ندوة في موسكو عن “بوشكين” بكل اللغات
أ.د. ضياء نافع
استلمت دعوة كريمة من اتحاد الشعراء العالمي والمكتبة الوطنية الروسية بموسكو ( مكتبة لينين سابقا) للمشاركة في ندوة طاولة مستديرة حول بوشكين , والتي تنعقد في 6 حزيران 2017 ( وهو يوم ميلاد بوشكين والذي اعلنته ايضا روسيا رسميّا – يوم اللغة الروسية العالمي ) وذلك بمناسبة مرور 218 سنة على ميلاد الشاعر الروسي الكبير بعنوان ( بوشكين بكل اللغات ) في قاعة الاجتماعات بالمكتبة المذكورة .
افتتح الندوة المدير العام للمكتبة الوطنية فلاديمر غنيزديلوف , مشيرا الى ان هذه الفعالية ليست عفوية في مكتبة تعد واحدة من اعظم وأكبر مكتبات العالم , اذ انها تحتوي على عدة ملايين من الدواوين والمجاميع الشعرية , وان نتاجات بوشكين وحدها تصل الى عشرات الاف الكتب وبمختلف اللغات , اعلن غنيزديلوف في ختام كلمته عن شكره لاتحاد الشعراء العالمي على مبادرته هذه , وكذلك عن استعداد المكتبة للتعاون العلمي اللاحق بينهما.
تحدثت بعده رئيسة اتحاد الشعراء العالمي السيدة أرايدا فينوغرادوفا , حيث توقفت عند أهمية الشعر , لانه ( يمكن ان يكون جوابا على القضايا الروحية الكبرى للانسان المعاصر ) , وانه بالتالي ( يمكن أن يوحّد البشر ) , وأشارت الى انه ليس عبثا قرار اليونسكو باعلان (اليوم العالمي للشعر) , ولهذا فان الشعر يجب ان يبدأ الان وفورا ( بتأجيج قلوب البشر !) , وتوقفت فينوغرادوفا عند موضوعة ترجمة الشعر وضرورتها واهميتها في تعريف القارئ بالشعر العالمي و توسيع اطاره ومكانته , مؤكدة على ان الترجمة هي عملية ابداعية يقوم بها اما شاعر او مترجم يتحسس بعمق جمالية الشعر ويحافظ على تلك الصفة المدهشة فيه , اختتمت رئيسة الاتحاد كلمتها بقراءة قصيدة لها عن بوشكين .
تحدثت بعد ذلك استاذة الادب الانكليزي في جامعة اللغات بموسكو عن بوشكين باللغة الانكليزية بشكل وجيز وقرأت قصيدة ( النبي ) بترجمة أحد الشعراء الانكليز , وأجادت الاستاذة بالقاء تلك القصيدة , و صفق الحاضرون لها بشكل واضح.
عرضت عريفة الحفل السيدة عايدة سرغييفنا سوبوليفا بعد ذلك فديو (على شاشتين كبيرتين مثبتين في أعلى بداية القاعة ونهايتها ) يتضمن قراءة بالروسية لقصيدة ( النبي) يلقيها الفنان الروسي الراحل سموكتونوفسكي بطريقة تعبيرية مدهشة الجمال مع ترجمتي لتلك القصيدة بالعربية في أسفل الشاشة , وبعد الانتهاء من هذا العرض أشارت عريفة الحفل , الى ان مترجم هذه القصيدة الى العربية حاضر في ندوتنا , وقدمتني لقراءة الترجمة والحديث عن تاريخها وسبب اختيار تلك القصيدة بالذات للترجمة الى العربية.
قرأت النص العربي لقصيدة ( النبي) وتحدثت عن تاريخ تلك الترجمة بايجاز , اذ اني شاركت عام 1999 بمسابقة اعلنتها منظمة اليونسكو لترجمة قصيدة ( النبي) الى ثماني لغات , من بينها العربية , لمناسبة مرور قرنين على ميلاد بوشكين , ولم تحصل تلك الترجمة على جائزة المسابقة , ولكن منظمة اليونسكو رفضت الاجابة عن استفساري بشأن الترجمة الفائزة آنذاك , مما اضطرني لنشر مقالة بعنوان ( بوشكين واليونسكو وجواد الحطاب وأنا ) , حيث تحدثت هناك عن كل تلك الملابسات التي ارتبطت بهذه المسألة , ونشرت في نهاية المقالة النص العربي للترجمة , واكتشفت بعد فترة ان هذا النص قد تحول الى فديو منشور في الانترنيت لتلك القصيدة مع نصها الروسي بقراءة الفنان الروسي الراحل سموكتونوفسكي .
عرضت عريفة الحفل بعد ذلك صورة التمثال النصفي لبوشكين في كليّة اللغات بجامعة بغداد , وتحدثت عن جهود الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية باقامته بعد تدشين التمثال النصفي للجواهري في جامعة فارونش الروسية بمبادرة من مركز الدراسات العراقية – الروسية في تلك الجامعة ( انظر مقالتنا بعنوان – قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد ).
تحدّث بعد ذلك الدكتور فريد منوروفيتش كارايف رئيس قسم العلوم الانسانية في المعهد الاسلامي في موسكو عن قصيدة بوشكين الشهيرة ( محاكاة القرآن ) , وتاريخ ترجمتها الى اللغة التتارية , وأشار في نهاية كلمته , الى انه يعتبر بوشكين ( أكبر وأعظم شاعر روسي اسلاميّة ) لانه استطاع في قصيدته ( محاكاة القرآن) ان يعكس عمق الاسلام وفلسفته .
توالى المتحدثون في هذه الندوة , واستمعنا الى قصائد بوشكين باللغة الكورية , والتي ألقتها عميدة كليّة الترجمة في جامعة اللغات بموسكو , و ثم باللغات الفرنسية و الصينية والفارسية والاوردو والاذربيجانية والطاجيكية ( قارنت الاستاذة الطاجيكية قصيدة ( التمثال ) لبوشكين باحدى قصائد الفردوسي , وهي ملاحظة في غاية الطرافة والتي تثير الدهشة فعلا وتصلح ان تكون موضوعا متميّزا في علم الادب المقارن) , واستمعنا الى كلمة شائقة جدا لمندوبة مركز سولجينيتسن في موسكو عن دور بوشكين في توحيد اللاجئين الروس , الذين هاجروا بعد اكتوبر 1917 الى خارج روسيا , واستمعنا ايضا الى كلمة مهمة ألقاها البروفيسور بيللي من اكاديمية العلوم الروسية عن موقف بوشكين من حركة الديسمبريين , وتضمنت الكلمة افكارا جديدة جدا بشأن هذا الموضوع الكبير في تاريخ الادب الروسي , ولا يسمح المجال هنا للحديث عنها.
في نهاية الندوة زرنا معرض الكتب عن بوشكين بمختلف اللغات , والذي أعدته ادارة المكتبة , وكان كتاب ( ابنة الضابط) لبوشكين بترجمة سامي الدروبي من ضمن معروضاته , وهو كتاب صادر في دمشق عام 1953 عن دار النهضة المشهورة.
ندوة ( بوشكين بكل اللغات) هي هدية روسيا الى بوشكين في ذكرى ميلاده , وهي كلمة جديدة تضاف الى مكانة بوشكين واهميته في تاريخ الادب الروسي , والادب العالمي ايضا.