على المحك . . المسرح البديل
عماد جاسم
غصتْ قاعة المسرح الوطني قبل أيام بجمهور غفير لمتابعة المسرحية الكوميدية (ماكو مثلنا) من إعداد جمال الشاطي وإخراج طلال هادي وتمثيل نخبة من أعضاء الفرقة الوطنية للتمثيل تحت إشراف دائرة السينما والمسرح, وكانت هناك تأكيدات في وقت سابق على أهمية استعادة قاعة العرض التي كانت مؤجرة لمستثمرين عرضوا أعمالا تجارية كانت مثار لغط واستهجان الأوساط الثقافية والأكاديمية, ويبدو أن هذا العرض جاء استجابة لمطالبات الكثيرين بضرورة تقديم أعمال تكسب جمهور العوائل المغيب عن عروض المسرح عبر أعمال منتقاة تضع على عاتقها المزج بين الهدف التنويري والنقد المهذب مع الكوميديا النظيفة المعبرة عن طموحات الناس ومتماشية مع أذواقهم بعيدة عن أي نوع من التسطيح والابتذال كالذي كان يحصل في عروض المسرح التجاري على مدى الأعوام الأخيرة الماضية التي تسعى إلى الإضحاك كغاية وليس كوسيلة لتمرير معطى فكري أو هدف تثقيفي أو إنساني.
رهان أداة السينما والمسرح الجديد على هكذا نوع من العروض أي العروض التي قدم النموذج الأول منه قبل أيام (ماكو مثلنا) وهو إعداد من قبل جمال الشاطي عن مسرحية عالمية حملت عنوان زيارة السيدة العجوز والتي كانت في وقتها تنتقد التوجهات الرأسمالية وهيمنة نفوذ القطب الواحد, متمثلا بعودة امرأة إلى مدينتها بعد أن طردت منها لتبدأ عمليات الانتقام من الناس عبر الأموال التي تملكها والتوزيع غير العادل لهذه الأموال, وهو إسقاط ذكي لا يحتاج الشرح وانعكاس لواقع عراقي بامتياز نتيجة غياب العدالة في توزيع الثروة وما سببه ذلك من تناحر بين مكونات الشعب.
المسرحية بشهادة الحاضرين من نخب وعوائل استوفت الشروط الفنية وحفلت بمشاهد ذات مدلولات نقدية قريبة من مزاج الناس وأثارت التساؤلات وهذه من وظائف الفن, كما أن المخرج برع في صناعة تشكيلات صورية وتكوينات تقارب أعماله الجادة التي عرف عنها مخرجا وممثلا من الطراز الرفيع, وابتعد اغلب الممثلين عن التسطيح وتكرار العبارات الشارعية الجارحة أو النكات المبتذلة! بالرغم من بعض المشاهد التي أتت مستنسخة من عروض تجارية فاقدة المعنى والتأثير, لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذه المناسبة هل تستطيع هكذا عروض استدراج جمهور العوائل من جديد؟ ما آليات مسك العصا من النصف لتقديم مسرحيات تحتفظ ببريق المسرح العراقي الهادف وفي نفس الوقت تناغم الذائقة الجديدة التي تطالب بالنكتة والمزحة والغناء الشعبي الذي ترافقه الرقصات, هذه الأسئلة مثار نقاش حيوي, وخيرا فعلت ,,, إدارة دائرة السينما والمسرح حينما عرضت ذلك للتقييم عبر مؤتمر موسع, لطرح الرؤى من قبل المثقفين, ويبقى الطموح معلقا على جدية القائمين وفناني المسرح العراقي, لإمكانية تذليل الصعوبات الإنتاجية وطرح مسرح بديل يحمل مقومات الجمال والمعرفة والممتعة, ويكون نافذة تربوية وثقافية كما كان مسرحنا العراقي سابقا.