شخصيات من العراق الجمهوري “الفريق الركن صالح مهدي عماش”
شامل عبدالقادر
مِن أكثر الشخصيات السياسية العراقية التي ظلمت في التقييم في حياته وبعد مماته هو الفريق الركن صالح مهدي عماش الذي لعب دورا كبيرا وبارزا في ثورة 14 تموز 1958 وانقلاب 8 شباط 1963 أو الذي أطاح بنظام حكم الفريق عبد الكريم قاسم.
وقد تعرض عماش الى حملات دس رخيص وافتراءات وأكاذيب من قبل بعض الأحزاب والأشخاص لغاية في نفس يعقوب كما لم يتردد بعض أصحاب الضمائر الميتة باتهامه بالجاسوسية للمخابرات الأمريكية بسب رسالة شخصية حملها زميله الملحق العسكري الأمريكي في واشنطن الى بغداد هذا إن صحت هذه الرواية ! كما لم يخلص عماش من سهام النقد والتشهير والافتراء من قبل رفاقه في قيادة حزب البعث أيضا حتى أن الرئيس الأسبق صدام بالاتفاق مع احمد حسن البكر لفقا اتهاما ظالما لعماش وهو خارج العراق يحمل رسالة من البكر الى رؤساء الدول العربية في شمال أفريقيا إذ طرح البكر أمام اجتماع استثنائي لمجلس قيادة الثورة أن عماش يتآمر لقلب نظام الحكم ويجب إعدامه في محاولة من البكر وصدام لتمرير انتخاب صدام بمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة الذي كان من استحقاق عماش باعتباره أقدم الحزبيين والأعضاء في المجلس وعضو القيادتين القومية والقطرية.
ونجح البكر وصدام من تمرير الخطة على أعضاء القيادة وعلق الأستاذ صلاح عمر العلي الذي كشف عنها لأول مرة في لقائه مع الجزيرة انه استقبل عماش في المطار بعد عودته من مهمته واخبره بما جرى فقال له عماش: المهم النتيجة؟ أجابه العلي : انتخب صدام نائبا للبكر .. فضحك عماش وقال : (خلاص كلشي انتهى لا مؤامرة عماش ولا هم يحزنون اللي رادوه سووه.. هاي مؤامرة البكر – صدام مو مؤامرة عماش)! وبلغ من كراهية صدام لعماش انه اتفق مع البكر على إعفائه من جميع مناصبه وتعيينه سفيرا في موسكو حيث اتفق الاثنان البكر وصدام لتمرير مكرهما بأن يطلب صدام إعفاء عماش يقابله البكر بـإعفاء عبد الكريم الشيخلي عراب صدام قبل 17 تموز1968 .
وبالفعل أعفي الرجلان ودعاهما صدام مع زوجتيهما لمائدة غداء في مطعم فاروق مع إطلاق ابتسامات للكاميرات لبث رسالة للعراقيين انه «كلشي ماكو بين الرفاق«! لم يكتف صدام بـإبعاد عماش الى موسكو وباريس بل نقله الى ابعد بلاد الدنيا سفيرا في فنلندا ثلاجة أوروبا! وإمعانا في إهانة الفريق الأول الركن عماش الذي كان وزيرا للدفاع عام 1963 بينما كان صدام شابا بائسا عاطلا بلا هدف في حارات الكرخ في تلك السنة.. شمل عماش بما يسمى بـ(المعايشة في الجبهة) في ثمانينيات القرن الماضي وبالفعل امتثل الفريق الركن للقرار وعاش الفترة وعاد الى فنلندا حيث مات بعد وقت قصير بسبب مرض القلب.
وأكد لي الأستاذ الإعلامي والكاتب المعروف هاني وهيب النداوي وهو ابن خالة عماش نقلا عن شقيق عماش اللواء برهان أن عماش كان يتناول حبة للقلب تحت لسانه وهو مات مريضا بالقلب وليس مقتولا بالثاليوم كما أشيع كذبا وافتراءً! وتعرض عماش الى إهانة أخرى من صدام عندما قال في أحد لقاءاته مع المشاركين في 8 شباط 1963 إن عماش كان حزبيا ولم يكن شجاعا وأن حردان كان غير حزبي ولكنه شجاع وكان بـإمكانه أن يزيحني عن الحكم! واطلع عماش على كلام صدام وصدم نفسيا وكتب للقيادة القومية تقريرا يطالب بالتحقيق فيما جاء في كلام (الرفيق صدام) تساءل عماش في تقريره: هل يمكن لمسؤول المكتب العسكري للحزب وهو أنا أن يكون غير شجاع وهو المكتب الذي خطط ونفذ ثورة 14 رمضان؟! بطريقة ما كما قال لي الأستاذ هاني وهيب أهدى صدام سيارة حديثة لعماش بعد أن علم بشكواه للقيادة القومية وهو بمثابة اعتذار عما فلت عن لسانه بحق عماش!
لكن صدام أيضا لم يتوقف عن مهاجمة عماش فقد زعم أمام عدد من (ثوار رمضان) كما يطلق على المشاركين في انقلاب 8 شباط أن عماش لم يكن في يوم ما من حياته مسؤولا للمكتب العسكري.. احتج عماش أيضا.. وطلب صدام حضور بعض أعضاء القيادة السابقين للشهادة في هذه القضية وللأسف تملق الكثيرون لصدام على حساب الحقيقة التاريخية إلا الأستاذ محسن الشيخ راضي عضو القيادة السابق الذي أكد أمام صدام والحاضرين بأن عماش كان مسؤولا عن المكتب العسكري قبل 1963 وسكت الجميع بما فيهم صدام! عماش رحمه الله لم يكن دمويا بل هو رجل عقيدة احترف العمل السياسي منذ عام 1948 ومخلص لقضيته ويحب عمله ووطنه وعروبته وهو شاعر مرهف الإحساس وصديق شخصي لشاعر العرب الأكبر الجواهري وله مؤلفات عسكرية ومدنية.. عاش عماش سنوات في الحكم والوظيفة ولم يلوث يديه بدم احد وما يشاع عنه من أكاذيب حول دوره في تصفية الشيوعيين فلا يوجد دليل واحد على قيام عماش بقتل أي خصم سياسي في عام 1963 أو بعد سنوات 1968!