“مقتدى الصدر” . . يتمرد على الأحزاب الشيعية و يتحالف مع الشيوعيين
لا يمثل تحالف الزعيم الشيعي مقتدى الصدر مع الحزب الشيوعي وحركات مدنية تمرداً على الأحزاب الشيعية التي تحكم قبضتها على الحكم فحسب، بل يمثل أيضاً تمردا على صورة نمطية دينية لطالما اعتبرت الشيوعيين كفاراً يجب محاربتهم.
تجاوز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كل التوقعات وفجر مفاجأة جديدة بإعلانه التحالف مع أحزاب يسارية ومدنية في الانتخابات التشريعية المقبلة، لتضاف الى سجله الحافل بالمفاجآت على مدى السنوات الأخيرة التي كان أبرزها الخروج من العباءة الإيرانية، والتمرد على الأحزاب الشيعية الحاكمة، بينما كان الصدر صاحب أول فكرة لتأسيس ميليشيا مسلحة “جيش المهدي” بدعم من طهران بعد العام 2003.
قرر الصدر الدخول في الانتخابات المقبلة عبر تأسيس حزب جديد باسم “استقامة” بدلا عن اسم “الأحرار”، وتقارب مع أحزاب يسارية وليبرالية ضمن تحالف انتخابي تحت اسم “سائرون نحو الإصلاح” وهو الشعار الذي تبناه الصدر عندما قرر الانضمام الى التظاهرات السلمية التي يقودها الحزب الشيوعي وحركات مدنية منذ ثلاثة أعوام.
وبذلك جدد الصدر قطيعته مع الاحزاب الشيعية، وهاجم التحالف المؤقت الذي جمع رئيس الوزراء حيدر العبادي مع الفصائل الشيعية ووصفه بالطائفي، لكن الصدر في المقابل تعرض لموجة انتقادات شديدة من قبل انصاره وأعدائه بسبب تحالفه مع الشيوعيين.
الصدر رد على الانتقادات ضده في بيان الجمعة الماضية قال فيه: “إذا تحالفنا مع الشيعة قالوا هذا طائفي، وان تحالفنا مع السنة قالوا عني وهابي وسعودي وبعثي، وان تحالفنا مع المدنيين قالوا أصبح شيوعيا، وان تحالفنا مع الأحزاب القريبة من إيران قالوا صفوي إيراني، وان تحالفنا مع الأحزاب القريبة من العرب قالوا عميل، أنا سأشارك في الانتخابات من اجل العراق وإبعاد الأصوات المتطرفة ودعم الأصوات المعتدلة لدعم الاصلاح والقضاء على الفساد والإرهاب”.
تحالف “سائرون نحو الاصلاح” الذي يقوده الصدر يضم ستة أحزاب أبرزها حزب الاستقامة”، والحزب الشيوعي العراقي العريق، و”التجمع الجمهوري العراقي” بزعامة سعد عاصم الجنابي رجل الأعمال السني المعروف بتوجهاته القومية، كل هذه القوى غير المتجانسة فكريا توحدت في تحالف واحد.
القيادي في الحزب الشيوعي جاسم الحلفي يقول لـ”نقاش” ان “الهدف من تشكيل تحالف سائرون هو تغيير موازين القوى نحو اضعاف احزاب المحاصصة الطائفية، ومحاصرة الفاسدين، وحشد قاعدة اجتماعية ذات مصلحة في التغيير، وهذه الأهداف المهمة هي التي جمعت أحزاباً مختلفة فكريا في تحالف واحد”.
ويضيف الحلفي ان “التحالف يسعى الى تبني مطالب التظاهرات التي انطلقت قبل ثلاثة اعوام، والمدافعة عن مصالح الجماهیر الشعبیة، فالمتظاهرون على مدى السنوات الماضية لم يكن لهم تمثيل سياسي مؤثر في الحكومة والبرلمان ولهذا لا احد كان يكترث لهم”.
في (31) تموز (يوليو) العام 2015 انطلقت تظاهرات شعبية واسعة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد بتحشيد من الحزب الشيوعي والقوى السياسية المدنية في البلاد تطالب بإصلاح العملية السياسية وانهاء المحاصصة الطائفية والفساد، وتمددت الاحتجاجات إلى المحافظات جنوب البلاد.
بعد أشهر من التظاهرات تراجع عدد المتظاهرين وكادت تتوقف، إلا ان مقتدى الصدر غير المعادلة عندما دعا الآلاف من انصاره للانضمام الى التظاهرات في نيسان (ابريل) العام 2016 لتعود الاحتجاجات أقوى مما كانت عليه حتى وصلت الى داخل المنطقة الخضراء المحصنة في حدث تاريخي لن ينساه العراقيون، ومنذ ذلك الحين لاحت بوادر تحالف نادر بين حركة إسلامية شيعية وحركة مدنية تتبنى العلمانية والدولة المدنية.
ويؤكد عضو الحزب الشيوعي طه رشيد ذلك، وقال لـ “نقاش” ان “التحالف الانتخابي بين حزبنا والتيار الصدري لم يحصل فجأة، بل جاء بعد نضال مشترك ضد الفساد في ساحات التظاهرات من اجل العمل على تحقيق اصلاح حقيقي وتحقيق دولة مدنية”.
كما أن هناك نقاطاً مشتركة أخرى تجمع الطرفين، أبرزها العداء لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، فالتيار الصدري يعتبر ألدّ أعداء المالكي ويصفه مقتدى الصدر دائما بالدكتاتور، كما ان اللجان التنسيقية للتظاهرات تكنّ عداءً قديما للمالكي يعود الى اول حراك شعبي جرى في 25 شباط (فبراير) 2011 عندما استخدم رئيس الوزراء الجيش والطائرات لضرب المتظاهرين العزل واعتقالهم.
ولكن التحالف بين الصدر والشيوعيين كانت له آثار جانبية أيضا، بعض القوى والاحزاب المدنية التي كانت الى جانب الحزب الشيوعي خلال الانتخابات التشريعية السابقة رفضوا التحالف مع التيار الصدري، وقرروا المشاركة في الانتخابات بشكل مستقل وابرز قادتهم النائبان فائق الشيخ علي وشروق العبايجي الذين اعتبروا ان من المستحيل ان يجتمع تيار ديني مع حركة مدنية.
تمرد على العقيدة الدينية
تفتخر الأحزاب الشيعية القابضة على سدة الحكم في العراق بعد العام 2003 بامتلاكها الأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية الثلاثة التي جرت أعوام (2005،2010،2014) وحصلت هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة على (178) نائباً من أصل (328) هو العدد الكلي لنواب البرلمان.
ويتكون التحالف الشيعي من التيار الصدري (34 مقعدا)، وائتلاف “المواطن” بزعامة عمار الحكيم (30 مقعدا)، و”تيار الاصلاح الوطني” بزعامة ابراهيم الجعفري وزير الخارجية الحالي (6 مقاعد)، وائتلاف “الفضيلة” (6 مقاعد)، و”ائتلاف دولة القانون” (101 مقعد)، إضافة الى كتلة “الصادقون” التابعة الى حركة “عصائب اهل الحق” (مقعد واحد).
انشقاق التيار الصدري من “التحالف الشيعي” يعني ضياع نحو (30) مقعدا نيابيا وبهذا سيخسر التحالف السياسي الشيعي الأغلبية السياسية التي كان يحققها بعد كل انتخابات، فيما يتجه الصدر نحو تحالف مع المدنيين وقوى سياسية أخرى بينها ائتلاف “الوطنية” بزعامة نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي الذي يشيد بمواقف الصدر ولم يستبعد التحالف معه بعد الانتخابات.
القيادي في التيار الصدري جعفر الموسوي يقول لـ “نقاش”: “نحن قررنا المشاركة في الانتخابات المقبلة من اجل تحقيق أهدافنا في القضاء على المحاصصة الطائفية ودعم شخصيات تكنوقراط لتولي المناصب العليا في البلاد”.
ويضيف ان “التيار الصدري أعلن استعداده للتحالف مع أي حزب سياسي يتبنى هذه الأهداف أيضاً بصرف النظر عن خلفياته الأيدلوجية ما دام الهدف بناء الدولة والقضاء على الفساد الذي يدمر البلاد”.
تحالف الصدر والشيوعيين لم يكن حدثا سياسيا لافتا فحسب، بل يمثل تمردا تاريخيا على عقيدة دينية إسلامية لطالما اعتبرت الشيوعيين كفاراً يجب محاربتهم.
وتروي الذاكرة العراقية الصراع الأول بين الشيوعيين والإسلاميين في منتصف القرن الماضي بعد تغيير نظام الحكم في العراق من النظام الملكي الى الجمهوري عام 1958 الذي قاده ضباط في الجيش بزعامة عبد الكريم قاسم وبدعم كبير من الحزب الشيوعي الذي كان الحزب الاقوى والأكثر انتشارا في البلاد والمنطقة العربية آنذاك.
في العام 1961 أصدر محسن الحكيم ابرز رجال الدين الشيعة في النجف (وهو جد رئيس حزب “الحكمة” عمار الحكيم) فتوى دينية صريحة نصت على “عدم جواز الانتماء إلى الحزب الشيوعي، لان ذلك كفر وإلحاد”.
واثر اتساع المد الشيوعي في المجتمع العراقي ووصوله الى المحافظات الجنوبية الريفية ولدت أولى الافكار في تاريخ المذهب الشيعي في مدينة النجف لتأسيس حزب سياسي بعدما كانت تعارض المشاركة في العمل السياسي، وفي عام 1960 تأسس حزب “الدعوة الإسلامية” الذي وصل الى الحكم في البلاد بعد 2003.
حتى الآن لا يمكن التكهن بما سيحصل عليه التحالف بين الصدر والحزب الشيوعي من مقاعد نيابية في الانتخابات، فالكثير من أنصار الصدر انتقدوا التحالف، كما أن الحزب الشيوعي خسر بعض جمهوره بسبب تحالفه مع حركة دينية، ولكن العديد من العراقيين ينظرون إلى التحالف فرصة تاريخية لكسر حاجز التحالفات الطائفية التي ترسم مسار العملية السياسية في البلاد منذ (15) عاماً.