بين مصر والمكسيك: ضاع «العم بيدو» … وفي المغرب: تجار الحشيش يثبتون أن «الدنيا لسه بخير»!
بيدر ميديا.."
بين مصر والمكسيك: ضاع «العم بيدو» … وفي المغرب: تجار الحشيش يثبتون أن «الدنيا لسه بخير»!
أمس تعمّدت أن لا آكل قبل النوم، كي لا أعيش بين أعاصير الكوابيس الليليّة، التي لا تفارقني هذه الأيام. شربت زجاجة ماء كاملة وأغمضت عينيّ ونمت نوماً عميقاً، لأجد نفسي واقفة فوق جبل بركانيّ. الحمد لله لم يكن البركان شغالاً. قد يعود الفضل إلى زجاجة الماء التي شربتها. فلطالما أخبرتني جدتي حين كنت صغيرة أن المياه تسكنها ملائكة مضيئة تبكي أوجاع الضعفاء لتطفئها.
لقد كنت فوق الجبل وحيدة حافية القدمين. كنت خائفة أرتعش من برد قارس. أذكر أني تماسكت وقررت أن أمشي قليلاً، علني ألتقي بمرشد يعيدني إلى بيتي. فجأة رأيت رجلاً مسناً نحيلاً يرتدي بدلة. كان يبدو ضائعاً مثلي أو أكثر. مشى بضع خطوات إلى الشمال. ثم وقف كالسكران للحظة أو لحظتين ليدير بعدها وجهه نحو اليمين، فيخطو خطوتين، ويعود ليقف مكانه من جديد. استمر على هذه الحال حتى كاد يسقط أرضاً. أسرعت إليه لأسنده. وأخبرته بأني لا أعرف كيف وصلت إلى هذا الجبل، ثم سألته عن اسمه والأرض التي نقف عليها. فرد «العم بيدو» قائلاً: يبدو أننا نقف فوق جبل المرصوص في بلاد الفراعنة. وأكد لي أنه ينتظر مجيء «حورس»، الفرعون الأول لمصر، ليعقدا اجتماعاً طارئاً حول الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط. حينها علمت أن الرجل المسكين مهبول وبأنني في مأزق كبير!
سرحت بعض دقائق، وأنا أفكر كيف سأعود إلى عالمي، وحين يئست قررت أن أمشي من جديد، علني أجد شخصاً آخر أكثر اتزاناً من العم بيدو، ليساعدني على إيجاد محطة باص أو سيارة تاكسي أو حتى حمار يعيدني إلى غرفتي آمنة.
هكذا أردت أن أودع الرجل العجوز التائه بسرعة. نظرت نحوه، لكني لم أجد له أثراً. لقد اختفى تماماً، ربما جاء صديقه حورس ورحلا معاً. أو قد يكون وقع عن الجبل. تركت المكان بسرعة ورحت أجري لأجد نفسي أمام بوابة عريضة كتب عليها: كنتم في «بيكو دي أوريزابا». رافقتكم السلامة.
بدأت بالصراخ: بين جبل المكسيك والجبل المصري، هناك عجوز تائه جداً قد يسقط في أية لحظة ويسقط معه الشرق الأوسط، بكل من فيه، عن وجه الخارطة، وقد يسقط الخارطة أيضاً!
من أفضل: تجّار الحشيش أم الزعماء؟
صحوت مرتعشة. كل شيء يخيفني: المشي والأكل والنوم. إن مشيت سأقع حتماً كما وقع بيدو. وإن أكلت ينتظرني كابوس جديد ساعة أنام. والليل هذه الأيام بات طويلاً. طويلاً جداً. لا بد إذن أن نقع في فخ النوم.
هكذا نمت وهذه المرة وجدت نفسي فوق جبال الريف. إنها إمبراطورية الحشيش المغربية. الإمبراطورية الأكبر والأكثر جودة في العالم. رأيت التجار مجتمعين، وهم يحرقون كل محاصيلهم. وسمعت تاجر حشيش إسرائيليا يبكي وينوح على مقربة منهم: أعمالي توقفت، أرسل كميات قليلة فقط إلى إسرائيل، بمبالغ كبيرة مقارنة بجودتها، تجارتي الآن مهددة، وأعمالي في خطر، بسبب تضامنكم مع غزة. نحن نخسر الملايين من الشيكلات. ماذا سنقول للزبائن أصحاب المزاج العالي؟!
فرد عليه تاجر مغربي، وهو يرمي كيسه الأخير في حلبة النار: لن تتمكن أنت ورفاقك من كسب لقمة عيش عن طريقنا، بينما يعاني سكان غزة من الجوع بسبب الحرب. اذهبوا وابحثوا عن مكان آخر. ارحلوا من هنا بسرعة. إن أردتم أن ندخل لكم الحشيش فعليكم أن تسمحوا بدخول الطعام لأهالينا في غزة.
إن هاتين الحكايتين ليستا من بلاد الاحلام. إنهما قصتان حقيقيتان من فئة المضحك المبكي. في الحكاية الأولى هناك رئيس من أكبر رؤساء العالم يتحكم بمصير بلادنا وبلاد كثيرة حول العالم، وهو لا يعرف مِصر من المكسيك، ولا يعرف ريهانا من الملكة رانيا، والبرغر من البيتزا. هو يلاحظ فقط نقصان حبات الشيبسي من الأكياس وتقليص حجم البوظة.
أما في الحكاية الثانية فمن الواضح أن تجار الحشيش أفضل بكثير من معظم زعماء بلادنا، الذين اكتفوا بالكلام الفارغ، رغم قتل المُحتل حوالى 28 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال!
لقد اتخذ تجار الحشيش موقفاً «حقيقياً»، رغم الخطوط الحمراء الكثيرة التي تحيط بنوع تجارتهم. وقد عرضوا بذلك التجار الإسرائيليين لخسائر كبيرة، إذ يباع الكيلوغرام الواحد من الحشيش المغربي في إسرائيل بنحو 80 ألف دولار، نقلاً عن القناة 12 الإسرائيلية. ولكن مع ذلك «بيت الحرامي مليان». لقد نهبت قوات الاحتلال الإسرائيلية البيوت والمؤسسات الفلسطينية، وتباهت بكل سرقاتها، التي كان آخرها «البنك الفلسطيني»! لقد استولت قوة إسرائيلية في غزة على 54 مليون دولار، حسب ما ذكرته صحيفة «معاريف» العبريّة. يعني «شهد شاهد من أهلها». وبذلك فهم ليسوا فقط قاتلي الأطفال ومغتصبي الأرض، بل أيضاً لصوص «وعلى عينك يا تاجر»!
ولكن هل سنسمع في الأيام المقبلة عن مواقف عربيّة حقيقية تردع هجوم الجيش الإسرائيلي الجبان على رفح، أم سيكون الموت الجماعي الظالم، كالمعتاد، هو سيد الحكاية؟! كيف ستكون النهايات. نهاياتنا؟ هل ستكون كما اعتدناها مخزية جبانة ظالمة في حق القضية العادلة المقدسة، التي لم يتوقف نزيفها طوال أكثر من 75 سنة؟