عودة الذات لاستذكار البراءة . . الفنانة ” يسرى العبادي “
مؤيد داود البصام
يقترب عالم الفنانة يسرى العبادي من فنتازيات الطفولة والعفوية وروح البراءة التي تلاحقها عبر الوانها وخطوطها ونصوصها، فهي تبحث وتلاحق عالم البراءة والطفولة الذي ما زال يحمل الكثير من الأسرار التي تثير الدهشة والتأمل وروح العفوية، منذ حاول الفنان خوان ميرو نقل أحلام الطفولة، ورؤاه الحلمية بلا وعي وبدون ان يتحكم الوعي في حركة اليد على ظهر اللوحة، من اجل إطلاق وبعث الفرح والعفوية الطفولية من الأعماق السحيقة للذات البشرية التي تكدست عليها إثقال الحياة عبر الزمن المعاش، وباعماله ولدت مدرسة فنية تتبع اعماق الذات وتهتم بالرؤية الذاتية .
وكان ظهور هذه الاعمال الفنية والادبية مصاحبتا لظهور مدرسة التحليل النفسي والبحث عن الذات في بداية القرن العشرين، وهي الاشكالية بذات الرؤية التي جعلت الكثير من الفنانين يحلمون للوصول الى هذه اللحظة وتجلياتها والعودة للفطرة والطبيعة الاولى، ففيها هذا المحمول للقيم الجمالية التي تأسر العقل وتشحذ الوجدان، ففي مرحلة الطفولة تخيلات يحاول فيها الطفل جر الانتباه له، وهي أفعال أو لغة يصعب التفكير أو قراءة انتمائها لأنها تمثل لحظة الدهشة واكتشاف العالم الذي لم ير بكل إبعاده ، فالرؤية لدى الطفل شمولية وخياليه فيها من الاتساع ما لا يمكن ان يصل اليه الراشد.
لهذا تشكل هذه اللحظات للراشد أحلام تعبر خاطر الإنسان فتثير شجونا كانت كامنة تتكدس فوقها عشرات اللحظات والاحداث التي حفرت ندوب سحيقة في اعماقه التي عاشها خلال نضجه، تتحرك من الأعماق لترتفع لحظة احتدام ثقل الحياة والواقع ومحاولة الهروب من ضغوطات الواقع، ولعل العناوين للمعارض الفردية او الثنائية التي عرضت فيها إعمالها الفنانة يسرى العبادي تحيلنا الى هذه الأبعاد التي تشتغل عليها، وتحاول إيجاد المعادلة الموضوعية بين قدرتها في السيطرة على ما حصلت عليه من المعرفة والتجربة المتراكمة خلال دراستها للفن وبين الرؤيا الطفولية لأحلام ومخيال لا يحده حدود، كم من الذكريات محجوزة في جوف غرفة الذاكرة في أعماق العقل البشري، يتسع جمالها لتغيير رؤية الواقع بغير ما هو عليه، وهي تحاول الانتماء الى تلك اللحظات والوصول إليها عبر اللون والخط واعادة صياغة الحركة للشحوص، وإغداق هذا الوجود المحتدم بالصراعات والمشاكل والهموم اليومية لواقع الحياة العصرية بكل ما يحمله من ثقل، محاولة للوصول إلى البهجة والسعادة العفوية التي تحملها الألوان والخطوط والأشكال وحركة الشخوص، ويحرك جزء من السرور والدهشة التي تمثلها براءة الطفولة وعفوية الطرح والبناء الذي تشيد عليه اللوحة كما لو كان عالم ديزني لاند او سنو وابت وأقزامها السبعة.
يسرى العبادي . . و الفضاء المفتوح
اشتغلت الفنانة يسرى العبادي، على فضاء اللوحة الذي احتوى التشخيص والمنمنمات لإشكالها المتنوعة من إزهار وحيوانات وإشكال زخرفيه مختلفة، وتحركت في تشييد اللوحة وفضائها على وقع الرؤية العفوية بما قدمت شخوصها ورموزها الطفولية مع مفردات من الأشياء بصور الجمادات أو الأوراد أو مجموعة المنمنمات التي استقتها من المخزون الصوري الشعبي والفن الإسلامي، إشكال تحلق في الهواء بصورة هلامية، لا قاعدة أو ارض لها سوى تحقيق هذا البعد التعبيري، للتحرر من مثقلات الحياة، باستخدام التبسيط والاختزال والفنتازيات .
وفي معظم إعمالها كان للتشخيص الطفولي بحركاتهم وإشكالهم ووجودهم في عالمها الخاص، الطابع الغالب على إعمالها وأن افترقت إعمالها في كل مرحلة بين معرض وآخر بحجوم اللوحة، ظلت لفترة تقدم بإحجام صغيرة ثم انتقلت إلى المساحات الكبيرة أو بتغيير الأنماط التي تتعامل معها والتشخيص (الفكرات )، الا انها ظلت تبني لوحتها على إساس الفرحة والعفوية واشكال ما يسمى في المسرح (الفرجة)، اشتغلت على الألوان المبهجة والألوان الحارة بالذات، وعلى الرغم من وجود إعمال بخلفية ألوان باردة .
إلا إن الطابع العام للإكسسوارات كان بألوان مبهجة وحارة، وهو ما أسست له بهذا المزج بين اللون الواحد وإدخال لون رديف يكسر رتابة اللون الواحد في خلفية اللوحة، وظل مسارها الحلم بإشكال الفنتازيات التي تلاعبت فيها نحو تحريك الرؤية البصرية لتعميق الناحية التعبيرية في لوحتها، متمثلة بين البساطة في النص وبين امتلاء اللوحة بدسامة اللون، لقد كانت كما في معارضها السابقة تبرهن على قدرتها في استخدام اللون وإبراز قيمته للرؤية البصرية مما يجعل لوحتها بإبعادها الجمالية، ذات قيم جمالية ونصية مشتركة، وضعت الرؤية البصرية بكثافة الزخرفة لتحريك الجو العام للوحة، باختيارات المنمنمات والإشكال الفلكلورية من وقائع الحياة الشعبية، في منحى لتأكيد الفطرية والعفوية، كما نجدها في رسومات الأطفال، وبخلفية ما يشبه (الأزر ) البسط الشعبية التي تنسجها أيدي فطرية .
ولكنها رسومات تتشكل بتكوينات جمالية، فمن يمعن النظر في الإشغال الفلكلورية في الحياكة أو الرسوم على الملابس، سيجد هذا النسيج المدروس لتجانس الألوان واختياراتهم للخطوط بحبكة مذهلة وفي بعضها ما يذهل وكأنها إعمالا لفنان استقى قدرته من الدرس الأكاديمي الذي ينقص الفنان الفطري أصلا، ولهذا فان إعمال الفنانين الفطريين عندما ندرس إبعادها الجمالية، تمنحنا ذات الشعور بأنها إعمال مدروسة لفنانين محترفين، إن اللوحة التي تشتغل عليها الفنانة يسرى العبادي، توحي بذلك الجهد الجمالي لتطريز اللوحة وتوشيتها، من دون ان تثقل عليها، وتترك الحرية في الإبعاد الجمالية للتكوين العام للوحة بالمساحات والفضاء المدروس عند أنشاء اللوحة باحتواء الكتلة مهما اتسعت، وهي الميزة التي تتصف بها لوحتها لتشكيل المعطى لجمالية التكوين بين الكتلة والفضاء .
فكتلتها حرة غير مقيدة، تمثل تجربة الدهشة والتأمل الأولى لحرية الفكر عند الإنسان، بينما الفضاء لديها مساحة مدروسة لحركة الكتلة، فهي تهتم بالكتلة على أساس التوافق بين الرؤيا للحياة وبين جمالية البناء العام للشكل، ليتحقق هذا البعد المدهش في حركة الكتلة داخل فضاء غير محدد، وعلى الرغم من المساحات الواضحة للخلفية، ولكن مع هذا الفراغ الذي تسبح فيه الكتلة بحرية، وإلغاء البؤرة المركزية تختفي القاعدة التي تحمل ثقل الكتلة وتوازنها في بناء اللوحة أكاديميا، لتجعل سطح اللوحة ذات منظور واحد، وتتحرك كتلتها لتخلق منظورها الخاص في الرؤية البصرية، متجانسة مع استنطاقها للقيمة الجمالية للون، وتأطير وجوه أشخاصها ذات الشبه بالأقمار أو الأقراص الطائرة، ويشكل اللون الأسود البؤرة التي تعتمد عليها في تحقيق الالوان الاخرى لقيمة البعد الجمالي عندما يتحقق بيد احترافية، ولهذا تلغي البؤرة المركزية للوحتها، فهي أصلا تخترقها، بهذه الموسيقى الطفولية التي تشتغل عليها، وكثافة الألوان ودسامتها لإظهار قيم جمالية تتجانس مع النص المطروح.
يسرى العبادي : خريجة أكاديمية الفنون الجميلة / قسم الفنون التشكيلية / فرع الرسم / سنة 1985.
وعضو جمعية التشكيليين العراقيين و نقابة الفنانين العراقيين .
أقامت المعرض الشخصي الأول بعنوان “اشراقات” على دار أفق / 2002.والثاني على قاعة المنتدى الثقافي للمرأة/ 2003./ شاركت في كافة المعارض المقامة داخل البلد، منها المعرض الخاص بيوم المرآة 2005 على قاعة الواسطي.
شاركت في المعارض المقامة خارج العراق منها معرض في قاعة رؤى في عمان/الأردن./ واقامة معرضا مشتركا مع الفنان ستار درويش في قاعة الاندى عمان , الاردن/ شاركت في العديد من المعارض منها في دبي وألمانيا وفرنسا وأمريكا واسبانيا./ وآخر مشاركاتها المعرض المشترك لفنانين من العراق في الكويت 2016/ عملت رسامة في جريدة بغداد 2002 / وجريدة الأديب 2004 / وجريدة الحقيقة 2003/ تعمل ألان اختصاصية تربوية في وزارة التربية العراقية/ اختصاص تربية فنية.
حصلت على العديد من الشهادات التقديرية منها :- شهادة تقديرية من جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين عام 2002 وعام 2003./ مركز الفنون بمناسبة يوم الفن 2003و2002./ مركز الفنون بمناسبة يوم بغداد 2003./ شهادة تقديرية من وزارة الثقافة عام 1991/ 2001 / 2002 / 2004 / 2005 / بمناسبة يوم المرأة.