وداعا باقر إبراهيم
زهير كاظم عبود
خلال تاريخ الحركة الوطنية في العراق ترد أسماء مهيبة وكبيرة ٬ تكتسب هذه المهابة والسعة من خلال تفانيها وثباتها على المبادئ والقيم التي تؤمن بها ٬ من خلال تضحياتها وسمو اخلاقها ٬ تخوض الغمار الصعاب وتقتحم وتواجه سلطات غاشمة ٬ وتقدم مثلا اعلى للموقف الذي يليق بالقادة ٬ ما يجعلها متميزة تلك الظروف العسيرة والصعبة التي مرت على تاريخ العراق السياسي الحديث حين يتم امتحان الرجال. هذا هو باقر إبراهيم الموسوي احد أعمدة الحزب الشيوعي العراقي وقياداته في احلك الظروف التي مر بها الحزب ٬ وخط تاريخا مجيدا ويتقدم الصفوف ليقود الحزب في فترة تعد من بين الأصعب والأخطر التي مر بها التنظيم في العراق ٬ وبقي اسمه حاضرا كل الفترات التي صمد بها التنظيم وعاد قويا يواجه سلطة وظفت كل امكانياتها المادية والسياسية للقضاء على الحزب وتنظيماته ٬ تميز باقر إبراهيم بالتواضع والدقة في التشخيص وتمسكه بالأسس الوطنية التي قام عليها الحزب ٬ مثلما تميز بحكمته وتقبله للنقد ٬ ولأنه واكب تنظيم الحزب الشيوعي منذ شبابه ٬ ولأنه كان من بين قادته المتميزين ٬ كتب مذكراته وسيرته الشخصية دون ان يتعرض لاحد من رفاقه ٬ ومن بين المميزات التي عرف بها حرصه على الوطن ٬ وتمسكه بسيادة وحرية العراق قبل كل القيم والمبادئ الأخرى ٬ وهي وجهة نظر جديرة بالتقدير والاحترام وان اختلف معها البعض ٬ غير ان باقر إبراهيم لم يدنس تاريخه ولا يده بموقف سلبي يسجل عليه ٬ متمسكا بالانفتاح الديمقراطي والحلول الوطنية ودعم الصف الوطني وتمسكه بوطنية وعراقية الحزب . رحل باقر إبراهيم عفيف اللسان لم يرد حتى على منتقديه ٬ لعله ارتكب أخطاء خلال عمله الحزبي والسياسي ٬ غير انه كان مخلصا ومؤمنا بنظرته وعقيدته ٬ وخلال تبوؤه مركز قيادة تنظيم الحزب وإعادة صفوفه او عضوية المكتب السياسي او اللجنة المركزية ٬متمسكا بنظرته لما يليق بالواقع العراقي ويتجانس مع الظروف السياسية ٬ لكنه في جميع الأحوال قائدا متميزا ومتنورا من قادة الحزب الشيوعي العراقي ٬ وسيذكره التاريخ العراقي بأنصاف وتقدير كشخصية وطنية عراقية ٬ رحل باقر إبراهيم شيخا هده المرض واعجزه العمر ٬ لكنه انفق كل أيام شبابه ورجولته وكهولته في خدمة الحزب الشيوعي العراقي ٬ ليقضي اكثر من نصف قرن في العمل الحزبي والسياسي ٬ متحملا تبعات هذا العمل والالتزام في ظروف غاية في القسوة انعكست تلك المصاعب والظروف حتى على عائلته الطيبة ٬ وتدرج من ابنا يافعا يعمل في صفوف الحزب حتي صار قائدا كفؤا وقديرا من قادته الشجعان . غادرنا (أبوخولة) بعد ان ترك لنا صفحات ناصعة تعبر عن درجات صدق الرجال وثباتهم في عقيدتهم وفعلهم ٬ وسطر لنا مواقف مر بها وتعرض لها تدل على تضحياته وصبره وثباته على المسار الذي اختاره لنفسه ٬ لم يكسب باقر إبراهيم مكسبا شخصيا بعد كل هذا الزمن الصعب الذي عمل فيه ضمن صفوف الحزب ٬ ومثلما دخل الى التنظيم غادره حاملا معه قناعته التي اختلف مع الاخرين عليها ٬ ولعل الضمير المنصف يتذكر من هذا التاريخ بعض المواقف العفيفة والنظيفة التي لا تليق الا بالقادة والكبار وهو منهم. لعلي من بين المحظوظين الذين توفرت لهم فرصة زيارته في بيته لمرتين متباعدتين ٬ غير ان الحظ خذلني برحل باقر إبراهيم يوم ٢٨ نيسان ٢٠٢٤ حين كنت مسافرا الى العراق ٬ وستبقى ذكراه في قلب كل وطني اصيل نابضة مهما كانت قناعاته او التزاماته