ديمقراطية . . الأرنب و الغزال
ما الفرق الذي سيكسبه المواطن السني أو الشيعي أو الكوردي لو أجريت الانتخابات في موعدها المقرر في الثاني عشر من مايو/ أيار القادم، أو لو كان الضغط السني والكوردي قد أرغم الإيرانيين والأمريكان ووكلاءهم المحليين على تأجيلها؟.
ويبر الإسلاميون الشيعة إصرارهم على إجرائها في موعدها بحرصهم على احترام الدستور، وبدافع عدم السماح للسياسيين السنة والكورد بتجاوز أحكام القانون متذرعين بالظروف الاستثنائية التي تمر بها المحافظات السنية والإقليم.
عجايب .. ومتى عرف عن نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري وجواد الشهرستاني وابراهيم الجعفري وقيس الخزعلي احترامٌ لدستور، والتزام بقانون؟.
وعلى الطرف الثاني نساءل، هل صحيح أن ما جعل المرشحين الإسلاميين والقوميين والبعثيين والعلمانيين السنة يطالبون بتأجيل الانتخابات هو إخلاصهم لأهلهم، وسعيٌ نزيه ومخلص وشريف لإنصافهم، وجعلهم آمنين ومستقرين في منازلهم لكي يستطيعوا الإدلاء بأصواتهم بحرية وشفافية، فيختاروا المرشح الأقدر على الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم في البرلمان القادم؟.
وهل كان وضع المحاظات السنية سيغدو مثاليا إذا فاز أو لم يفز (تحالف أياد علاوي وسليم الجبوري وصالح المطلك)، أو (تحالف أسامة النجيفي وخميس الخنجر وسلمان الجميلي وظافر العاني)، أو (تحالف ناهدة الدايني وطلال الزوبعي وعامر حبيب الخيزران، في ديالى)، أو (تحالف أحمد الجبوري ووزير الكهرباء السابق أيهم السامرائي، في صلاح الدين)، أو (تحالف محافظ الأنبار محمد الحلبوسي وسعدون الدليمي في الأنبار)؟.
وماذا سيختلف على المواطن الكوردي لو فاز (تحالف حركة التغيير)، أو(الجماعة الاسلامية)، أو (حزب كاكه برهم)، أو (حزب كاكه مسعود)، أو بقايا (حزب مام جلال)؟.
وبعد أن تطوعت المحكمة العليا، مرغمة ومضطرة، فرفضت التأجيل، هل سيتغير حال الناصرية والبصرة والحلة ومدينة الصدر والنجف وكربلاء؟.
وأيُ خيرٍ وأمن ورخاء سيعم الجماهير الشيعية لو فاز (ائتلاف نوري المالكي وحمد الموسوي وأحمد ملا طلال وياسر صخيل وعلي المالكي)، أو (تحالف منظمة بدر والصادقون والحركة الاسلامية في العراق وحزب الطليعة الاسلامي والمجلس الأعلى الاسلامي)، أو (تحالف حيدر العبادي وتكتل مستقلون وحزب المؤتمر الوطني العراقي)؟.
والأكثر غرابة أنهم، جميعا، رافضون للطائفية والمحاصصة المقيتة، وهم جميعا أيضا متمسكون بدولة المواطنة والعدل والمساواة، وخائفون على وحدة الوطن وسيادته وكرامة حدوده التي ضحى رؤساء الأحزاب والائتلافات والتحالفات الشيعية والسنية والكوردية بفلذات أكبادهم من أجل حمايتها من انتهاك العدو أو الصديق،فكانوا من الشهداء والصديقين.
ألم تروا كيف اختلط الحابل بالنابل، والأبيض بالأسود، والأخضر بالأحمر، والمعمم بالعلماني، والقومي بالماركسي، في المشهد الانتخابي الجديد؟
ألم نقل لكم، مئاتِ المرات، إن الانتخابات العراقية، منذ العام 2005 وحتى اليوم، مسرحيات هزلية يحرص السياسيون المحليون الصغار، شيعة كانوا أو سنة أو كردا أو تركمانا، معممين أم علمانيين، على التكالب والتضارب والتحارب على خوضها من أجل الحصول على حصة من خيرات الوزارة والبرلمان أكبر مما في أيديهم من مكاسب الانتخابات الماضية؟.
فالمعروف الذي لا يحتاج إلى إثبات أن الدين والطائفة والقومية، وحقوق الجماهير وأمنها ومستقبلها آخر ما يعني قادةَ الأحزاب والائتلافات والتيارات المتصارعة. والدليل أن مدن المحافظات الشيعية والسنية والكردية وقراها في أسوأ حال، منذ العام 2003 وإلى اليوم. في حين استطاع المتسكعون، بالأمس، على أبواب المخابرات السورية والإيرانية والأمريكية والبريطانية، والذين أصبحوا، بعد كارثة الغزو الأمريكي ومصيبة الاحتلال الإيراني، رؤساء وزارات ووزراء وسفراء ومدراء، أن يكسبوا ثروات مليارية، وقصورا صدامية، ومزارع وعمارات وشركات وإذاعات وفضائيات ومساجد وحسينيات، من تجارة الشعارات، ومن احتكار حق التحدث باسم الطائفة والقومية والدين دون إذن حقيقي من أحد.
ولكن الذي يصعب فهمه أبدا هو حرص بعض العراقيين، نفاقا وانتهازية، أو جهلا وعصبيةً طائفية أو عنصرية، على ضرورة إجراء انتخاباتٍ يعلمون، قبل غيرهم، بأنها لن تقدم ولن تؤخر في حياة أحدٍ من أهلهم قيد أنملة، ولن تغير شيئا من واقع الحال المزري الرديء الذي تعوَّدْنا على أن يصبح أكثر فسادا وخرابا وتخلفا وعمالة في أعقاب كل انتخاب.
ويمكن أن نعذر الجاهل الذي لم يتبحر في علم الديمقراطية وتاريخها وأصولها وثقافتها، ولكن كيف يمكن أن نعذر السفارة الأمريكية التي عارضت تأجيل الانتخابات، وهي تعلم، أكثر وأعمق من غيرها، بأن إجراءها في أعقاب الكارثتين المدمرتين، داعش واستفتاء مسعود البارزاني، يجعل الضرب في الميت لا حلالا فقط، بل واجبا (ديمقراطيا) و(إنسانيا) مقدسا، حتى وهي تعلم بأن إجراءها في موعدها رغبة النظام الإيراني المثير للقلاقل والراعي للإرهاب، في العراق والمنطقة، والذي تزعم حكومة العم دونالد ترمب بأنها تعارضه وتعمل على مواجهة نفوذه في العراق.
ألم تصلها نسخة من تصريح صحفي صارخ أدلت به النائبة عن ائتلاف دولة القانون، هدى سجاد، تقول فيه إن “وجود ايران في العراق مفروض منذ 2003 ، وإنها حريصة على ضبط الشيعة، وهو أمر معلن وليس غريبا على أحد”؟، وإن “الوساطة التي تلعبها إيران لتقريب وجهات نظر البيت الشيعي ليست أمرا غريبا، وقاسم سليماني لا يُجبر احدا،ً ولا يتدخل بـ (شكل كبير)، كما يشاع”؟.
يضاف إلى ذلك كله أن سفارة (العمة) أميركا تعلم علم اليقين بأن حلفاءها العراقيين القدامى الذين رعتهم حكومتها حين كانوا معارضين لصدام، والذين جعلتهم، هي، ورثةً لنظامه، ليسوا ديمقراطيين، وأنهم، جميعا، في نهاية المطاف، موظفون طيعون أذلاء لدى سفارة الولي الفقيه في بغداد.
وجميعُهم، دون أن نستثني أحدا، يمارسون السلطة بقلوب قاسية، ونفوس حاقدة ظالمة، حتى فيما بين بعضهم، ومع حلفائهم المقربين، وكأن الديكتاتورية كانت مختبئة في داخل كل واحد منهم تترقب الفرصة السانحة لكي تخرج من قمقمها لتملأ الأرض قهرا واغتصابا وتسلطا واحتكارا، بأضعاف أضعاف ما شهده العراقيون في عهد الراحل صدام حسين.
فعن أية انتخابات، وعن أية ديمقراطية يتحدث السفير الأمريكي ونوري المالكي وحيدر العبادي وصالح المطلق وأسامة النجيفي وسعدون الدليمي ومشعان؟؟.
وأخيرا وبالقلم العريض، لن ينال العراقيين، جميعا، من كل هذه التمثيليات الكوميدية الهابطة، نصيبٌ سوى الأرنب، ما داموا يُركبون على ظهورهم مثلَ هؤلاء الأفاقين والمزورين. أما الغزال فمن حظ الشعوب الأصيلة التي لا تصبر طويلا على محتل وعلى جواسيسه المحليين الصغار.