هل نجحت الهند في امتحان الغرب لها؟
ليس جديدا القول إن الهند هي أحدى الدول الصاعدة في المنطقة، ووجودها الجيوسياسي في منطقة جنوب آسيا، دليل على أن لديها الكثير من الامتيازات القادرة على أن تكون قوة توازن، خاصة مع تزايد المواجهة الأمريكية مع الصين في المحيطين الهندي والهادئ. لذلك نرى الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف الناتو يتوجهون بشكل كبير وبالإغراءات العسكرية والطائرات ونقل التكنولوجيا الى الهند، بهدف جذبها إلى المعسكر الغربي، بعيدا عن حليفها الاستراتيجي روسيا، وكذلك لمضاهاة الصين، وتزويدها بأحدث الأسلحة وآخر ما توصلت اليه التكنولوجيا.
فعلى سبيل المثال حافظت فرنسا على علاقات متينة مع الهند على مدى العقود الماضية، وكانت السباقة إلى إنشاء مفاعلات نووية فيها وتزويدها بالأسلحة التي تحتاجها. لذلك فرنسا التي تفقد نفوذها في العديد من الدول، خاصة في القارة الافريقية تجد في الهند شريكا لها، ومشتريا مغريا.
التحركات السياسية الدولية التي تقوم بها الهند، تعطي انطباعا بأن هناك سباقا من أجل التموقع في باب الزعامة للعالم بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وتركيا
لقد شهدت العلاقات الهندية – الغربية انفراجة واسعة وتقدما كبيرا خلال السنوات الماضية، تزامنت مع مجيء إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، وبدء هذه الإدارة في إنشاء ما يسمى حلف الأطلنطي الآسيوي. ونتذكر أن أول قمة افتراضية عقدها الرئيس بايدن كانت في مارس/ آذار 2021، وهي القمة التي ضمت رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ورؤساء وزراء كل من الهند واليابان وأستراليا، الأعضاء في مجموعة (إكواس). وتكررت هذه القمم لهذه المجموعة وهي من ضمن استراتيجية أمريكية تحولت فيها نقطة التركيز إلى آسيا. وعندما نقول إن المحور الأساسي في الاستراتيجية الأمريكية في آسيا، هذا يعني بصورة ضمنية أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج استراتيجية احتواء للنفوذ الصيني، والهند في المفهوم والمنظور الاستراتيجي الأمريكي تلعب دورا في هذه الاستراتيجية، لذلك كان الاستقبال حافلا لرئيس الوزراء الهندي مودي في واشنطن، منتصف العام الماضي، وما رافق الزيارة من تركيز على الشراكة الاستراتيجية الهندية الأمريكية، في إطار ما يُعرف (الأندوباسفيك) أو استراتيجية المحيطين الهادئ والهندي، بالإضافة إلى البعد الاستراتيجي الذي يدور أساسا حول احتواء الدور الصيني في المحيطين وفي العالم، فهناك أيضا أبعاد اقتصادية، فمن المعلوم أن الهند مرشحة بحلول عام 2030 لتصبح ثالث اقتصاد في العالم، وبذلك ستحل محل ألمانيا، كذلك الهند متقدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات وصناعات المستقبل، لذلك نجد أن رؤساء مجالس غالبية إدارات شركات التكنولوجيا المتقدمة في الولايات المتحدة من أصول هندية، حتى إن رئيس البنك الدولي هو أمريكي من أصل هندي. هذه الاعتبارات الاقتصادية والتكنولوجية والاستراتيجية هي الإطار العام الذي تتحرك فيه السياسات الغربية تجاه الهند.
إن ما يؤشر إلى الهند أنها عرفت بصورة جيدة كيف يمكن أن تلعب دورا في الانقسام الدولي العامودي الحاصل اليوم، فالمشهد الدولي يقول إن هناك مجتمعا غربيا يتمثل في الولايات المتحدة وشركائها، ومجتمعا آخر يتمثل بروسيا والصين. وهنا اتخذت الهند ممارسة الازدواجية في السياسة الدولية. فهي عضو أساسي في قمة بريكس، ومعنى ذلك أنها حليف للصين. في الوقت نفسه هي من ألد أعداء الصين الاستراتيجيين في مجموعة كواد التي هدفها احتواء النفوذ الصيني. على الجانب الآخر نجد الهند تستفيد من أزمة أوكرانيا، حيث تشتري النفط الروسي بأسعار مُخفّضة، وبهذا فهي تريد توطيد علاقاتها بالغرب لكي تستفز الصين، كما تريد أن تبقى إلى جانب روسيا في مكان ما كي تسجل موقفا إلى جانب روسيا والصين لكي تستفز الغرب. وفي هاتين الحالتين تكون قد استفادت من الغرب ومن الشرق في الوقت نفسه. طبعا هذا الموقف في الحسابات السياسية الدولية صحيح جدا وإيجابي تماما، وليس كما يقول البعض بأنها سياسة اللعب على الحبلين، فالواقع يقول إن لها حليفا استراتيجي هو روسيا، التي وفرت لها الأسلحة خلال العقود الماضية، خاصة خلال الحرب الباردة. لكن الهند ومنذ التسعينيات بدأت بالانفتاح الاقتصادي وتنويع مصادر تسلحيها، بالتالي احتلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل جانب توريد الأسلحة لها، بالإضافة إلى روسيا.
إن الموقع الاستراتيجي والقرارات الاستراتيجية من قبل الحكومة الهندية جعلتها قادرة على أن تجد توازنا داخل الغرب. فقامت بعقد الصفقات مع الغرب الذي غض النظر عن الكثير من القضايا، خاصة حقوق الإنسان في الهند، لذلك الولايات المتحدة وحلف الناتو لا ينظران الى العلاقات الروسية الهندية على أنها علاقات قد تؤثر في المستقبل على ماهية الصراع الروسي الأوكراني، لأن الهدف المناط بالهند هو في الأساس المحيطين الهندي والهادئ، حيث أن الولايات المتحدة تعتبر أن من أولوياتها مواجهة الصين، وبالتالي هي تريد للهند أن تضاهيها في ذلك. قد تستفيد الهند من النفط والغاز الروسي، لأنها تأخذه بأسعار رخيصة، لكن علينا أن نتذكر أن التواصل بين الشمال والجنوب، وهذا الخط الذي أنشأته روسيا عبر إيران إلى الهند سيخفف من تكاليف البضائع. بالتالي الهند تبحث عن أسواق داخل آسيا الوسطى، لذلك سياستها حتى الان ما زالت متوازنة ولا تريد أن تتخلى عن حليف استراتيجي، مقابل شريك استراتيجي هو الولايات المتحدة والغرب. هي تملك المال وبذلك تستطيع أن تشتري، والغرب بحاجة لبيع السلاح والتكنولوجيا والهند جاهزة للشراء، كما أنها لم تعد تتعامل مع الدول الغربية والولايات المتحدة كالبائع والمشتري. هي تريد نقل التكنولوجيا لتعزيز قدراتها العسكرية المستقبلية. إن الوضع الجيوسياسي في العالم قد تغير، والتحركات السياسية الدولية التي تقوم بها الهند، تعطي انطباعا بأن هناك سباقا من أجل التموقع في باب الزعامة للعالم بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وتركيا، وبدأت هذه الدول تتنافس على الزعامة والاستغلال الأساسي كان من خلال الحرب في أوكرانيا، التي هي أحد ملامح التحول الدولي، الذي هو نظام ما بعد انتهاء الحرب الباردة، والهند وإن كانت لم تندد بالحرب في أوكرانيا، ودخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، فإنها انتهجت نهجا محايدا بين المعسكرين، ولم تنحز لا للغرب ولا للشرق، لأن سياستها الخارجية ما زال فيها أثر من آثار حركة عدم الانحياز، وهي تعلم أنها في الطريق لتكون إحدى القوى الكبرى في النظام الدولي، الذي سيتشكل وسوف تلعب دورا في التوازن بين أمريكا والغرب ومع الصين وروسيا، وهي بذلك تُحصّن مصالحها وتدافع عن حقوقها، وتوظّف التنافس بين المعسكرين بطريقة ذكية وبُعد نظر كبير للحفاظ على استقلالها. لكن السؤال الأهم هو هل ستبقى الهند على موقف الحياد في الحرب الأوكرانية؟ توقعات بعض الخبراء بالشأن الهندي تقول بأنه كلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، كانت الفرص أقل لإبقاء الهند في موقع الحياد بين الغرب وروسيا، فهناك زيارات غربية متكررة للهند لإغرائها، كزيارة المستشار الألماني الذي باع الهند 6 غواصات حربية، وكذلك زيارات المسؤولين في الولايات المتحدة وتقديمهم عروض نقل التكنولوجيا وبيع الطائرات المتطورة.