حكاية من أرشيف الماضي المؤلم و المخيف ( من تجربة الجبل 9 )
محمد حسن السعدي
وصلت من قاطع سليمانية عبر الاراضي الإيرانية بهوية أحد الأحزاب الكردستانية المناضلة والعاملة في الجبل الى منطقة لولان نهاية ١٩٨٥ .. وكانت توآ منتهيه أعمال المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي والنقاش محتدم بحذر حوله ، وحول آلية عقده ونتائجه .
بعد أيام وبجو ممطر لكنه كان دافيء تحركت مع مفرزة الى مناطق بهدينان ، وكان من ضمنها عدنان الطالقاني ( ابو هيمن ) أحد الكوادر الحزبية البارزة في محلية مدينة السماوة أيام العمل الجبهوي مع البعثيين ، وفالح حسن ( أبو بهاء ) ولأول مرة ألتقي بهم وأتعرف عليهم .. وأثناء عقد المؤتمر ورغم الدعوة الرسمية لهم كمندوبي مؤتمر ، لكنهم حجروا بعيداً عن خيمة المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي في منطقة ( أرموش السفلى ) في ( لولان ) ولَم يحضروا وقائعه وكان اللغط حولهم متلاطم الامواج يصفع الأحداث بارتباطهم بأجهزة المخابرات العراقية .
طيلة أيام المفرزة كانوا لطفاء ويتحدثون بأيمان ودفاعهم عن الحزب وينتقدون القيادة اليمينية وما أرتكبت من أخطاء أدت بنا الى المهجر والعزلة الجماهيرية وحول المؤتمر ونتائجه وماذا سيتمخض عن الجبل الا ولادة فأراً ، وكانت لهم فرص سهله بالهروب باتجاه مواقع للسلطه ، لكنهم لم يفعلوها ، أقرب نقطة لهم كانت قرية ( جمجو ) عندما مررنا بها في طريقنا الى بهدينان وسط ربايا السلطة والطرق كلها سالكة بأتجاه المدينة عبر شارع مبلط , وبعد وصولنا الى الفصيل المستقل في منطقة( زيوه ) .. عقد قادة الحزب عمر الشيخ ، أراخاجادور ، حميد مجيد موسى سلسلة محاضرات حول المؤتمر ونتائجه وكانوا يناقشون ويحاججون وينتقدون نتائج المؤتمر وآلية عقده وقراراته .
بعد أيام أعتقل أبو بهاء وزج ببو هيمن الى بغداد ، رغم الشكوك القوية حوله بأنه المسؤول عن تسليم وأعدام ثمة رفاق من الفرات الأوسط ، لكن الصراع بين بعض قادة الحزب والتنظيمات ( الاقليمية ) هو السبب وراء زُج أبو هيمن الى الداخل ، راح ولا يعد ثانية لا للحزب ولا للأنصار ، والأن يقيم بمملكة السويد ، وقبل عام مضى حضر مؤتمر للبعثيين في أسبانيا . وفي المرة الاخيرة وقبل ذهاب أبو هيمن الى بغداد حدثني جانباً في الفصيل المستقل يدعوني الاتصال به عندما أصل بغداد ، ولَم يجد تلك الرغبة جوايه وحذري الشديد منعه من مواصلة الحديث .
نعود الى ( أبو بهاء ) تعرض الى تحقيق شديد وبأدلة دامغة عن أرتباطاته المشبوهة مع أجهزة السلطة العراقية فأدلى باعترافات كاملة عن أرتباطاته والمهام الملقاة عليه وهو من كوادر محلية البصرة لم يتمكن أن يخفي أرتباطه بالأجهزة الأمنية بعد محاولات عديدة منه وظل يهتف بحياة الحزب وروح فهد ، وختاماً تمت مواجهته مع العميل المزدوج شهاب ، الذي هو وراء تشخيصه وتأكيد كشفه للحزب في أطراف مدينة العمادية والتي تقع في شمال محافظة دهوك ، لكن هذا لم يغيب عن عيون أجهزة مخابرات البعث بعد ساعات أعتقل ( شهاب ) وتمت مساومته على فعلته هذه بحياته وحياة عائلته أمام أغتيال كوادر محلية دهوك الذين كانوا هم وراء تلك الصفقة فحدد موعد معهم وأغتال ثلاثة رفاق منهم و من ضمنهم مجيد السهلاني ( أبو رؤوف ) وسلم نفسه الى السلطات مع الجثامين .
كان العميل المزدوج شهاب هو وراء كشف عمالة أبو بهاء للحزب ، في أحد الايام وعبر محلية نينوى تهيأ أبو بهاء للنزول الى بغداد وطلب منه رفاق محلية نينوى أن يتريث قليلاً للاستنفار الأمني والعسكري والدوريات الكبيرة في المنطقة حسب ما روي لي من أحد الرفاق المسؤولين عن مهمة أمن أيصاله بأمان ، لكنه أصر فصعد بسيارة عمومي من أحدى القرى فبعد مسافة قليلة ، قامت مفرزة بايقاف السيارة والتدقيق بالراكبين ، فطلبت المفرزة من أبو بهاء النزول من السيارة فطلب منهم الحديث مع شخصية مخابراتية مهمة وحالاً أطلقوا سراحه ، وكان ضمن المفرزة شهاب ، فبرق الواقعة بتفاصيلها الى الحزب ، وبَقى الحزب مكتم على الخبر لحين عقد المؤتمر الرابع فدعي أبو بهاء ضمن المدعوين ( مندوبي المؤتمر ) , فتم القصاص منه .
التمرس في العمل الحزبي ( السري ) ومواكبة حياة الناس والعيش وسطهم ونزولاً عند مشاكلهم اليومية المطلبية , وأن تشعر بتطلعاتهم فهو أمر هام في العمل التنظيمي ( السري ) وأن تعود حالك أنت جزء منهم ومن حركة مجتمع تعيش بوسطهم وتتكيف مع طرق حياتهم وتبتعد عن تفكير أن تضع نفسك أن تكون سياسياً مطلوباً لأجهزة أمن الدولة بهذا كان يوصي الرفيق فهد رفاقه أيام العمل السري في زمن النظام الملكي ( الى رفاقنا المناضلين الملاحقين من أجهزة شرطة الأمن السرية تصرف كما أنت ، كن كما انت بين جماهيرك وناسك ) .
فكرة الكفاح المسلح وهدفها الأول التي أنطلقت من أجله والتي تبناه الحزب الشيوعي العراقي في نهاية السبعينيات بعد أن فرط عقد الجبهة مع البعثيين لاحيال أمامنا الا الالتحاق في جبال شمال العراق ، أذا ردت ان تبقى شيوعياً بعيداً عن أسقاطات البعث في ممارساته الدموية من أساليب تسقيط وتشويه ، فترك العراق وأهلك وموقعك الاجتماعي والعائلي كفيل بان تبقى بعيداً عنهم وعن أساليبهم , فخطة الكفاح المسلح في خطوتها الاولى خطت خط تماس وتواصل وأحياء تنظيمات الحزب في المدن العراقية بعد أن دمرتها أجهزة البعث القمعية وشلت حركتها بالكامل .. كانت من الصعوبة التعويل على أسلوب الكفاح المسلح في أسقاط نظام البعث لجملة عوامل ومتغيرات وظروف وتوازنات وأمكانيات أقليمية ودولية ، لكن أيضا لم نقم بدورنا المنشود في التواصل مع ناسنا ورفاقنا في الداخل وتهيئة مستلزمات عمل تنظيمي وسياسي تضطلع به الجماهير في تهديد أعمدة حزب البعث الاساسية .
مرة وبعد سنوات من الكفاح المسلح حضرت أمسية لكاظم حبيب تحدث بها بوضوح وقال .. نحن الى الأن لم نتمكن من خرمشة ظهر العدو ( حزب البعث ) . حيث بقى صوتنا ضعيفاً ، رغم صداه القوي عبر سنين طويلة من النضال الوطني وقوافل من الشهداء والتضحيات . حزب الشيوعيين العراقيين من أعرق الأحزاب وأقدمها في العراق جذوره عميقه في تربة العراق بمواقفه المبدئية ونضالاته الوطنية ورجاله الشجعان .
في العقد الأخير من مسيرة عمره تلكأت بعض مواقفه وتأكل داخلياً واحدة من الأسباب الجوهرية تعرضه الى حملة قاسية من أعدائه الطبقيين وما تعرضت له الحركة الشيوعية واليسار العالمي الى التراجع والنكوص أثرها الكبير على مسيرته ولا ينكر تأثير جملة أخطاء أرتكبت في أدارة الصراع الداخلي والاجتهادات الفكرية من مواقف فكرية وتنظيمية ووطنية عاجز عن الوقوف أمامها برؤية نقدية موضوعية بعيداً عن المصالح الانانية ومرض اليسارية ( الطفولي ) في اليوبيل الذهبي عام ١٩٨٤ قمنا مهرجاناً فنياً كبيراً في وادي ( كرجال ) خلف قصبتي ( بيارا وطويلة ) قي محافظة سليمانية شاركت به قوى سياسية معارضة للنظام صديقة لنا وَمِما زاد من بهجة أحتفالنا بتلك الذكرى الأثيرة هو تقرير بث من أذاعة موسكو بالقسم العربي عن تاريخ حزب الشيوعيين العراقيين ورغم قصر مدته ، لكن أعطتنا دفعاً قوياً باتجاه التضامن الاممي الذي كان موضع تسأل لنا ؟. في العلاقة مع نظام البعث ومده بالسلاح الذي يستخدم ضدنا , قيمة ماركس تكمن في قراءته للتاريخ ومراحله .. أن الصراع الطبقي هو الذي يحكمها