مع تجذر فكرة تغيير النظام في عقولهم، فقد افترض منظمو الحرب،كما كان شأن العديد من الآخرين،أن العراق سيعيش مستقبلاً ذهبياً حال الإطاحة بصدام. غير أنهم لم يفكروا ملياً بكيفية بناء مستقبل ذهبي كهذا. وقد شعر العديد أنه مع سقوط حزب البعث ستتبلور ديمقراطية بمساعدة الولايات المتحدة ستعكس تعددية المجتمع العراقي. وظاهرياً كان الأمر يبدو كذلك فقبل شهر ونصف الشهر تقريباً من الغزو،قرر الرئيس بوش ترك إعادة الأعمار بايدي البنتاغون، الأمر الذي جعل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد لاعباً رئيساً في سيناريو ما بعد الحرب . ولتفعيل هذا الأمر،جرى تأسيس مكتب لإعادة الأعمار والشؤون الانسانية (OHRA) الذي ترأسه الجنرال المتقاعد جي. غارنر. وعلى الرغم من خلفية غارنر العسكرية،لم يحظ مكتب إعادة الأعمار والشؤون الإنسانية باعتراف أو دعم كبير من الجيش بعد سقوط بغداد. ومع أن هذا المكتب بدا بمثابة الذراع العملي للمحافظين الجدد في واشنطن،فأنه لم ينفذ مشاريعه على أرض الواقع. وفي الثاني والعشرين من آيار،2003،خوّل قرار الأمم المتحدة 1483سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) بتسهيل انتقال العراق نحو الديمقراطية،وبذا الاضطلاع بإعادة أعمار البلد. وقد احتفظت الولايات المتحدة بحق تسمية مدير سلطة الائتلاف المؤقتة،وقد اختار رامسفيلد بول بريمر الذي كان الرئيس بوش في وقت يعود الى أوائل الشهر قد عينه مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية في العراق. أن تأسيس سلطة الائتلاف المؤقتة،بصلاحياتها “بممارسة السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية” (هاشم 2006،18)، قد عزز الاتهامات بان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تضطلعان الان بالسلطات كافة . وقد حلت سلطة الائتلاف المؤقتة محل مكتب إعادة الأعمار والشؤون الإنسانية (OHRA) الذي بات قسماً من سلطة الائتلاف المؤقتة ومع ذلك، فباي منهما سواء مكتب اعادة الاعمار والشؤون الانسانية (OHRA) أو سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA)، فأن أعمار العراق وحكمه في فترة ما بعد الحرب قد اديرت عبر موشور المحافظين الجدد ضمن وزارة الدفاع الأمريكية. وبينما كانت سلطة الائتلاف المؤقتة القوة الحقيقية في عراق ما بعد صدام،فقد تلاشى دورها بتأسيس مجلس الحكم الذي يضم (25)عضواً. وقد عكست تركيبة المجلس الأطياف العراقية الاثنية والعرقية: ” فالشيعة بوصفهم مجموعة شكلوا أغلبية ضئيلة.. وقد حصل الكرد والعرب السنة على نسبة (20%) تقريباً من المقاعد”، “وستكون الأقليات كالطوائف التركمانية والمسيحية بحاجة الى التمثيل في المجلس”. وقد ضم المجلس أيضا مشارب حزبية: الإسلاميون، والأحزاب الكردية، والعلمانيون، والليبراليون الديمقراطيون، وآخرون (علاوي 2007 164) وقد اضطلع بعض من أعضاء مجلس الحكم بزعامة المجلس، ولكن ثمة عضو واحد في الأقل من أعضاء المجلس كان مرتبطاً بالنظام البعثي: عقيلة الهاشمي التي كانت مرتبطة في عملها بنائب رئيس الوزراء طارق عزير. وقد تعرضت لإطلاق نار في العشرين من أيلول ،2003، وماتت متأثرة بجراحها بعد ثلاثة أيام، وكانت قد زارت الجمعية العامة للأمم المتحدة برفقة وفد من زملائها، الذين كانوا يأملون في إقناع الأمم المتحدة بمنح اعترافها الدولي بمجلس الحكم (وبالتالي إنهاء سلطة الائتلاف المؤقتة) وكان اغتيالها دليلاً مفزعاً على اتساع نطاق التمرد. وقد فاجأ التمرد العديد من الناس، ولكنه لم يكن يمثل سوى جانب واحد ظهر من خلاله هزال الإجراءات التي اتخذتها سلطة الائتلاف المؤقتة، فقد استخفت هذه السلطة بحجم الدمار الذي لحق ببنية العراق التحتية جراء الغزو، الذي تداخل،على حد قول وزير المالية السابق لفترة ما بعد الحرب علي عبد الأمير علاوي، مع “حالة التفكك المتقدمة” (علاوي 2007 114) التي شهدها العراق في السنوات التي تلت حرب الخليج الأمر الذي كشف أن خطط المحافظون الجدد في واشنطن دي. سي لفترة ما بعد الحرب فضلاً عن المنفيين العراقيين في لندن (وكان علاوي واحداً منهم) كانت قصيرة النظر على نحو موجع. وثمة خطأ آخر أُرتُكب في وقت مبكر حين فشلت قوات الائتلاف،غير القادرة على تفادي تفكك النظام في بغداد (وأماكن أخرى)، في توفير حماية مناسبة لملفات النظام البعثي، وكانت وزارة النفط الاستثناء الوحيد. وطبقاً لعلاوي، فأن هذه الملفات الحكومية لم تتضمن ادلة تدين القادة البعثيين المختلفين وحسب،بل لكان حكم العراق المستقبلي أكثر يسراً (علاوي 2007 115) وفي العديد من المدن والبلدات، لكن في بغداد بالأخص،كانت أعمال النهب وحرق الممتلكات عمداً في وقت ما أمراً شائعاً للإطاحة بالنظام. وباتت المواد الغذائية والسلع الأخرى شحيحة، فقد أُلحق الضرر بالمنشات العامة إن لم تكن قد تعرضت للتدمير. وأصبح ضمان الرعاية الصحية المناسبة بمثابة مشكلة وكذا الحصول على الماء الصالح للشرب وتوفر الكهرباء. وطبيعياً، نشأت سوق سوداء حيثما كان هناك طلب، وقد انتهى مصير العديد من السلع المسروقة في الدول المجاورة، حيث جرى اخراج العديد من هذه السلع عبر كردستان. وقد تأثرت المؤسسات الثقافية تأثراً كبيراً ايضاً بالحرب وعواقبها، وتمثلت الحادثة الأشهر بهذا الصدد في نهب المتحف العراقي. وتماماً بعد سقوط بغداد في نيسان 2003 ، فان ما يُقدر بخمس عشرة الف قطعة ـ العديد من هذه القطع الأثارية تعود إلى سومر القديمة ـ قد تعرضت للنهب من المتحف ( مع أن ثلثها تقريباً قد استُعيد). وكان ثمة ضرر أيضا لحق بالمواقع الأثارية جراء سمتيات الائتلاف. وكانت معابد نابو ونينمة التي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد وبقايا المسرح الاغريقي الذي يعود إلى الإمبراطورية السلوقية من بين المواقع التي لحق بها الضرر. وفي اليوم الذي اعقب نهب المتحف الوطني، جرى إضرام النار بالبناية الرئيسة للمكتبة الوطنية العراقية ودائرة الأرشيفات، الامر الذي الحق ضرراً بنيوياً واسعاً. وطبقاً لمدير المكتبة، سعد أسكندر، ” يُقدر ما خسرته المكتبة بـ (25%) من مقتنياتها، بما فيها كتب نادرة، في حين خسر أرشيف المكتبة (60%) من مقتنياته، بما فيها سجلات عثمانية قيّمة” (اسكندر 2000، غير منشور). وذكر اسكندر ايضاً أن الأرشيف الخاص بالفترة الجمهورية قد تعرض للتدمير الكامل. وبينما ردد بعض المسؤولين الامريكيين اصداء الصدمة العالمية النطاق ازاء اعمال النهب وحرق الممتلكات، فأن آخرين اصدروا ردود افعال دفاعية حيال الفشل في حماية الكنوز الوطنية. واجمالاً، فأن النهب ، والرعب ، والعنف الذي اعقب انهيار الامن، وما اعقب سقوط العاصمة قورنت بالغزو المغولي لبغداد في 1258. وثمة مسألة اخرى كان لها تأثيرات غير متوقعة تمثلت في سرقة اسلحة ومواد متفجرة وقعت بأيدي المتمردين فساعدت في تسليحهم. |