سطور . . من شهادات
محمد حسن السعدي
ذكرى مجزرة شباط عام 1963
يوم الشهيد الشيوعي
خزعل علي جاسم السعدي .. ولد في قرية الهويدر ١٩٢٧ , وأستشهد بالتعذيب بعد مجازر شباط ١٩٦٣ من الضباط الأحرار .
في صبيحة ثورة تموز ١٩٥٨ قاد دبابتين وأقتحم مبنى الإذاعة في الصالحية ، وعندما رأوه المشير عبد السلام عارف .. صرخ وهو يبكي .. لقد أنتصرت الثورة , فسلم الشهيد خزعل المايكرفون الى عبد السلام عارف .. ليذيع البيان الأول للثورة , بعد الثورة مباشرة أستلم أمر كتيبة المثنى ( الرابعة ) للدبابات ومرسلات أذاعة أبو غريب .. وجعل من كتيبته رأس رمح في الحفاظ على الثورة ومكاسبها .
سرعان ما تقاطعت رؤاه مع خطوات الزعيم في سوء أدارته لشؤون التغير الجديد وتشبثاته .. مما طرح مع رفيقه خليل العّلي أمر الكتيبة المدرعة ( الثانية ) على قيادة الحزب الشيوعي العراقي باستلام السلطة وتفويت الفرصة على أعدائها ، الذين يحوكون المؤامرة تلو الآخرى للنيل من منجزات الثورة ورجالها , وبهذا يكون قد ضمنا منجزات الثورة وحافظا على حياة الزعيم بترحيله خارج البلد .. وفي أجتماع للمكتب السياسي لقيادة الحزب الشيوعي العراقي وعلى ضوء تلك التطورات تردد المجتمعون أمام شعبية قاسم في المغامرة على تلك الخطوة مما دعا المجتمعون بتأجيل هذه الخطوة جملة وتفصيلا ، ويعزو الباحث حنا بطاطو الى العامل ذو الوزن الأكبر لتلك القرار بتأثير السوفيت حيث في حينها كان جورج تلو يتعالج في مستشفياتها فاخرجوه مع رسالة شديدة اللهجة أن تكف قيادة الحزب عن أستفزاز الزعيم قاسم .
كانت ردّة فعل الشهداء خزعل السعدي وخليل العّلي أن يذهبا بملابسهم العسكرية الى جريدة الحزب الرسمية ( أتحاد الشعب ) مما رصدتهم أستخبارات الزعيم وتعرضا الى الإعتقال لمدة عام في سجن رقم واحد , و روى لي شخصياً المرحوم الشاعر كاظم السماوي عن المواقف المشهودة للشهيد خزعل في سجن رقم واحد ، الذي كانت زنزانته مقابل زنزانة الشهيد خزعل .. حدثني المرحوم عامر عبدالله في بيته في براغ صيف ١٩٨٩ حديث طويل عن خالي خزعل السعدي , وكيف سبب لقيادة الحزب أحراج في العلاقة مع الزعيم وبسببه دعا الزعيم أن يشك في نوايانا الطيبة أتجاه .. وسألته شخصيا لو عاد الزمن مرة أخرى ، ماذا سيكون موقفكم ؟.
قال لي .. سننصت الى مقترحات السعدي ونتبناه عملياً في الحفاظ على الحزب والجماهير والثورة , اما المرحوم غضبان السعد حدثني في دمشق خريف ١٩٨٨ بألم عن ما حدث وما آلت اليه الأمور بسبب تغيب صوتنا , بعد تلك الأحداث المؤلمة سلمت كتيبة المثنى للدبابات الى البعثي خالد مكي الهاشمي والقومي مساعداً له خالد حسون فريد ، وأكدت الأحداث هذه واحدة مهمة من نوايا البعثيين والقوميين في السيطرة على أهم معقل من معاقل الثورة ، وفعلاً كانت رأس الرمح في القضاء على الثورة ومنها أنطلقوا في الهجوم على وزارة الدفاع وبث بيانات الانقلاب .
بعد فترة السجن وخروج خزعل السعدي من سجن رقم واحد طاردته أستخبارات قاسم مرة أخرى في تتبع أثره في محاولة لأعتقاله مرة أخرى .. فظل مختفياً لعدة سنوات الى يوم ٨ شباط ظهر في مدينة الكاظمية قائداً للمقاومة ومشرفاً على صنع قنابل المولوتوف .. ألقي القبض عليه بعد فشل المقاومة يوم ١١ أذار وأعلن عن أعدامه مع رفيقه فاضل البياتي في الصحف الرسمية يوم ٢٦ أيار ١٩٦٣ .. بدون جثه ولا قبر .
هذا موقفه البطولي في الوقت الذي من كان يحظى باهتمام الزعيم والمجاملة في الدفاع عن سياسته جلس يوم الانقلاب في بيته منتظراً لحظة الفرج في أعتقاله من قبل الانقلابيين وممن كان متأمراً عليه جاسم العزاوي مثالاً , فطنت بين جدران ذلك البيت الطيني معلقاً بين نهرين جاريين في قرية الهويدر على وشاح أمي الأسود في كل ركن من البيت يرمز الى حزن عميق , كبرت مع أحاديث أمي عنه ، وأنا لا تفارقني ملامحه الحادة في ذاكرتي ، عندما يأتي الى بيتنا ويلتف حوله ثمة رفاق وأصدقاء وأقرباء .. من هنا زاد تلهفي حول مسيرته بل تقمصتها .. مع مرور الايام ، كبرت ووعيت على تلك السفر النضالي المجيد ، وكان طريقاً وطنياً لي في النضال والموقف والتضحية ، فقد وجدت في هذا الخال قوة المثل في رسم طريق حياتي .
فقد ومضت في ذاكرتي تلك الأحاديث البسيطة النابعة من قلب أمي الحنون عن خالي الشهيد ، والتي شكلت بدايات التعلق ليس بشخصه وسماته فحسب ، وأنما بنهج آمن به وأتخذه سبيل وفاء لشعبه حتى الشهادة , وبعد لقد ألتحقت بالحزب نفسه الذي ألتحق به الشهيد خزعل السعدي وسرت على الدرب ذاته الذي سار عليه .. وأثناء عملي الحزبي ، كنت أسمع الكثير عنه ، وبالأخص عن مدى أيمانه بعدالة موقفه ومدى التزامه بالفكر الذي أقتنع به ، وأعطى حياته ثمناً له .