غزة وانتفاضة الجامعات الأمريكية
شهدت الجامعات في مختلف الولايات الأمريكية حركات احتجاج طلابية ذكرت المراقبين بالحركات الاحتجاجية المناهضة لحرب فيتنام، وحركة الاحتجاج الداعمة للحقوق المدنية للأمريكيين من أصل افريقي، وكذلك انتفاضات الطلبة في مختلف دول العالم نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، وبشكل خاص انتفاضة مايو/أيار 1968 في باريس. وتذكر بعض المراقبين احتجاجات طلبة جامعة كولومبيا في ثمانينيات القرن الماضي، عندما نجح الطلبة المحتجون في إقناع جامعة كولومبيا بسحب استثماراتها من جنوب افريقيا احتجاجا على سياسة الفصل العنصري. كما تخلت جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات عن الوقود الأحفوري والسجون الخاصة تحت ضغط حركات الاحتجاج الطلابية في الآونة الأخيرة.
منذ أن شنت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر/تشرين الأول، نظم الطلاب احتجاجات واعتصامات، تحولت مؤخرا إلى مخيمات اعتصام داخل حرم الجامعات، في موجة يسعون من خلالها بالضغط على إدارة الجامعات لسحب استثماراتها من الشركات التي لها علاقات بإسرائيل. واللافت في الأمر أن مشارب الطلبة والشباب المشتركين في حركة الاحتجاج قد تنوعت، فالشباب داخل مخيمات الاعتصام من خلفيات متنوعة، فبينهم الفلسطينيون والعرب واليهود والمسلمون، وانضم إليهم طلاب من خلفيات دينية وعرقية مختلفة. ولدى الشباب مجموعة واسعة من وجهات النظر السياسية والاجتماعية: الليبرالية وغير التقليدية، والتقدمية.
العديد من المراقبين ينظرون إلى احتجاجات الجامعات الأمريكية بجدية ويتوقعون أنها ستؤثر على القرار الأمريكي الرسمي تجاه السياسات العنصرية في إسرائيل
تختلف مطالب المتظاهرين إلى حد ما من جامعة إلى أخرى، لكن المطلب المركزي هو أن تسحب الجامعات استثماراتها من الشركات المرتبطة بإسرائيل أو الشركات التي تستفيد من حربها في غزة. وقد رفضت الجامعات إلى حد كبير هذا الطلب، ويبرر أصحاب القرار عدم الانصياع لمطالب المحتجين بالقول، إن سحب الاستثمارات قد لا يكون له تأثير كبير على الشركات نفسها. كما تشمل المواضيع المشتركة الأخرى بين المحتجين في مختلف الجامعات المطالبة بقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية ودعم وقف إطلاق النار في غزة.
مواقف إدارات الجامعات، وإدارات الأمن، والسلطات الحكومية في مختلف الولايات تباينت من ناحيتها تجاه الحراك الاحتجاجي، ففي جامعة ولاية أريزونا ألقت الشرطة القبض على ثلاثة أشخاص يوم الجمعة 26 أبريل/نيسان الجاري للاشتباه في التعدي على ممتلكات الغير «في ما يتعلق بإقامة مخيم غير مصرح به»، حسبما قال متحدث باسم الجامعة. وفي حرم جامعي مشترك لجامعة كولورادو دنفر، وكلية المجتمع في دنفر، وجامعة ولاية متروبوليتان في دنفر، تم اعتقال حوالي 40 شابا من بين 100 متظاهر أقاموا مخيما مؤيدا لفلسطين يوم الجمعة، حسبما ذكر الحرم الجامعي في بيان رسمي. بينما قالت إدارة كلية برنارد إنها توصلت إلى حلول مع «جميع الطلاب تقريبان الذين تم تعليق دوامهم مؤقتا في السابق لمشاركتهم في مخيم الاحتجاج في حرم جامعة كولومبيا»، كما تم فصل المتحدث باسم «ائتلاف مناهضة الفصل العنصري» في جامعة كولومبيا الذي صرح في يناير/كانون الثاني قائلا، «إن الصهاينة لا يستحقون الحياة»، لكن تم تسوية أمر الفصل لاحقا بعد أن اعتذر الشاب عن تصريحاته التي وصفت بأنها عنصرية ومعادية للسامية. وفي جامعة إيموري، اجتمع أعضاء هيئة التدريس في الحرم الجامعي للتعبيرعن مخاوفهم بشأن الاعتقالات العنيفة التي حدثت يوم الخميس 25 أبريل، حيث دعا الأساتذة الدائمون رئيس الجامعة، غريغوري فينفيس، إلى التنحي بسبب قراره استدعاء شرطة الولاية والشرطة المحلية لتطهير الحرم الجامعي من مخيمات المتظاهرين. وقالت إدارة جامعة جورج واشنطن يوم الجمعة، إن أي طالب يبقى في ساحة الجامعة قد يتم فصله مؤقتا ومنعه إداريا من دخول الحرم الجامعي، وكذلك ألقي القبض على 36 متظاهرا من جامعة ولاية أوهايو ليلة الخميس، بعد رفضهم أوامر التفريق، حسب تقرير أولي من الجامعة. أما في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، فقد تجمع أكثر من 75 طالبا يوم الجمعة لإقامة مخيم في الحرم الجامعي، مطالبين الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات التي تستثمر في إسرائيل وتدعم عملياتها العسكرية. وفي جامعة جنوب كاليفورنيا قالت رئيسة الجامعة كارول إل. فولت في بيان رسمي، إن الحرم الجامعي أصبح غير آمن، وستبدأ الجامعة تحقيقا وتتخذ إجراءات لحماية جميع طلاب جامعة جنوب كاليفورنيا وأعضاء هيئة التدريس والموظفين.
ولعل المثال الأكثر تطرفاً كان في جامعة تكساس – أوستن، إذ قامت إدارة الجامعة بإرسال الشرطة بسرعة مع الخيول ومعدات مكافحة الشغب في غياب أي علامات للعنف في مظاهرة مؤيدة لفلسطين؛ كما أبلغت الجامعة لجنة التضامن مع فلسطين بـ»الفصل المؤقت» ردا على تنظيم اللجنة احتجاجا في الحرم الجامعي يوم الأربعاء 24 أبريل، تم على إثره اعتقال عدد من المحتجين، لكن تم في وقت لاحق إسقاط التهم عن جميع المعتقلين البالغ عددهم 57 شخصا. وفي جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، أصدرت إدارة الجامعة يوم الجمعة بيانا حول إقامة مخيم للاعتصام في الحرم الجامعي، قائلين إنهم أخبروا المتظاهرين أن الحدث لا يتوافق مع سياسة الجامعة.
وعلى هامش رفض الحرب الدائرة في غزة، طرحت بعض التجمعات الطلابية مطالب اخرى، مثال ذلك ما حصل في جامعة كولومبيا التي كانت رائدة في حركة الاحتجاج الطلابية في الولايات المتحدة، إذ طالب المتظاهرون الجامعة بـ»الكشف عن جميع العلاقات مع إدارة شرطة نيويورك وقطعها». كما طالب المحتجون أيضا بالمقاطعة الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية. على سبيل المثال، طالب المتظاهرون في جامعة كولومبيا بقطع الجامعة علاقاتها مع مركز أبحاث تابع للجامعة في تل أبيب، وكذلك برنامج الشهادة المزدوجة مع جامعة تل أبيب. مواقف إدارات الجامعات تتسم بالتصلب، ورفض مطالب المحتجين واللجوء للعنف والقسوة المفرطة أحيانا تجاه الطلبة وبعض الأساتذة وموظفي الجامعات الذين يشتركون في حركة الاحتجاج، إذ حذرت جامعة إلينوي من العواقب، بما في ذلك الاعتقالات والإيقاف المؤقت، لأولئك الذين يشاركون في المظاهرات داخل الحرم الجامعي، التي بدأت صباح الجمعة 26 نيسان/ابريل الجاري. وقالت الجامعة في بيان ليلة الجمعة أن شرطة الجامعة حاولت بعد الظهر مرافقة الموظفين إلى المنطقة لإزالة المعسكر، لكن المتظاهرين منعوهم من الدخول. وقد دفع ذلك الضباط إلى اتخاذ قرار «بتهدئة الوضع» والتراجع «للتقليل من خطر إصابة أنفسهم أو المتظاهرين». وبعد حوالي أسبوع من اعتقال 108 ناشطين مؤيدين لفلسطين في جامعة كولومبيا، قالت إدارة الجامعة في بيان رسمي يوم الجمعة 26 أبريل، إن استدعاء شرطة نيويورك مرة أخرى إلى الحرم الجامعي «سيؤدي إلى نتائج عكسية، لقد طالبنا شرطة نيويورك بإخلاء المخيم مرة واحدة، ولكننا جميعا نشترك في الرأي، بناءً على المناقشات داخل مجتمعنا ومع الخبراء الخارجيين، بأن إعادة شرطة نيويورك في هذا الوقت ستكون له نتائج عكسية، مما يزيد من تأجيج ما يحدث في الحرم الجامعي». وجاء في البيان: «إن جذب الآلاف إلى حرم جامعتنا سيهدد أمن مجتمعنا بأخطار كبيرة».
وعلى الرغم من أن إدارات الجامعات باتت تواجه ضغوطا من الجهات المانحة والسياسيين المتعاطفين مع إسرائيل، إذ أشار عدد من المليارديرات المانحين إلى أنهم ينون سحب دعمهم الذي يقدمونه للجامعات نتيجة حركة الاحتجاجات. إلا أن العديد من المراقبين ينظرون إلى احتجاجات الجامعات الأمريكية بجدية ويتوقعون أنها ستؤثر على القرار الأمريكي الرسمي تجاه السياسات العنصرية في إسرائيل، كما حصل سابقا مع حركات الاحتجاج الشبابية المناهضة لحرب فيتنام، وسياسات الفصل العنصري في جنوب افريقيا.
كاتب عراقي