في غزة: فيلم «الجوازة دي مش لازم تتم» بطولة «بيبي» و«العم بيدو» والرؤية الإيجابية للأمريكي «برزوقة المهرج»!
بيدر ميديا.."
في غزة: فيلم «الجوازة دي مش لازم تتم» بطولة «بيبي» و«العم بيدو» والرؤية الإيجابية للأمريكي «برزوقة المهرج»!
شخصيات كثيرة لعبت دوراً بارزاً في حرب غزة، قد تتذكرون «العم بيدو» وحبيبه «بيبي» أو ربما لا، إنهما شخصيتان كريهتان مستفزتان قد تسقطهما الذاكرة في أية لحظة، ومشاكلهما كثيرة وكبيرة وقد تكون واحدة، كلهما على وشك خسارة كرسيه. ففي الجانب الإسرائيلي، انخفضت شعبية بيبي في الأشهر الأخيرة، وهناك الآلاف يطالبون بتنحيه وإعادة الانتخابات. أما في الجانب الأمريكي، فالعم بيدو على الأرجح سيخسر الانتخابات أيضاً، وذلك بسبب دعمه المطلق لإسرائيل في حرب غزة وقتل ما يزيد عن 31 فلسطينياً وإصابة حوالي 74 ألفا آخرين، منذ الهجوم الوحشي على سكان القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولكن العم بيدو مرشح شرس لا ينهزم بسهولة. لقد قرر تلميع صورته وسط تراجع التأييد له من معظم الناخبين الشباب.
كما سعى العم بيدو «الحربوق» وبشكل سريع لفض ارتباطه العاطفي ببيبي «العسول» قبل فوات الأوان. هكذا بدأ يؤخر إرسال المساعدات العسكرية إلى إسرائيل. ولم يتردد بالاعتراف بشكل صريح وواضح أن إسرائيل تقتل المدنيين. لقد جاء اعترافه هذا بمثابة الطلقة الأخيرة القاتلة لعلاقة الحب العتيقة والمتينة بين الحبيبين، رغم محاولات فاعلي خير كثر لإعادة المياه إلى مجاريها. ومن بين هؤلاء «فاعل الخير الحباب» جون بولتن، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق. لقد حاول تبرير ما قاله العم بيدو من خلال اعتباره ضحية مسكينة لحملات دعائية إيرانية حمساوية مغرضة، ولكن محاولاته وجهوده كلها باءت بالفشل. هكذا انتهى الفيلم العالمي الشهير «الجوازة دي مش لازم تتم»!
«برزوقة» المهرج
لكن من الشخصيات، التي لعبت دوراً «بطولياً» لن ينساه المتابعون للحرب على سكان غزة هو صديقنا الأمريكيّ «برزوقة المهرج». ولمن لا يعرف معنى «برزوقة»، فهي كلمة باللهجة العامية الشامية تعني: فتح عينيه حتى كادتا تلفظان البؤبؤين، والله أعلم. إنه شخصية كارثية، ولكن مضحكة للغاية. لا يحرجه أحد مهما كانت الظروف. فهو ملقح ضد الانفعالات، ويعرف كيف يحافظ على وجه بوكريّ جامد، يبرز بوضوح حدة أنفه الطويل. يقف أمام الميكروفون بهدوء مستفز ويرد على أسئلة الصحافيين بأجوبة جاهزة معلّبة. ولا يخجل ولا يتعب أبداً من تكرارها في كل مؤتمر صحافي يحضره. من أبرز أقواله: «لم نصل إلى تلك المرحلة بعد في هذه المحادثات». وهو يعرف أنه لن يصل أبداً وإن وصل لن يخبرنا! و»لا أريد مناقشة الظروف الأخرى المحتملة» أو «ليس لدي أي تعليق إضافي»، وهما جوابان ممنهجان لا يُقهران أبداً يستخدمهما في كل مرة يُزنق.. و»لقد وجدناها مقلقة»، وهو، سبحان الله، كثير القلق وبصورة دائمة. برزوقة المهرج محب للسلام، وهو يُظهر ذلك من خلال نصائحه الثمينة للفلسطينيين وذلك بنسيان تاريخ الموت والاحتلال والتشرد الذي دام 75 سنة. وأجمل ما فيه أنه دائم التفاؤل. فلطالما شجّع الفلسطينيين أيضاً للتطلع إلى غد مشرق مع المحتل: «إذا واصل الناس النظر إلى الماضي والماضي فقط، الذي حدث منذ عقود، دون الاستعداد للتوقيع على رؤية إيجابية للمستقبل لن نجد وسيلة سلمية للخروج من هذا الصراع».
قد يكون هذا التصريح من أبرز نكات برزوقة المهرج، وهو المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكيّة. ومع ذلك لماذا لا يوقع العالم على رؤية إيجابية لمستقبل وردي مع المحتل قاتل الأطفال والرضع، والنساء، والشيوخ، والشباب المسالمين؟! ولماذا نسلط الأضواء على كلمات طفلة صغيرة مجدولة الشعر: «كل صحباتي ماتوا. ما في حد ألعب معاه». أو ننقل للعالم صورة طفلة ترتدي بلوفر زهري رسمت عليه قطة بيضاء مبتسمة، وكتبت عليه باللون الأزرق وباللغة الإنكليزية « كاترلند»، وهي ترتجف من البرد والجوع. أكتب تلك التفاصيل بحرفيتها كي تعلق في قلوبنا وذاكرتنا وضمائرنا، أكتبها كي لا ننساها أبداً، كي يتوارثها أبناؤنا. تلك الطفلة كانت مبتسمة والدموع تلمع حزناً وألماً في عينيها. كانت هادئة وصامتة وصابرة. كانت مؤهلة لكل شيء، أيها المهرج الساخر، إلا لنسيان فقدها لأهلها وصديقاتها وتهدم بيتها بفعل الصواريخ وسرقة ألعابها وشوقها لرغيف الخبز ورشفة مياه صغيرة.
لماذا ننظر إلى هؤلاء الأطفال وهم كلهم من الماضي البعيد؟ إن بكاء الطفل من أمام مجمع الشفاء من الماضي أيضاً. نعم من الماضي فهو إما قُتِل في الساعات الأخيرة أو سيقتل في الساعات المقبلة! لقد كان يبكي بصوت يشق القلب قائلاً: وحياة ربنا خايف وحياة ربنا.. فيش الي نفس! خوفه من الماضي أيضاً.. والمسنة التي كانت تعد العشب إفطاراً لمن تبقى من عائلتها من الماضي أيضاً.. والأم التي ذهبت لإحضار كيس طحين لطفليها وعادت لتجدهما وزوجها تحت الركام أصبحت من التاريخ العتيق جداً. وثياب أطفال غزة المعلقة في الهواء، خصوصاً ذلك الثوب الأحمر الصغير المتأرجح فوق بقايا الدار، هو أيضاً مشروع نسيان آت. لقد كان ثوب عيد طفلة جميلة، طفلة رحلت بعيداً بأحلامها وضحكاتها ورحل العيد معها، رحلت بهدوء ليبقى الثوب وحيداً معلقاً يتمرجح على أصوات الصواريخ. لماذا نذكره ونذكر باقي الملابس المنمنمة ما دام أصحابها لا يحتاجون إليها في السماء؟ هل سبق ورأيتم ملاكاً صغيراً يرتدي فستاناً أحمر؟
كذلك، لماذا تصرون على تداول تسجيل صوتي للصحافي إسماعيل الغول، وهو يردد بانهزام ووجع بعد أن عاش القهر والإهانة والموت: إن قوات الاحتلال الإسرائيلي أبقتنا بلا ملابس 12 ساعة مكبلي الأيدي ومعصومي الأعين»!
بكل صراحة وشفافية، علينا أيضاً أن نجهض من ذاكرتنا سريعاً موت الأهالي وهم يحاولون استلام المساعدات!
تعالوا يا محبي السلام في عالمنا المخزي والمهين للإنسانية لننسى تاريخ العذاب والذبح والتشرد كله وبكل تفاصيله الكثيرة جداً. تعالوا نسعى بقلوب مليئة بالإيمان لعلاقة حب دافئة ونقية تجمعنا بالقتلة وديناصورات العصر الحديث. انهضوا من بين الجثث والأشلاء والأكفان البيضاء المزركشة بالدماء لنسيان التاريخ الأحمر ولنوقع معاً على رؤية إيجابية لمستقبل مبهج دعانا إليه «برزوقة المهرج».