المكوك..
القاص والروائي/ عبد الجبار الحمدي
خارج الدائرة التي كنت احد ألمقربين من أقطابها بل كنت اقرب الى خط قطرها الداخلي، جاهدا التحرك مثل حركة المكوك الذي في بعض الاحيان يتحرك بنسبية، اما بشكل طردي او عكسي، على اية حال.. ها أنا خارجها الان كما غيري بعد إنتهاء الصلاحية، اتبضع بقايا ما تناثر من هواجس نتيجة الحركة الدائمية لليل والنهار اللذان باتا ظلا لماض، هكذا يقولان لي في خلوة لحاضر لا يستكين من تقريعه لي، أو عن مستقبل لا اعلم شيء عنه، في كل الاحول أمضغ هواجسي وافكاري علكة مُرّة حتى استطعم حلاوة الألم الذي ينتابني، يا حسرة أبحث عن الألم كي أريح رأسي من التفكير رغم أني قد ربطه بعصابة الوهم التي كانت السلطة توزعها علينا حتى نعيش الواقع المزري و المحزن بكل تفاصيله على انه واقع جميل وذو رؤية مستقبلية، تماما مثل ذلك الملك الذي طلب رساما يرسمه بحيث لا يبين لمن يرى صورته بأنه مبتور الساق و اعور، أظن الفكرة قد وصلت، حتى في يوم جاء الرسام أظنه شيطان صاحب ثأر في هيئة أنسي، فعمد الى رسم الملك على انه يصطاد الاسود وهو يقبع واضعا رجله المبتورة على الارض كأنه يثنيها ممسكا بالبندقية بعد ان وضعها على ظهر صخرة وقد اغمض عينه العوراء كصياد ماهر يصطاد الارانب بدلا، راقت الفكرة للملك عندما شاهد اللوحة من وجهة نظة الرسام و العامة فقربه منه، جعله من المحظوظين عنده… فبارت بضاعة غيره وصار مستشارا بقدرة قادر، فراح يلعب بالبيضة والحجر كما يقول اهل مصر، باعثا بخطوبه الى الجهات الاربع، فعاث بهن الفساد حتى مَخَرَ كل ما يمكن ان يكون تحت طائلة ريشته، فرَسم الحدود بخطوط معوجة، ثم قلب ألوان العادات والتقاليد، فجعل اهل الصحراء يمتشقون الفروسية عهر ليلي و عربدة دق و رقص، يصارعون خنثى و مثيلي رجالهم بعناوين أمراء وملوك ورؤساء، صنع لهم معبدا، ادخل سفراء فرعون الى ذلك الصرح حتى يناطحوا ربهم الأعلي فيمتازوا بالتضحية بكثرة القرابين، يستحييون الرجال قبل النساء… يضاجعون انفسهم ببناء مدينة كسدوم، جميع رجالها مترفين يعيثون بالايام كأنا مواثيق أزلية، يمهورنها على افخاذ العاهرات كسيكار هافانا الكوبي، يلعقون حذاء سيدهم الاعور الدجال الذي بات قريبا إليهم، فطاح بكل قيمهم ودياناتهم التي بات فيهم القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار، اما اصحاب المنابر والمآذن فكل يخبئ تحت عبائته من يلوط به ويوسوس له بأن يكون ديوثا للمستقبل، عالم من المجون يحيط بسدوم القرن الجديد، سيخرج حاملا اللباس الداخلي كراية نصر ألوانها مثل علم المثليين… كيف لا؟!! وهم زعماء المستقبل الى تلك التي تسمى الكعبة الجديدة نيوم، كل هذا يراه وهو خارج الدائرة التي كان احد اقطابها، لم يصدق ما يرى ويسمع، اراد ان يكفر عن ذنوبة، هذا إذا كانت ذنوب وليست خطايا، أمسك بورقة كتب عليها عبارات وراح يقرأها… الى كل أولاد الزنا، يا ابناء الشيطان، حانت الساعة، هيا قولوا الى الأعور الدجال أن يطلق العزف بالمزمار، هيا ايها الفاسق الاكبر دعنا نسير خلفك الى حوض جهنم فدائرة الدين امتلئت ببغايا خيم الرايات الحمر اللاتي تحولن الى اشباه رجال، يحكمن العالم من منظار الخيط الرفيع الذي يرتدينه لباس داخلي ليغطي عورتهن فيه، حيث امتاز الرجال منهم خطباء منابر، يمارسون الميسر عنوان حداثة ورقي، يُسبغون ألوان فتاوى ما لم يأتي بها من كان يأخذون عنه، العالم يتغير الى حيث ان يكون دائرة كبيرة اختلطت فيها الاشكال والألوان من النماذج البشرية حتى كاد من يقبع في الكهف يخاف ان يخرج ليقتل حفاظا على بقية كان يقتاتها طود نجاة، و بالقرب منهم كلبهم مسجى في الوصيد، فلكم مني التحية ايها الافلاك السوداء الدائرة في المدينة الجديدة سدوم.
القاص والكاتب/ عبد الجبارالحمدي