من قوى الإطار الشيعية والفصائل المسلحة القريبة من طهران، حيث هدأت ضربات الصواريخ ورشقات الكاتيوشا والطائرات المسيرة التي كانت تضرب السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية، التي يوجد فيها الأمريكيون إبان ولاية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. ويبدو أن توجيه فيلق القدس الإيراني لحلفائه بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على غزة، كان تصعيد الهجمات على الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، إذ شهدت الأيام اللاحقة للهجوم الإسرائيلي سلسلة من الهجمات بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا، استهدفت مواقع وجود القوات الأمريكية في العراق في قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير قرب مطار أربيل في كردستان العراق، وقد تبنت هذه الهجمات الفصائل المسلحة المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني، وكانت إدارة بايدن قد هددت مرارا بانها سوف ترد على هذه الهجمات، وإنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك، بل ستدافع عن نفسها، لذلك كان موقف محمد شياع السوداني الأكثر حرجا، فمن جهة هو مدين بوصوله لسدة الحكم للفصائل الولائية والأحزاب السياسية المنضوية تحت إئتلاف الإطار التنسيقي الشيعي، لذلك هو مطالب بمواقف داعمة لهذه الفصائل والاحزاب القريبة من طهران، لكنه من ناحية ثانية كرئيس للوزراء مطالب بالالتزام بالاتفاقيات الأمنية التي وقعتها الحكومات العراقية المتعاقبة مع الجانب الأمريكي، والتي تتضمن حماية الوجود القانوني لقوات التحالف في العراق، لانها قوات تقدم التدريب والمشورة للقوات المسلحة العراقية وفق المعاهدة العراقية – الأمريكية. النتيجة كانت محاولة السوداني مسك العصا من النصف، إذ سبق وأن صرح المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي: أن «السوداني جدد لوزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن موقف العراق الرافض لأي اعتداء تتعرض له الأراضي العراقية»، وأضاف البيان أن «السوداني جدد في الوقت ذاته التزام الحكومة العراقية بحماية مستشاري التحالف الدولي الموجودين في العراق»، مشيراً إلى أن «الاتصال بحث التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والجهود التي يقوم بها العراق لاحتواء التداعيات الخطيرة التي خلفتها الاعتداءات المتكررة على قطاع غزّة، والعمل على تثبيت التهدئة ووقف العدوان وضمان عدم اتساع الحرب، بما يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار في المنطقة». لكن المفارقة الحاصلة في عمليات توجيه الضربات المتبادلة بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية أن الفصائل عندما تنفذ عملياتها ضد الوجود الأمريكي تعلن عن ذلك بمسميات وهمية، أو غير محددة مثل (المقاومة الإسلامية في العراق)، وعندما ترد القوات الأمريكية على الهجمات يتصاعد استنكار الحكومة العراقية والفصائل المسلحة، ورفض انتهاك السيادة العراقية لأن ضربات أمريكية وجهت لفصائل الحشد الشعبي التابعة للقوات المسلحة العراقية. وبات واضحا أن الفصائل المسلحة لم تأبه لتصريحات رئيس الوزراء وتعهداته للجانب الأمريكي بحماية وجود قوات التحالف، واستمرت بتوجيه الضربات للوجود الأمريكي في العراق وسوريا حتى فاق عدد الضربات 118 ضربة، حسب التصريحات الرسمية، الأمر الذي دفع القوات الأمريكية للرد. ففي فجر الثلاثاء 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، استهدفت طائرة مسيرة مركبة تابعة لفصيل مسلح عراقي غرب بغداد، وفق ما أفاد مصدران أمنيان لوكالة الأنباء الفرنسية، واكدت مصادر مطلعة أن قصف المسيرة وقع قبيل الفجر في منطقة أبو غريب على بعد نحو ثلاثين كيلومترا غرب العاصمة. وقال مسؤول أمني في وزارة الداخلية العراقية؛ إن «مركبة للحشد الشعبي استهدفت بطائرة دون طيار على الطريق السريع في أبو غريب، وكانت السيارة ضمن رتل مكون من أربع سيارات، وكانت نتيجة الهجوم إصابة شخص وإحداث أضرار في السيارة».
لكن الضربة الاخيرة كانت موجعة لواحد من أبرز الفصائل القريبة من طهران، فميليشيا النجباء وأمينها العام أكرم الكعبي كانت الأعلى صوتا في التصعيد ضد الوجود الأمريكي، وكان لقياديين في ميليشيا النجباء تصريحات تصعيدية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. إذ سبق أن أكد الكعبي على أن أي تدخل من أمريكا أو أي دولة ضد الشعب الفلسطيني، سيلاقي رداً عسكرياً حاسماً. كما حذر الدول الداعمة للاحتلال الاسرائيلي، في حال قيامها بتوسيع ساحة الحرب فإنها ستواجه صولة حيدرية من المقاومة، حسب تعبيره. وقد تحدثت بعض التسريبات عن مكالمة هاتفية تمت في الأيام الاولى للهجوم الاسرائيلي على غزة بين أكرم الكعبي وإسماعيل هنية القيادي في حركة حماس، دون تبيان تفاصيل ما تم الاتفاق عليه في هذه المكالمة.
أما الشخص الذي اغتيل في الضربة الأمريكية الأخيرة فهو مشتاق طالب السعيدي المكنى (أبو تقوى) الذي بدأ حياته العسكرية في ميليشيات التيار الصدري، ثم انشق عنها لينتمي إلى ميليشيا :عصائب أهل الحق:، ولينشق ثانية وينتمي لحركة «النجباء». وقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن السعيدي كان قائداً ميدانياً في مناطق الطارمية شمالي بغداد، أبان قتال تنظيم «داعش» في عام 2014، قبل أن يرتقي إلى منصب أمني رفيع في عمليات «حزام بغداد» التابع للحشد الشعبي. لكنه تحول لتولي مناصب محورية على صلة مباشرة بإدارة وتخطيط العمليات العسكرية، لاسيما استهداف القواعد العسكرية التي يشغلها التحالف الدولي في العراق وسوريا. إذ شغل منصب مسؤول «العمليات الخاصة في حركة النجباء»، قبل أن يتولى إدارة «كتيبة الصواريخ» منذ بدء عملية (طوفان الأقصى)، وكان واحدا من أكثر الشخصيات الميدانية التي تنقلت بين العراق وسوريا خلال الشهر الماضي.وقد صرح أكرم الكعبي الامين العام لحركة «النجباء»، في بيان صحافي، جاء فيه: أن «فراغ السعيدي لن يسده أحد، وإنه لن يهدأ قبل أن ينتقم له من الأمريكيين». وحمَّلت القوات المسلحة العراقية التحالف الدولي «مسؤولية الهجوم غير المبرر على جهة أمنية عراقية تعمل وفق الصلاحيات الممنوحة لها، الأمر الذي يقوّض جميع التفاهمات، ما بين القوات المسلحة العراقية وقوات التحالف الدولي»، طبقاً لما ذكره المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة. فهل سيتمكن السوداني من نزع فتيل الازمة، وضمان انسحاب أمريكي هادئ وسلس من العراق؟ هذا ما ستبينه الأيام المقبلة.