قصة

حمامتي و أصيص زهور شرفتي

القاص الروائي / عبد الجبار الحمدي

يمتلك العالم الفضاء الشاسع، و أمتلك أنا حريتي هكذا علمتني الايام و انا أجوب فضاءات بلد الضباب.. لندن التي لم اكن اتخيلها إلا من خلال عيون أناسها، فبعد ان طفت الشوارع وميادين الساحات المليئة بالاشجار والاحراش والكثير من أصائص الزهور التي اجدها على الكثير من الشرفات، لاح لي شرفة جذبتني زهور اصائصها المنسقة بشكل يريح النفس مما دفعني للفضول كي أرى صاحبها او صاحبتها فلابد انه شخص مرهف الاحساس، فعمدت الى الركون على حافة سياج الشرفة انظر بحذر لربما صاحبها يمتلك قط  أو كلب مدلل يفقد عقله حين يراني فيلتهمني… على اية حال لحظات وانا اقترب شيئا فشيئا من الاصائص وجدت ان باب الشرفة مفتوح وهناك ليس بالبعيد عنها اريكة تجلس عليها سيدة تمسك كما يبدو لي كتاب بيد ومسبحة بيد أخرى… فجأة ادركت انها ليس من أهل لندن، لابد انها عربية من خلال ما ترتديه، لقد أرتني الحياة حتى حين كنت صغيرة و أنا اجوب الاجواء مع أمي اشاهدهم يختلفون كثيرا عمن يعيشون ارض هذه البقعة من الارض… لست هنا بصدد التمييز لكني شعرت أني وجدت ضالتي هكذا قالت لي نفسي…فنزلت بعد ان تأكدت ان هذه السيدة لا تمتلك اي حيوان أليف يمكن ان ينجس بيئتها النظيفة… لا تستغربوا فإن الله جعلنا ندرك و نحس ونعلم لكن لا مجال للتحاور مع البشر إلا من خلال التعاطف او الإيحاء.. كما اوحى للنمل والنحل من قبل.. فليس معضلة او امر صعب…

شاءت الاقدار ان تنهض هذه السيدة و تتجه الى الشرفة، فطرت من امامها خوفا… فوجدتها تتطلع لي بحنو ورغبة في التقرب مني.. ابتعدت في اجواء محيط شرفتها انظر الى ما تفعله، فوجدتها تمسك بابريق الماء تسقي الزهور التي كانت متراصة بشكل جميل وحسب الالوان منها الاحمر، البنفسجي ،الارزق والاصفر و الابيض بدا لي انها في وسط عالم صنعته لنفسها كي تحياه عبقا مغاير لما تشمه من روائح مقرفة نتيجة عوادم السيارات المارة او من رطوبة الجو وبخار مجاري المياه الاسنة… اعجبني تصرفها حين خرجت الى الشرفة كانت قد لبست الكمامة.. هذا يعني انها انسانة واعية هكذا عرفت عن العرب انهمم اناس يتطهرون في اوقات خمس كي يعبدوا الله الخالق… لهم تسبيحهم كما لنا نحن معشر الطير و الشجر والصخر وكل ما يمكن الانسان ان لا يتخيله هو يسبح لله… سيدة يشع العطر منها كما يشع من الزهور حتى اني ما عدت اميز بين عطرها الذي ترتديه وعطور الزهور التي تعتني فيها بشكل يغريني لان اقترب واعايشها…

الغريب انها كانت تلاحظني وتحركاتي دون ان تشعرني بذلك، وسرعان ما وجدتها تضع لي صحن ممتلئ بالماء وبعض حبات من الرز.. لا تسألوني كيف اعرف ذلك؟ لاني اعرفه بالغريزة فعالمنا ايضا فيه انواع الاطايب او هكذا خُلقنا لا نأكل سوى الطيب من الطعام…

اسابيع مرت وانا في كل صباح اراها تطل مشرقة كما الشمس حين تفتح شباك شرفتها وبيدها قطعة من قماش فتقوم بمسح سطح ورق الزهور بعناية فائقة تمسح الندى كأنها دموع فاضت لمعاناة ما.. تعاملهم مثل اطفالها…لربما لأكثر من نصف ساعة او أكثر كنت انا قد تعودت على كرم ما تجود به ويزداد في كل مرة حتى تجرأت ودخلت فضاء بيتها فاستقريت الى نفس حافة الاريكة التي تجلس عليها لتشاهد ضوء الحياة وهي تناجي ربها الذي تعبد من خلال مسبحتها والادعية التي ترددها… يا الله!! ما اجمل الانسان المؤمن بالله الممسبح له الذي يعترف بأنه مخلوق من أجل سبب لا تعلمه نفسه لكن بالتأكيد يعلمه من خلق تلك النفس.. الكثير من المرات اكون حزينة لأني اراها تتألم لما تعانيه من مرض علمت بذلك فلم امتلك سوى الدعاء لله، شكل يدفع انينها بي الى ان اطير احلق الى السماء ارجو من الله ان يرحمها و يخفف عنها بما تكرمني و بما تكرم تلك الزهور من عناية… فكل ما تقوم به يجازيها الله عليه… احببتها حتى بت اتجول في منزلها واغيضها في بعض المرات لكنها تعاملني بشكل ودود احببتها كثيرا حتى الزهور في تلك الاصائص قالت لي في ذات مساء، كنت قد تسللت اليها لاشم عبق انفاسها دون ان اشعر سيدتي .. نعم باتت سيدتي التي اعشق وهي تشرب فنجان القهوة التي تعده بنفسها بتؤدة ثم تجلس قبالة الشرفة بل في وسطها وهي تناجي ربها في قلبها… يا الله ما اعظم صبرها ورضاها بقضاء الله وقدره… ها انا اليوم وبعد عام ونصف برفقتها لم اجدها تغضب او تتململ، أو تسب او تشتم او رافضة معارضة قدرها… بل مُسَلَمَة لخالقها بحمد وشكر، قانعة بإختبار الله لها احوالها، ما يريح نفسي اني احببت ان أصنع اسرتي الى جانبها كي تحظى  بالطمأنينة فوجدت اصيص فارغ لم تستخدمه في شيء،  فعمدت الى تهيئة عشي مع من احببت ان يكون رفيق حياتي… الى ان فاجأتها وانا اجلس على افراخي… رأيت السعادة على محياها وازداد اهتمامها بي وعنايتها لي… فحدثتني الزهور وحتى الاصائص اننا نعيش حلم الحياة جنة بعيون سيدة مسلمة كأنها آية من تلك الآيات التي يصنعها الله كي تكون علامات واشارات ان الخير والسلام برغم الغربة وعذابها وفراق من نحب ضريبة لغاية لا يعلمها سوى من خلقنا بإرادته و وضع لنا الوسائل الغير محرمة للوصول الى الغايات التي من شأنها أن تجعل الحياة عالما مسالما رغم اشباح الوحدة و وساوس الشياطين، لكن أين للشيطان ان يجوب أناس تتطيبوا بعبق إلهي مرسل بنبي الرحمة و آل بيته الطيبين الطاهرين.

 

عبد الجبار الحمدي

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com