حكاية من أرشيف الماضي المؤلم و المخيف ( من تجربة الجبل 3 )
محمد حسن السعدي
بعد أفلاتي من الإعتقال وألتحاقي بالأنصار في الجبل ,أحتل بيتنا لايام من قبل رجال الاستخبارات ظننآ منهم سوف أعود للبيت لأكون طعمآ سهلآ بيدهم ، وبعثروا كل أشيائي الجميلات كتبي ومكتبتي ودفتر مدوناتي , وجرت أعتقالات لأقرب الناس المحيطين بيه أو ممن وجدوا في مكتبتي أشياء تصلهم بيه .
أعتقلوا صديقي عدنان الأنصاري ( أبو حنان ) وتعرض الى أهانات كبيرة للضغط عليه من أجل الحصول على معلومات تدل عليه وأعتقل صديقي ذاري كاظم وتعرض الى وسائل تعذيب قذرة لنفس الغرض .. وأعتقل صديقي عصام زهدي وهو ضرير وتعرض إيضا الى أهانات وأخي أحمد ايضا وكانوا بنفس الزنزانة ، عندما طلب عصام ماء للشرب جاءوا له بكوب ماء ساخن جداً .. وعندما تفاجأوا بردة فعله ، قالوا له ماذا تريد لعد ماء بارد , ولسنوات أنقطعت الأخبار عن أهلي على أقل تقدير من جانبهم أما أنا كنت إتابع أو تصلني أطراف حديث هنا وهناك .
بعد شهور كلفت المرحوم شيخ عطا الطالباني مدير بلدية كفري وأعطيته الدليل دشداشتي المقلمه وفردة نعالي الي هربت بهن .. أن يصلهن الى بنت عمي ساهرة مجيد الى تعمل مهندسة بإحدى دوائر بعقوبة لكي تطمن أهلي بسلامة وصولي , وحدثني الشيخ عطا فيما بعد كيف تفاجأت بنت عمي من مسؤول يأتي لها ويطمنها عن سياسي هارب ومطلوب , وبعد سنوات ذهبت زوجة القائد العسكري مله علي لقاطع سليمانية الى بيتنا وطمنتهم وجلبت لي بعض الأشياء , وكانوا رجال الأمن يطلقون الشائعات بين فترة وأخرى حول مصيري لكي يجيسوا نبض ردة فعل أهلي ورفاقي .. مرة معتقلاً وأخرى معدوماً والى أخره .. في زيارتي الوحيدة واليتيمة بعد الاحتلال الى قريتي حدثني والد أحد المسؤولين البعثيين أننا لم نعمل على حجز عائلتك بالكامل لكي نوحي للآخرين أنك معتقل عندنا وتحت قبضتنا حتى لا نعطي دافع للآخرين للاقتداء بك .
كنت أحب أفكاري وأتطلع لها ، درست الأدب في جامعة بغداد وتتلمذت على يد أساتذه ومفكرين وأدباء ، ونويت في المستقبل التخصص بالشاعر والأديب والرسام الروسي بوريس باسترناك , لكني حرمت من إكمال الدراسة ومن فرصة التخصص بالشاعر بوريس بسبب لؤم البعثيين , قد تكون شخصيته ومواقفه دعتني الى هذا ، أو هناك شيء يحمله مني ومن أفقي في مواجهة التيار مهما يكون عاليا وعاتيا حتى اذا رمتك رياحه على الطرقات كنت ودوماً ضد التملق والتدليس والنذالة وممن ينخر بوطنية الوطن سابقى أكرع دائما من حب الوطن ومائه الصافي الزلال بعيداً عن لوثة الأيديولوجية التي تًًًًٓحمل الوطن أعبائها .
عرف عالميآ بوريس من خلال روايته الدكتور زيفاكو .. حول حياة السوفيت والنظام الشيوعي وعلاقته بالأدباء و وجهات تصورهم المختلفة , منع من نشرها في الاتحاد السوفيتي مما هرب مسودتها عبر الحدود الى أيطاليا وطبعت هناك وعلى أثرها تعرض الى الإعتقال وطالب بعض زملائه ورفاقه من طرده من الاتحاد السوفيتي وسحب الجنسية عنه .. في عام ١٩٥٨ منح باسترناك جائزة نوبل للاداب لكنه رفضها فتوفى ١٩٦٠ ولم يحضر جنازته سوى بعض المعجّبين المخلصين ولم تنشر روايته في الاتحاد السوفيتي ( دكتور زيفاكو ) إلا في عام ١٩٨٧ مع بداية البيريستروكيا والغلاسنوست , وتحولت فيما بعد الى فيلم سينمائي ملحمي وحصد الفيلم خمسة جوائز أوسكار .
طيلة تواجدي في قرى وجبال كردستان مع الثوار ، وكلما أشتعل فتيل الحرب على جبهات القتال مع أيران يزداد عدد الملتحقين بنا وأغلبهم وجهته ايران فبهذه الحالة نكون فقط نقطة مرور مؤلمه لنا .. لأننا نناضل من أجل تعبئة الجماهير وحلم الإطاحة بالدكتاتورية , مرات حدثت مع رفاق درب وأصدقاء شردوا من الحرب بحثاً عن مأوى آمن ، حاولت الامساك بهم واقناعهم بمسيرة نضالنا وتحقيق اهدافنا لأجل أثنائهم عن قرارهم بالذهاب الى ايران والبقاء معنا ، كانوا ليسوا فقط يرفضون بل يسخرون منا .. وبعضهم اليوم يستلم تقاعد برتب عاليه .
مرة ألتقيت بـ “عبد العظيم صادق الكرادي” وهو صديق ورفيق من إيام بعقوبة , واستطعت أن أقنعه بالبقاء وتواصلا مع مشروعنا .. وهو ليس بعيداً عن أجوائنا ينتمي الى عائلة معارضة تاريخياً لسياسة نظام البعث وأعطوا شهداء للحركة الوطنية وهو تعرض أيضا الى الملاحقه والاعتقال .. بعد شهور معدودات تلقيت خبراً عن تعرضه للاصابة فذهبت الى مقر القاطع في منطقة كرجال فوجدته مصابا بشظيه في رأسه أثر قصف على مقر القاطع ، فوجدته مهمولا من الرفاق .
وفي الليلة الاولى التي قضيتها معه بدت عليه أعراض خطيرة داهمته في منتصف الليل أصوات واغماء ، في اليوم التالي تحدثت مع المسؤولين حول وضعه لكن بدون أكتراث لوضعه .. كونه ملتحق جديد فتحملت المسؤولية الشخصية والنضالية وقدته على ظهر بغل الى مدينة دزلي الإيرانية وسلمته الى سلطات الحدود مع كل ما أملك من مال وضعته في جيبه , وبعد مدة عاد مشافى وسألني بعد أن صحى في مستشفى مدينة مريوان الإيرانية ووجد مبلغ في جيبه تذكر انا وضعته في جيبه , وطلبت مرات من قيادة تنظيم المنطقة الوسطى ان يكون ضمن تنظيماتنا المدنية ( الداخلية ) , والتحق بنا وأثبت جدارته في العودة الى بغداد وديالى لتشكيل خيوط حزبية وأصطدم بتحديات ليس سهلة من مأوى وخطوط تحرك ، فعاد سريعاً الى الجبل مع قريبه علي كرادي كملتحق جديد مع الثوار , وحاليا يعيش مع عائلته في الدانمارك .