زينب كاظم
“الموسيقى ترافق أرواحنا و تجتاز معنا مراحل الحياة , تشاطرنا الأزراء و الأفراح و تساهمنا السَراء و الضَراء , و تقوم كالشاهد في أيام مسرتنا و كقريب شفيق في أيام شقائنا ”
جبران خليل جبران
أن الحديث عن التأثير الأيجابي للموسيقى في أمزجتنا و أفكارنا قد بات أمراً مألوفاً و شائعا , أذ لا يوجد منا من لا يؤمن بأهمية الموسيقى في حياتنا أو قدرتها العجائبية على تغيير حالتنا من حزن الى فرح او حتى العكس و ذلك أعتماداً على ما أقترنت به هذه النغمات او تلك في أذهاننا من ذكرى أو صور عقلية قد ترجعنا الى موقف محزن أو مبهج .
و لكن هذا عن فهمنا السائد و الشائع في أحاديثنا و الذي تعرفناه من خلال تجاربنا الذاتية , ماذا عن العلم و عن الطريقة الصحيحة التي يمكن بها أستثمار الموسيقى للتخلص من الكثير من المتاعب النفسية التي ترهقنا و التي باتت جزء من منظومتنا النفسية كالأكتئاب و التوتر و القلق و التشوش الذهني و غيرها من الحالات غير المريحة التي تربكنا و تفقدنا متعة لحظاتنا.
يؤكد طبيب الأعصاب البريطاني و مؤلف كتاب نزعة الى الموسيقى على أننا جميعا مخلوقات موسيقية و أن أدمغتنا هي مركز موسيقانا , و هذا بالفعل ما يمكن ان يتوصل اليه الفرد من خلال تأمله للعمليات الحيوية التي تجري في جسده الخاص بدءاً من دقات القلب و انتهاءا بخرير جريان الدم في الأوردة و ترددات ذبذبات الموجات العصبية , كل ذلك عبارة عن ذبذبات بتردد 528 هرتز و هي مستوى التردد الذي يستخدم عادة من قبل المعالج بالموسيقى , إذ وجدت الدراسات ان ترددات أصوت الطبيعة تكون عند هذا الحد و هو ما يفسر الأرتياح الذي نستشعره و نحن نستمع لهديل يمامة أو غناء طير عند الصباح و البهجة التي تمنحنا أياها نسائم الهواء و حفيف الأشجار و غيرها من موسيقى الكون المحيطة بنا .
كما أكد الباحثين أن موسيقى كل من “بتهوفن ” و “موزارت” تبلغ تردداتها هذا المستوى أي 528 هرتز , لهذا السبب نجد المعالجين بالموسيقى يستخدمون الموسيقى الكلاسيكية في علاجهم لحالات المضطربين.
لنتعرف أذن على ماهية هذا العلاج ؟
العلاج بالموسيقى هو علاج عيادي مبني على التفاعل مع الموسيقى من أجل تحقيق أهداف معينة في صحة الشخص المقابل , في جوانب مختلفة كالجوانب العقلية و البدنية و الروحية , هذا ما أكدته جمعية العلاج بالموسيقى الأمريكية (American Music Therapy Association) .
يكون ذلك بمرحلتين علاجيتين :
الأولى تسمى . . العلاج التحسيني و يكون قائم على العلاقة مع الشخص لتحسين ردود أفعاله تجاه الموسيقى.
اما المرحلة الثانية . . فهي العلاجي النفسي , إذ يتم الأستماع الى الموسيقى أو عزف موسيقى معينة تؤدي الى أسترخاء المضطرب و تهدئته و يطلب منه التعبير عن كل ما يعتريه من تغييرات و ما يشعر به خلال أستماعه للموسسيقى.و التعبير عن هواجسه و مخاوفه , و يؤكد الباحثين في هذا المجال ان العلاج بالموسيقى من أفضل السبل لعلاج امراض كالفوبيا و الأكتئاب المزمن و حتى التوحد لدى الأطفال .
إذ يقوم العلاج النفسي بصورة عامة بدرجة أساسية على تحقيق مفهوم “اللاكبت” أي أيصال المضطرب الى مرحلة يكون فيها قادر على التخلص من مكبوتاته الكامنة و التي تعيق النمو النفسي السليم و التدفق الطاقي لروحه .
كما تؤكد الدراسات أن الأستماع المباشر للموجات المنبعثة من الآلة الموسيقية دون الأعتماد على الموسيقى المُسجلة أو الأستماع من خلال المذياع أو التلفاز يكون لها الأثر الأكبر و الأعمق , إذ وجدوا أن غناء الأم لوليدها يسهم بدرجة أكبر في نمو و تهدئة الطفل مقارنة بالأم التي تعتمد على الموسيقى المُسجلة .
كما تفيد دراسة نشرت مؤخراً الى أن الأستماع الى الموسيقى تقلل من أحتمالات الأصابة بالخرف (الزهايمر) و ذلك من خلال تحسين القدرات العقلية و منع الأكتئاب الذي يعد من المسببات الرئيسية في حدوث الخرف و غيرها الكثير من الأبحاث و الدراسات التي تنشر سنويا من قبل جمعية العلاج بالموسيقى الأمريكية و مجلات و صف مختصة بنشر الدراسات المرتبطة بهذا الأسلوب العلاجي .
و أخيرا يمكن أن نعد الموسيقى كعقار وقائي نحمي به أنفسنا و نغذي أرواحنا بالطاقة التي نحتاجها خلال مسار الحياة , تماما كالأجراءات الوقائية التي نتبعها في حماية أجسادنا و تجنيبها الأمراض , و بالتأكيد يجب الأشارة الى أن التركيز هنا على الموسيقى الهادئة و الكلاسيكية منها و ليست تلك الصاخبة التي تكون ذات أَضرار تفوق مضار الأضطراب نفسه !.