هل ألهمَ اليونانيون القدماء . . الصينيين في بناء جيش “تيراكوتا”
أظهرت أبحاث حديثة لعلماء الآثار، أن العمال الحرفيين اليونانيين، ربما ساعدوا في إلهام الصينيين لبناء المنحوتات الصينية الأكثر شهرة في التاريخ، والتي هي عبارة عن ثمانية آلاف محارب، أو ما يُعرف بجيش الطين (تيراكوتا)، والذين سهروا على ضريح الإمبراطور الأول للصين لأكثر من ألفي عام.
النحاتون اليونانيون يغزون الصين
وقال علماء الآثار والمؤرخون الذين أجروا الدراسات على هذه المنحوتات، إنه من المحتمل أن يكون مظهر تماثيل المحاربين « جاء من خلال التأثر بوصول تماثيل يونانية قديمة إلى الصين »، وليس هذا فحسب بل إن النحاتين اليونانيين شقوا طريقهم إلى الصين أيضًا بغرض تعليم تصاميمهم للصينيين.
وقالت « لي شيو تشن »، وهي عالمة آثار ممن يعملون في موقع تماثيل تيراكوتا، إن الاكتشافات الحديثة، بما فيها اكتشاف وجود حمض نووي أوروبي في المواقع الأثرية الموجودة في محافظة شينجيان، والتي تعود إلى زمن الإمبراطور الأول؛ تعتبر بمثابة انقلاب فيما يتعلق بالتفكير التقليدي حول مستوى الاتصال بين آسيا وأوروبا قبل 1500 سنة من رحلات ماركو بولو.
وأضافت « تشن » : « لدينا الآن دليل على أن هناك اتصالًا وثيقًا كان قائمًا بين أول إمبراطورية صينية وبين الغرب قبل الافتتاح الرسمي لطريق الحرير. هذا أقدم بكثير مما كنا نظن سابقًا »، موضحة أن جيش الطين، والألعاب البهلوانية، والتماثيل البرونزية، التي وجدت في الموقع؛ يُرجّح أنها مستوحاة من التماثيل اليونانية القديمة والفن اليوناني القديم.
وقال « لوكاس نيكل »، رئيس قسم تاريخ الفن الآسيوي في جامعة فيينا النمساوية، وأحد أعضاء فريق العمل الخاص بالبحث في تاريخ الشخصيات، إنه يتصور أنه كان يوجد نحات يوناني في موقع لتدريب السكان المحليين.
وستُعرض هذه الاكتشافات الجديدة في فيلم وثائقي بعنوان « أعظم قبر على الأرض »، وذلك في إنتاج مشترك بين شبكة « بي بي سي »، وبين قناة ناشيونال جيوجرافيك .
جيش الطين
اكتشف جيش الطين في عام 1974، والذي جرى استخراجه من حفر في مدينة شيآن، من قبل أحد المزارعين، الذي كان مرعوبًا من رؤية وجه الإنسان يحدق فيه من بين الكرنب (الملفوف) وجرى العثور على العديد من الحفر الأخرى لجنود الطين، ولكن التماثيل الأكبر سنًا لهذا الجيش كانت صغيرة ومصنوعة بأسلوب منمق جدًا.
هذه التماثيل المميزة بمنطقة شيان، والمخصصة لحماية الإمبراطور الأول للصين « تشين شي هوانغ »، كانت موجودة مع أسلحتهم والخيول والعربات الحربية، والرائع أن جميعها كانت بالحجم الطبيعي، ومنحوتة بتفاصيل غير عادية وصولًا إلى وضع قصات الشعر والعقدة الزخرفية وربط الدروع على أجسادهم.
وتختلف أطوال الجنود طبقًا لأدوارهم، بحيث تكون التماثيل الأطول هي تماثيل الجنرالات. وكانت التقديرات التي أحصاها العلماء في عام 2007، تشير إلى أن الحفر الثلاث المحتوية على جيش الطين تحتجز أكثر من 8000 جندي و130 مركبة، و520 حصانًا لجرها، و150 حصانًا للفرسان.
ويمثل جيش الطين مجموعة من التماثيل الفخارية التي تصور جيوش « تشين شي هوانغ » وهو شكل من أشكال الفن الجنائزي الذي يدفن مع الإمبراطور، وذلك في الفترة بين 210-209 قبل الميلاد، وكان هدفه حماية الإمبراطور في الفترة بعد البعث.
وجرى العثور على تماثيل لشخصيات أخرى غير عسكرية في حفر أخرى، بما في ذلك المسؤولون، وأصحاب الألعاب البهلوانية، والموسيقيون.
ووصف بناء القبر المؤرخ « سيما تشيان » (145-90 قبل الميلاد) في كتابه الأبرز « شيجي »، والذي كتبه بعد مرور قرن على الانتهاء من إنشاء الضريح , وبدأ العمل في الضريح في عام 246 قبل الميلاد بعد وقت قصير من تسلم الإمبراطور «تشين» (عمره كان 13 عامًا آنذاك) العرش.
وشارك في هذا المشروع حوالي 700 ألف من العمال , وقد ذكر علماء جيولوجيا ومؤرخون أن هذا الموقع كان هو المفضل للإمبراطور الأول بسبب طبيعته الجيولوجية الجيدة. الجانب الشمالي كان غنيًا بالذهب، والجانب الجنوبي كان غنيًا بأحجار اليشم الجميلة، والإمبراطور الأول، الذي كانت سمعته تدل على طمعه؛ اختار أن يدفن هناك.
طريق الحرير
وأظهرت الاكتشافات الأثرية من مواقع في كل من الشرق والغرب، وجود تعاملات تجارية مبكرة بالفعل , وجرى تأسيس طريق الحرير، مع مناطق توقف القافلات ومراكزه التجارية، رسميًا في عهد أسرة « هان » خلال القرن الثالث الميلادي، ولكن العديد من طرق التجارة الأخرى كانت أقدم من هذا الطريق بكثير , فقد سجل المؤرخون الصينيون وصول التجار الرومانيين , وفي زمن الإمبراطور الروماني أغسطس، كان الحرير الصيني يتدفق إلى روما.
ورغم وجود طرق للتجارة ظهرت قبل إنشاء طريق الحرير، إلا أن هذا الأخير يظل هو الأشهر عالميًا، والذي أثرى حركة التجارة قرونًا عديدة.
ويمثل طريق الحرير شبكة قديمة من الطرق التجارية التي كانت لقرون عديدة هي مركز التفاعل الثقافي عبر مناطق القارة الآسيوية المختلفة، وهو الطريق الذي ربط بين الشرق والغرب من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط.
ورغم أنّ هذا المصطلح هو مصطلح جرى إطلاقه حديثًا لوصف طريق التجارة هذا، فقد استمد طريق الحرير اسمه من التجارة المربحة للحرير الصيني التي كانت تحدث على طول الطريق، بدءًا من عهد أسرة الإمبراطور الصيني «هان» في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد.
وسعت سلالة « هان » إلى توسيع الأقسام في منطقة آسيا الوسطى التي يخدمها هذا الطريق حوالي عام 114 قبل الميلاد، بشكل كبير إلى حد كبير، وذلك من خلال البعثات والاستكشافات الخاصة بمبعوث الإمبراطور الصيني، « تشانغ تشيان » وأظهر الصينيون اهتمامًا كبيرًا تجاه سلامة المنتجات التجارية، وجرى إنشاء ومد سور الصين العظيم لضمان حماية طريق التجارة.
ولعبت التجارة عبر طريق الحرير دورًا هامًا في تطور حضارات كل من الصين وشبه القارة الهندية وبلاد فارس وأوروبا ومنطقة القرن الأفريقي والجزيرة العربية، كما أنه تسبب في فتح العلاقات السياسية والاقتصادية لمسافات طويلة بين الحضارات. وعلى الرغم من أن الحرير كان هو السلعة التجارية الأساسية التي يجري تصديرها من الصين، فقد جرى تداول العديد من السلع الأخرى، وحتى الأديان والفلسفات، والتقنيات المختلفة، فضلًا عن الأمراض التي انتشرت أيضًا على طول الطريق.