نائب أمريكي يطالب بنووي ينهي حرب غزة… إستراتيجية ميدفيديف
لا يجب أن تفاجئ أحداً أيّ تصريحات من نائب جمهوري في الكونغرس الأمريكي تطالب باستخدام النووي في مكان ما على الأرض، خصوصاً إن كانت عبر تسجيلات مسربة، لا على الملأ.
فالبلد الذي ضرب هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية موقِعاً أكثر من مئتي ألف قتيل، من دون أن تراوده نفسه مرة بالاعتذار طوال أكثر من سبعين عاماً، كما لم يفكر بالتخلي عن السلاح النووي، ولم يوقع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وبالكاد عبّر عن الأسى ودعا إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية على لسان رئيسه الأسبق باراك أوباما في زيارة نادرة وشكلية إلى هيروشيما العام 2016، هذا البلد لا يمكن إلا أن يعيد شراً مماثلاً. وما حدث في غزة يقترب بالفعل مما تحدثه الأسلحة النووية، ولا تخفي الولايات المتحدة شحنات السلاح المتجهة لإسرائيل، كما لا تخفى نتائجها والإحصائيات المرعبة.
النائب الأمريكي تيم والبيرغ قال، في معرض نقاش الميناء الأمريكي العائم على شاطئ غزة: «لا ينبغي أن ننفق سنتاً واحدة على المساعدات الإنسانية.. يجب أن يكون الأمر في غزة مثل ناغازاكي وهيروشيما. لننهِ الأمر بسرعة».
إثر التصريح حاول والبيرغ التنصّل والتبرير، وهنا بالذات المفاجئ، لا ندري كم بذل الرجل وفريقه من استشارات ونقاشات كي يعود للجمهور بتفسير انسحابي يقول بأن تعليقاته بشأن غزة وهيروشيما وناغازاكي «لم تكن حرفية، الكلمات كانت مجرد استعارة»! واستطرد يقول: «كان تفكيري عكس ما يتم الإبلاغ عنه تماماً.. كلما انتهت هذه الحروب بشكل أسرع، قل عدد الضحايا الأبرياء في تبادل إطلاق النار».
أراد الرجل إذن أن يستعير من هيروشيما وناغازاكي فكرة السرعة لا فكرة التدمير الحاسم! لم يجد في الكون كله، وفي تاريخ الأفكار والمحاججات مثالاً عن السرعة إلا سرعة الحسم النووي.
تظل القدرة على الكذب مفاجئة حقاً، إذ يتوقع المرء من بلد متقدم في كل شيء أن يتقدم قليلاً بالمقدرة على تغليف الكذب، في جعله قابلاً قليلاً للتصديق، إلا إذا كان المقصود أن يبدو الكذب مكشوفاً إلى هذا الحد، وأن يفهم العالم أن النووي هو دائماً حاضر في البال، وأن بعض النواب والمسؤولين الأمريكيين جاهزون للعب دور ميدفيديف عند بوتين، الجاهز هو الآخر للتصريحات المشينة، التي قد تبدو غير رسمية، والتي يسهل التنصل منها، بل واستنكارها أحياناً.
هذا ما حدث في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، وزير المال سموتريتش الذي دعا إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية، واستُنكر التصريح حينها على نطاق واسع، حتى من واشنطن، استنكر التصريح، لكن تالياً محي جزء كبير من قطاع غزة، بشكل لم يكن ممكناً لولا وقفة الولايات المتحدة.
ثم جاء بعد الوزير الأخطر في إسرائيل، وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو عندما قال إن أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة، هو «إسقاط قنبلة نووية» على القطاع. معتبراً، حينذاك، أن ليس في غزة سوى المقاتلين.
تصريحات بدت محرجة إلى حدّ أن نتنياهو نفسه استنكرها قائلاً بأنها لا تستند إلى الواقع، وزاعماً أن إسرائيل وجيشها يعملون «وفقاً لأعلى معايير القانون الدولي لتجنّب إيذاء الأبرياء».
النظر إلى إحصائيات ما بعد تصريح وزير التراث ورئيس حكومته سيفضح ما فعلته القنابل والغارات التي «تجنّبت إيذاء الأبرياء»، فعدا عن 32 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من سبعين ألف مصاب، في إحصائية غير مكتملة، تحدثت أخيراً صحف الغرب عن جيل كامل من مبتوري الأطراف، وجاءت التفاصيل الإحصائية مروعة تماماً،..
الفيديوهات القادمة من مشفى «الشفاء»، أمس، بعد حصار واعتداءات من جيش الاحتلال لأكثر من أسبوعين مروعة، وتعكس مجزرة فوق المجازر اليومية، الشهادات صادمة، إذ حوصر الجرحى من دون علاج أو حتى طعام كل هذا الوقت، وكثير منهم تحول إلى هياكل عظمية.
سوى أن كل تلك التفاصيل قد تبدو متعبة وموجعة لرأس النائب الأمريكي، ويريد أن ينتهي كل ذلك بضربة واحدة.
ليس على النائب وزملائه أن يصدعوا رؤوسهم باختراع التبريرات والتفسيرات، ولو أن ذلك قد يبدو ضرورياً لجمهورهم وناخبيهم، الرسالة وصلت إلى العالم وللناخبين، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنهم سينصاعون.