جاوان القبيلة الكُردية المنسية ومشاهير الجاوانيين للدكتور مصطفى جواد- تحقيق نبيل الربيعي
بيدر ميديا.."
جاوان القبيلة الكُردية المنسية ومشاهير الجاوانيين للدكتور مصطفى جواد- تحقيق نبيل الربيعي
نبيل عبد الأمير الربيعي
عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل صدر تحقيقي لكتاب الراحل د. مصطفى جواد (جاوان القبيلة الكُردية المنسية ومشاهير الجاوانيين) الصادر عن مجمع العلمي الكردي عام 1973م.
والجاوان تلك القبيلة الكُردية المشهورة وهي أحد فروع الكلهور، أسست مع بني مزيد أيام أميرها صدقة بن منصور مدينة الحلة العراقية كعاصمة لإمارتهم، وانتقلوا من منطقة النيل الواقعة مسافة 30 كم شمال الحلة باتجاه بغداد، وأول من سكنها في شهر محرم عام 495هـ/1101م أمير العرب أبو الحسن سيف الدولة المزيدي الأسدي صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد (ت501هـ/1107م)، فأزدهرت المنطقة وقصدها الشعراء والأدباء. كان لأمراء الجاوانية دور هام في المعترك السياسي لمنطقة الفرات وجنوب بغداد لعقود، وبرز من الجاوانية رجال حرب وأدب اشهرهم بنو ورّام (بهرام) ومنهم أبو الفتح بن ورّام وما زالت محلتهم باقية في الحلة باسم محلة الأكراد.
والجاوانية (قبيلة كبيرة متعددة البطون والأفخاذ، وهي من أشهر القبائل الكُردية، وأخبارها متواصلة طيلة العصر العباسي، وكانت مثل جميع القبائل الكُردية الأخرى من سكان الجبال والهضاب قبل استيطانها بمدينة الحلة وأطرافها في أواخر القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي).
ويرى الدكتور زرار صديق توفيق في كتابه الموسوم (القبائل والزعامات القبلية الكُردية في العصر الوسيط)، قائلاً: “وفي الواقع كانت المناطق الجبلية الوعرة الواقعة غرب الهضبة الإيرانية (جبال زاكروس) وشمال بلاد ما بين النهرين هي الموطن الأصلي للقبائل الكُردية ومركز تواجدها في العصور الغابرة، وبمرور السنين ونتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية وقبلية متعددة، تخلّت قبائل عديدة عن ديارها في الجبال والهضاب العالية وأستقرت تدريجياً في المناطق السهلية المنبسطة المتاخمة لها”. ويقول السبكي “ت771هـ- 1369م”: جاوان قبيلة من الأكراد سكنوا الحلة).
فالجاوانية والنرجسية والبشيرية والزهيرية وغيرها كان أحداها نزلت في نواحي بلدة البنديجين (مندلي) والدسكرة والنعمانية وقوسان وواسط، وأنتشرت قراها ومرابعها في المنطقة الممتدة من سفوح جبال بشتكوه إلى ضفاف نهر دجلة، وهذه المناطق كانت امتداداً طبيعياً للبلاد الكُردية، وفي الواقع إن الكُرد قد شكلّوا أحد العناصر الرئيسة من سكانها خلال القرون الستة الأولى للهجرة، فورد ذكرهم خلال الفتح الإسلامي للمنطقة وبعدها.
واضطلع أمراء وزعماء الجاوانية بدور كبير في تاريخ العراق خلال العهد السلجوقي، كما ارتبطوا بعلاقات قوية وصلات المصاهرة مع أمراء المزيدية العرب من بني عوف من بطون قبيلة بني أسد، وكانوا خير عون لهم، وخدموا في الجيش المزيدي كأمراء وقادة وأفراد.
ولا ننسى أن الجاوانية قد أنجبت عدداً من الأعلام والمشاهير من الفقهاء والزهاد والكتاب، وفي هذه المقدمة سنسلط الضوء على أبرز أعلامهم، منهم: الأمير ورّام بن محمد الكُردي الجاواني (ت403هـ- 1012م)، ويعد ورّام بن محمد المؤسس الأول للإمارة الجاوانية وأول ظهور له يعود إلى سنة 397هـ- 1006م حين اجتمع مع غيره من الأمراء الكُرد والأمير علي بن مزيد الأسدي إلى أبي جعفر الحجاج بتدبير من الأمير بدر بن حسنويه البرزيكاني، وذلك بهدف مواجهة الأمير محمد بن عناز وجنود الاتراك ومحاصرتهم ببغداد، ويعزى سبب الحصار إلى الخلاف القائم والعداء المستحكم بين الأميرين الكُرديين بدر بن حسنويه ومحمد بن عناز الشاذنجاني، حيث نصب أبو علي بن جعفر بن استاذ هرمز المعروف بعميد الجيوش، الأمير الشاذنجاني حامياً لطريق خراسان – أراضي محافظة ديالى -، الأمر الذي أثار غضب الأمير بدر، فقام ما قام به من جمع الأمراء الموالين لهُ واستدعى أبا جعفر الحجاج وحشد حوالي عشرة آلاف فارس. وتختفي أخبار الأمير ورّام إلى أن وافته المنية سنة 403هـ/ 1012م، فخلفه ابنه ابو الفتح، وتوهم ابن الجوزي (ت597هـ/ 1200م) حين عدهُ من الأتراك، وهو خطأ بالتأكيد.
في لقاءاتنا المتجددة أنا والأديب ذياب مهدي محسن آل غلام مع الباحث والمسرحي الصديق ثائر هادي جبارة في مقر عمله في الحلة، دار النقاش والحوار حول أصل الكُرد، وفي حينها كنت قد بدأت بالكتابة عن “تأرِيخ الأكراد فيِ العِرْاقّ” كدراسَة تأريخِية سياسِيّة اِجتِماعِية، وكان بحثي عن أصلهم وتأريخهم ولغتهم ومراحل حياتهم التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وقد طرح وقتها الصديق الأديب وعاشق المسرح ثائر جبارة فكرة تحقيق كتاب العلامة مصطفى جواد (جاوان القبيلة الكردية المنسية ومشاهير الجاوانيين)، وكان يحتفظ بنسخة قديمة من الكتاب في مكتبته، وأوعدني حين العثور عليها سيسلمني إياها، وقد وفى بوعده وهو المعرف بالطيبة والوفاء؛ وكان ذلك في مطلع شهر آب من عام 2023م، ومن خلال تتبعي حول قبيلة الجاوان وجدت أن الموضوع قد طبع بمجلة المجمع العلمي العراقي كبحث أولاً، ضمن المجلد الرابع، تحت عنوان: (جاوان القبيلة الكردية المنسية ومشاهير الجاوانيين)، العدد: (1)، وتاريخ الإصدار: يوم 1 آذار 1956، والموضوع عبارة عن محاضرة ألقاها العلامة جواد في مقر المجمع، وكانت هذه هي قصة هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم.