حكاية من أرشيف الماضي المؤلم و المخيف ( من تجربة الجبل 4 )
بعد جريمة بشتاشان وتداعياتها السياسية والعسكرية والتنظيمية , برزت صفحات من الصراع السياسي ( الحزبي ) كانت مطوية ومخفية .
في قاطع سليمانية المسؤول العسكري بهاء الدين نوري يتحرك وفق رؤيته الخاصة في الموقف من المعارك مع بشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني ويذهب بعقد أتفاقية ( ديوانه ) تحريم القتال بين الطرفين وسط رفض جماعي من القاعدة الحزبية , ما زالت دماء رفاقهم لم تنشف على تلال ووديان بشتاشان يطالبون بالثأر .
تصاعدت وتيرة الصراع بين قيادة الحزب وتم عزل بهاء الدين نوري عن مسؤولياته العسكرية والحزبية وبدأ يلوح بالاعلان ونشر وثيقة التقييم حول سياسة الحزب الشيوعي العراقي من عام ١٩٦٨ الى عام ١٩٧٩ , والقيادة تحذر من مغبة ذلك , تطورت الأحداث بوتائر سريعة ، يتحرك بهاء الدين نوري بتشكيل تكتل جديد تحت أسم ( القاعدة )، ويصدر نشرات داخلية بنشر الغسيل للسياسة الداخلية بعمل قيادة الحزب في الفترات السابقة وتحديدآ في السياسة مع حزب البعث طيلة مدة العمل الجبهوي وعشية التوقيع على ميثاقها ، وتوزع على القوى السياسية ( الكردية ) في قاطع سليمانية , وينضم له ملا علي مسؤول التنظيم العسكري وسرية حلبجه بقيادة توفيق الحاج وشخصيات أخرى .
الصراع أخذ مديات خطيرة في التشهير والتلويح بالتصادم العسكري بعد أن نزل بهاء الدين نوري بقوة عسكرية الى مناطق شهرزور بالتعاون مع قوات الاتحاد الوطني الكردستاني المتحالفة مع قوات البعث من خلال مفاوضاتها الجارية منذ عام وكانت عربونها جريمة بشتاشان , شكلنا مفرزة بقيادة محمد النهر ( ابو لينا ) وانا والشهيد ابو عناد بالتنسيق مع قواتنا الموجودة في شهرزور .. محاولة يائسة لإنهاء هذا الصراع ومن خلال اللقاءات لم تثمر نفعاً الطرفين مستبدين بمواقفهما .. بدأت عمليات مطاردة على أطراف القرى على وشك ان تحدث أبادة جماعية مما دعا الطرف الاخر أن يستعين بقوات الاتحاد الوطني وقوات البعث بشن هجوم علينا ومحاصرتنا من خلال أخبار أهالي القرى والمتعاطفين معنا .. ففي لحظة عصيبة وغير مدروسة وسريعة في ليلة قمرية أنسحبنا بشكل جماعي ومرتبك الى جبل سورين عبر طريق عربد – حلبجه , وبدأت صفحة جديدة من المشاورات والرسائل المتبادلة عبر وسطاء .
في معمعة التطورات الخطيرة والمتسارعة بين الفصائل المسلحة في الجبال ووديانها , كان وما زال البيان المشترك المدوي بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقادة حزبنا الأسرى في معتقلات بيشمركة الاتحاد الوطني .. كريم أحمد وأحمد باني الخيلاني وقادر رشيد موضع تسأل وأستغراب وأستهجان ؟ في الوقت الذي ما زالت دماء رفاقنا لم تيبس في بشتاشان ودشت أربيل وقرى سليمانية .. والمعلومات المؤلمة المتواردة لنا بإعدام كوكبة من رفاقنا العرب في سجون الاتحاد الوطني , وبعد فك أسرهم يأتي أحمد باني خيلاني مسؤول أول لقاطع سليمانية وكركوك خلفآ لبهاء الدين نوري .. وعبر وسطاء يلتحق بهاء الدين ورفاقه بمقراتنا ويخيمون في مصيف ( أحمداوه ) .
وتستأنف مرحلة جديدة من المعارك عبر التشهير والتسقيط السياسي بأعتبار بهاء عميلآ للبعث صاحب أشهر كتاب في أيام العمل الجبهوي مع البعثيين ( ذكريات شيوعي من العراق ) , في لولان يعقد أجتماع للجنة المركزية وعلى ضوء تلك الاجتماع يُستدعى بهاء ومله علي لطوي صفحة قديمة وفتح أخرى جديدة بلملمة الصفوف , و بوتائر سريعة وعبر بيان يوزعه بهاء جرت محاولة أعتقاله وهرب مع أبن أخيه ( أسو ) من منطقة ( دراوا ) مقر المكتب السياسي الى قرية ( التكية ) في قرداغ ، الذي كتب يوما قصته عنها ( قرية على سفح جبل ).
طيلة عام ١٩٨٤ في منطقة ( كرجال ) حركتنا محدودة ضمن الشريط الحدودي على سلسلة جبال سورين بين الأفواج والسرايا والمواقع لا تتعداها كثيراً إلا لضرورات قصوى , نقطة تمويننا الرئيسية من قرية ( إحمداوه ) عبر شلالات مصيفها , كانوا أحيانا يغلقون الطريق علينا ويمنعون من النزول الى القرية بنصب كمائن على طريقنا الوحيد الذي يصلنا الى القرية ربايا وكمائن للجيش العراقي على سلسة قرى ( بيارا وطويلة ) , نقطة تمويننا في القرية ( مله دانا ) صاحب محل صغير في القرية يعمل لنا حجوزاتنا من مدينة حلبجه وننقلها الى مقراتنا الى الجبل عبر البغال .
في عامها تسربت بعض الأخبار ان ( مله دانا ) وكيل أمن رسمي ومرتبط برفاق داخل تنظيماتنا , وبدأت حملة مراقبة وتدقيق وحذر , وأكتشف عدد من الرفاق في أتصالات مع أجهزة البعث عبر ( مله دانا ) وبعد أن شعر بالخطر تمكن من الافلات من قبضتنا في الهروب الى مدينة حلبجه والاحتماء باجهزة السلطة , وتمكنت الأجهزة المختصة داخل التنظيم الحزبي باعتقال مجموعة من الرفاق وهرب البعض , وتحولت أحدى غرف مقرنا الى معتقل لهم ، وبدأت التحقيقات معهم مع أعترافات واضحة باتصالاتهم المشبوهة , وبدأت تتوافد على مقرنا وفود من داخل المدن أهالي وأقرباء المعتقلين للقاء بقيادة قاطع سليمانية وكركوك وسط صمت مطبق حول ما يجري ويحصل وحصل .
أغلب المتهمين هم من رفاقنا الأكراد وفي محاولة يائسة زُج بالنصير أبو أنور ( العربي ) , لكن سرعان ما كشفت عن دوافعها بعد شهور لم يفارقني ذلك المشهد من الكوميديا السوداء ، كنت متسطحاً تحت شجرة رمان مثمرة قريباً من ممشى طريق فرعي في مصيف ( أحمداوه ) دائما أجلس تحتها ، ربما محاولة يائسه لتعيدني الى دفء الهويدر وبساتينها , رأيت دكتور سالار خريج المدارس الحزبية في بلغاريا يقود بعض السجناء بأتجاه القرية ، و لم ينتبهوا لي , أذيع الخبر أن السجناء هربوا من المعتقل ، في هذه الأثناء عقد أجتماع الأفواج والكادر الحزبي .. فالتقيت بالدكتور محمد هادي ( أبو عادل ) و أمنته على الخبر المؤلم وبألم عن ما يتعرض له رفاقنا في سجون البعث من تصفيات جسدية ، ونحن نهرب عملائهم وممن ساهموا في تسليم رفاقنا الى أجهزة البعث .. وعندما تحدث في الاجتماع المسؤول الاول أحمد باني خيلاني عن خطورة هروب السجناء .
أنبرى الدكتور أبو عادل عن معطياته بتهريب السجناء توقف المجتمعون وضغطوا على أبو عادل حول مصادر تلك المعلومات ولم يبخل عليهم أن الرفيق لطيف هو أنا محمد السعدي أساس هذه المعلومات مما غضبوا عليه وتعرضت مباشرة الى عقوبات ومقاطعة وتم نقلي من مقر قيادة القاطع الى منطقة ( هزارستون ) , ثمة رفاق هناك مغضوب عليهم لمواقفهم المبدئية تجاه ما يجري من خروفات , الشهيد أبو سالار من السماوة والشهيد ابو أحمد من الديوانية والشهيد أبو سرمد من الديوانية والشهيد بختيار عرب من بغداد والشهيد يوسف من الكوت .