هذا يحدث في وقت الحرب»: فيلم كوميدي إخراج «بيبي» يعرض يومياً في صالات غزة المدمرة!
بيدر ميديا.."
هذا يحدث في وقت الحرب»: فيلم كوميدي إخراج «بيبي» يعرض يومياً في صالات غزة المدمرة!
ليالي «غزة» الحزينة.. ضلي ذكريني ذكريني.. أنا عصفورة الساحات أهلي نذروني للشمس وللطرقات لسفر الطرقات.
كلمات كتبها الأخوان الرحباني. كانت يومها تصف ليالي الشمال. نسمعها فتعيد إلينا نحن المهاجرين دفء الشمس البعيدة وخرير مياه السواقي وأصوات الحساسين المنتعشة فوق الأشجار المرتفعة، ورائحة الياسمين وعبق الغاردينيا المتعلقة على الشرفات.
أما اليوم فقد تذكرتها وأنا أقرأ خبر مقتل المسعفين السبعة الأجانب، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي المجرم. أفراد تركوا أهلهم وأبناءهم وحياتهم كلها خلفهم. تركوا كل شيء ليعبروا البحار وهم يعلمون أنهم يعرضون حياتهم للخطر. تركوا كل شيء وهم يدركون تماماً أنهم قد يرحلون فيما ينفخون الحياة في أجساد ضعيفة تتهاوى من شدة الجوع والعطش والألم.
هناك حيث الليالي داكنة وطويلة جداً ومرعبة، يعاني واحد من كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية، بعد أن استخدمت حكومة نتنياهو الإرهابية المتوحشة المجرمة، التجويع والحصار والفناء كسلاح استراتيجي للضغط على من تبقى من الأحياء. هكذا مات 28 طفلاً بسبب الجوع وقلة التغذية وقُتل حوالي 14 ألف طفل من أصل 28 ألف شهيد سقطوا كلهم في الهجوم المتوحش، الذي استبيحت فيه غزة أرضاً وأطفالاً ونساءٍ وشيوخاً وشباناً وقططاً وجثثاً!
لم تبق روح في غزة إلا واغتصبت معنوياً أو جسدياً. لقد جاء هؤلاء المسعفون الأبطال من أوروبا وأمريكا وأستراليا. جاءوا من بلاد يدعم رؤساؤها حكومة القتل ويساندون جنون نتنياهو المجرم، ولكنهم قرروا رغم أنف الحكام المنافقين أن يلتزموا بإنسانيتهم.
لقد وصلوا إلى غزة، فقط لأنهم يؤمنون بالأخوة والمحبة ومساندة الضعفاء. إنه فريق من مطبخ العالم المركزي جاء ليطعم الجياع بعد أن نذر أفراده حياتهم لخدمة الآخرين ولمحاولة التخفيف من عذاباتهم. نعم لقد ركبوا الأمواج وحملوا فوق أكتافهم المساعدات التي كان ينتظرها أهالي القطاع بفارغ الصبر. هكذا افتتحوا مطابخ عدة في جنوب غزة، محاولين التصدي للمجاعة، ولكنهم ماتوا جميعاً في ضربة واحدة. واليوم يبكيهم أهالي غزة والعالم، بعد أن استهدف الجيش الإسرائيلي سيارة المنظمة في دير البلح.
على الرغم من فظاعة الحادث وبشاعته، لكنه لم يفاجئ من يعرف وحشية الجيش الإسرائيلي وقادته. فالمحتل يلاحق ويقتل كل من يحاول مساعدة الأبرياء. إنه ضليع في ذبح الممرضين والأطباء وعمال الإغاثة وهو متخصص في تعذيبهم وسحل كل القوانين الإنسانية. وهو يتصدى أيضاً لكل من يحاول أن يوصل معاناتهم للعالم، حتى وصل الأمر برئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بالتوعد بإغلاق بث قناة «الجزيرة» في إسرائيل ووصفها بأنها «قناة إرهابية»، فقط لأنها تنقل الأحداث الحقيقية على أرض الواقع بالصوت والصورة!
أين عناصر حماس؟
أما المضحك المبكي، فهو تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي على جريمة قتل المسعفين. لقد أبدى أسفه للقتلى، ووصف الحادث بأنه مأساوي وغير مقصود. كما قال في فيديو تناقلته وسائل الإعلام: «هذا يحدث في وقت الحرب. نحن نقوم بالتحقيق الشامل في الأمر، ونحن على اتصال مع حكومات المواطنين الأجانب ضمن الضحايا وسنقوم بكل شيء لضمان عدم تكرار هذا مرة أخرى.»
نعم، إنه حادث مأساوي، لكننا نشك بأنه غير مقصود ونحن متأكدون من أنه بمثابة واحد في المئة من الحوادث المروعة «المقصودة»، التي تقع يومياً في غزة منذ ستة أشهر. فكيف نسي بيبي أن يتأسف بشكل يومي على مدار ستة أشهر من ذبح الأطفال والخدج؟!
أما تعليقه «هذا يحدث في وقت الحرب»، فهو ليس بالجديد. يستخدمه عادة بغباء مرير في كل مرة يبرر فيها جرائم الحرب التي يرتكبها جيشه. يستخدمها فيما جيشه منشغل في الأسبوعين الأخيرين بارتكاب أقذر المجازر في مستشفى الشفاء للمرة الثانية، وقتل المرضى والطواقم الطبية وإعدام الأطفال والمدنيين وهم مقيدون، بذريعة أنه مركز استراتيجي لحماس!
لكن أين عناصر حماس الذين ألقي القبض عليهم داخل المستشفى؟ لم نر وجهاً واحداً من وجوههم منذ بداية الحرب؟!
بنيامين نتنياهو يعتذر عن مقتل سبعة أفراد، فيما يعطي جيشه الضوء الأخضر لتحويل غزة إلى مكان لا يصلح للحياة، وذلك من خلال إعدام القطاع الصحي وبشكل كامل.
يسأل أحد مراسلي قناة «سكاي نيوز» طبيبة الأطفال تانيا حاج حسن، التي واكبت الإجرام الإسرائيلي خلال عملها في مستشفى الشفاء إن كان هناك عناصر من حماس في المستشفى.
وجاءت إجابتها بمثابة صفعة للإعلام الغربي المراوغ، الذي يحاول تبرير أفعال إسرائيل وضربة مستحقة على رأس نتنياهو التائه: «أنا مصدومة أننا ما زلنا نخوض هذا النقاش. لقد أعدموا عشرات الأشخاص من بينهم أحد زملائنا الطبيب أحمد مقادمي، وهو طبيب جراحة تجميلية ذو خبرة، وأعدموا أمه وهي أيضاً طبيبة، بالإضافة إلى عدد من زملائنا الذين باتوا محتجزين، ولا نعرف عنهم شيئاً. طلاب وأطباء احتجزوا ولا نعرف عنهم شيئاً».
لكن لا داعي للقلق إن بيبي «الحباب» لن ينساهم، وقد يتذكرهم ويعتذر غداً أو بعده قائلاً: «هذا يحدث في وقت الحرب…»!